ارشيف من : 2005-2008
الحكومة العراقية الجديدة.. تحديات كبيرة وكثيرة أولها الإرهاب

بغداد- عادل الجبوري
في الثامن والعشرين من شهر نيسان/ أبريل الماضي كان الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الانتقالية قد اعلن رسميا التشكيلة الوزارية، وفي اليوم التالي مباشرة شهدت العاصمة العراقية بغداد موجة من العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والعبوات والاحزمة الناسفة، تجاوزت العشر عمليات، واودت بحياة العشرات من المدنيين الابرياء الى جانب مئات الجرحى الذين ربما لم تَكفِ ردهات المستشفيات والمراكز الصحية لاستقبالهم.
كانت الرسالة واضحة بما فيه الكفاية، ومفادها "ان التحدي الاخطر والاكبر امام الحكومة ومنذ اليوم الاول هو الارهاب"، وبالفعل فإنه على امتداد عام كامل تقريبا بقي ملف الارهاب يتصدر الملفات الهامة والحساسة والخطيرة، وكانت ظلاله الثقيلة بادية بوضوح على الملفات الاخرى كالملف السياسي والملف الخدمي والملف الاقتصادي.
وبعد عام تكرر المشهد مرة اخرى مع تبدلات طفيفة لا تكاد تكون ملموسة ومحسوسة. في يوم السبت الماضي، الثاني والعشرين من هذا الشهر، تم حسم قضية مرشح الائتلاف العراقي الموحد (الكتلة البرلمانية الأكبر) لرئاسة الوزراء عندما تم التوافق على ترشيح القيادي البارز في حزب الدعوة الاسلامية نوري كامل المالكي بدلا من ابراهيم الجعفري، وكذلك تسمية مجلس رئاسة الدولة (رئيس الجمهورية ونائبيه)، وهيئة رئاسة مجلس النواب (رئيس المجلس ونائبيه)، وبعد اقل من ثمانٍ وأربعين ساعة شهدت بغداد يوما دمويا شبيها الى حد كبير بيوم التاسع والعشرين من نيسان/ابريل 2005 الذي اطلق عليه في حينه "الجمعة الدامية".
والرسالة الموجهة هذه المرة لم تختلف عن رسالة العام الماضي من حيث الجهة الموجِّهة لها، والجهة الموجَّهة إليها، ومن حيث التوقيت والادوات والمنهج، ولعل زعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو مصعب الزرقاوي اوضح جانبا من ذلك في التسجيل الصوتي الذي بثته له قناة الجزيرة الفضائية يوم الاربعاء الماضي.
ويبدو ان المالكي الذي يواجه مهمة صعبة ومعقدة للغاية تتمثل بتشكيل حكومة مشاركة وطنية تحظى برضى معظم ـ ان لم يكن جميع الاطراف والفرقاء السياسيين ـ الى جانب الاخذ بعين الاعتبار سرعة تشكيلها لان أي تأخير سيفضي الى تداعيات قد تكون خطيرة بعد الأربعة أشهر التي تطلبها الاتفاق على الهيئات الرئاسية، يبدو انه كان يدرك منذ البداية أن التحدي الاكبر امامه كرئيس وزراء، وامام حكومته، هو ملف الارهاب، وما يرتبط به من مفردات، لذلك فإنه اكد خلال احاديث وتصريحات له بعد تكليفه رسميا على جملة من القضايا، من بينها:
- الإسراع بتشكيل الحكومة، وتجديد عزمه على تشكيل الحكومة خلال خمسة عشر يوما، أي باختزال المدة الدستورية إلى النصف، باعتبار ان الدستور الدائم يمنح رئيس الوزراء المكلف فترة ثلاثين يوما لعرض التشكيلة الوزارية على البرلمان لنيل الثقة.
- تأكيده على ان تكون الحكومة متنوعة ديموغرافيا وعقائديا ومهنيا لمواجهة التحديات.
- تأكيده على ضرورة حل القوات غير النظامية (الميليشيات)، باعتبار انها من العوامل المؤدية الى اندلاع حرب اهلية.
- الإعلان عن اختيار شخصيتين مستقلتين لتولي حقيبتي الداخلية والخارجية.
هذه المبادئ العامة التي حرص المالكي على التركيز عليها دفعت اطراف العملية السياسية الى جانب الائتلاف العراقي الموحد (السنة والاكراد)، الى اعادة تأكيدها على موقفها الداعم والمساند لرئيس الوزراء المكلف، فجبهة التوافق العراقية اعربت عن رغبتها بالتعاون مع المالكي في مرحلة تقتضي قدرا عاليا من المرونة والالتزام الوطني وتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، وكذا الحال مع التحالف الكردستاني، وعلى العكس من القائمة التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي، وقائمة جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك، اللتين رفضتا الاشتراك في الحكومة الجديدة بذريعة انها حكومة طائفية او مبنية على أسس طائفية.
وهذا يعني ان مهمة المالكي ستكون سالكة ويسيرة الى حد ما خصوصا بعد الاتفاق على البرنامج السياسي والتشكيلات السياسية مثل مجلس الامن الوطني، وطريقة توزيع الوزارات بين الكتل السياسية التي تعتمد مبدأ احتساب النقاط.
هذا جانب من الصورة، وهناك جانب اخر تبدو فيه الصورة مختلفة نوعا ما، او قل قاتمة، اذ ان اقرار مبدأ احتساب النقاط عند توزيع الحقائب الوزارية لا ينفي احتمال حصول تجاذبات غير قليلة لان خريطة الحكومة الجديدة لن تكون كما هي الحال في الحكومة الانتقالية برئاسة ابراهيم الجعفري لاسباب عديدة، لعل من ابرزها دخول اطراف جديدة مثل القوى والتيارات السياسية السنية بقوة في العملية السياسية، وتحقيقها نتائج يعتد بها في الانتخابات البرلمانية، وكذلك الدعوات المتواصلة من هنا وهناك لمراعاة الاستحقاق الوطني الى جانب الاستحقاق الانتخابي، حتى تكون هوية الحكومة هوية وطنية شكلا ومضمونا، وهذا يعني بالتالي ضرورة تقديم الكتل البرلمانية ـ ولا سيما الكبيرة ـ تنازلات بنسبة معينة لتوسيع مساحة المشاركة واستيعاب مكوّنات سياسية من خارج قبة مكونات البرلمان.
ويبدو ان جبهة التوافق العراقية متحمسة لذلك حتى انها ربطت بين نجاح الحكومة والمشاركة الواسعة، اذ جاء على لسان الناطق باسم الجبهة ظافر العاني "ان نجاح الحكومة يقوم على ضرورة اشراك كل القوائم السياسية الفائزة فضلا عن تخصيص حصة للمكوّنات الوطنية والقومية والدينية الموجودة في العراق، والقوى السياسية من خارج البرلمان". في ذات الوقت الذي اعتبر فيه مراقبون سياسيون "ان نجاح المالكي في صناعة حكومة قوية هو الايفاء بتعهداته بأن تكون لكل العراقيين".
ولا شك ان القول بإمكانية اكتمال التشكيلة الوزارية خلال اسبوعين ينطوي على استغراق مبالغ فيه بالتفاؤل، لان حسم التفاصيل والجزئيات والتوفيق بين الرغبات والحسابات المختلفة قد يتطلب وقتا اطول، وسرعة الحسم لا ترتبط فقط بطبيعة شخصية رئيس الوزراء وحنكته السياسية وقدرته على تقريب وجهات النظر وطرح الحلول الناجعة، وانما ترتبط ايضا بمدى استعداد الكتل السياسية بإبداء المرونة المطلوبة للاسراع بإنجاز مهمة تشكيل الوزارة، التي تعد الخطوة الاهم للانطلاق في المرحلة السياسية الجديدة، التي تفرض ان يكون هناك فريق سياسي منسجم ومتجانس، يوازيه فريق امني يتمثل بالفريق السياسي، مضافا اليه وزيري الداخلية والدفاع، ومستشار الامن الوطني ومدير المخابرات.
ونجاح الحكومة العراقية الجديدة في الملف الامني سيفضي تلقائيا الى تحقيق نجاحات في الملفات الاخرى الخدمية والاقتصادية، والعكس صحيح.
ولعل من الخطأ انتظار الحلول والمعالجات السريعة، اذ لا بد من اعطاء فسحة كافية من الزمن لتثبت حكومة المشاركة الوطنية (حكومة نوري المالكي) قدرتها على مواجهة التحديات، والتعاطي معها بحنكة وعقلانية وبأقل قدر من الخسائر، وخصوصا انها ما ان تشرع بعملها ستجد أمامها على الطاولة كماً كبيراً من المطالب والاستحقاقات: القضاء على الارهاب، تحسين الخدمات، انهاء الاحتلال، القضاء على البطالة، وضع حد لمعاناة ملايين العراقيين الممتدة من حقبة النظام السابق ولم تتوقف حتى الان.
كل تلك الملفات ـ المشكلات ـ وغيرها على الحكومة الجديدة ان تفتحها بالكامل، وتتعامل معها بكل وضوح وشفافية، وتوجد لها حلولا ومعالجات حقيقية وواقعية، والا فإنها لا يمكن ان تدوم اربعة اعوام، وهو عمرها الدستوري المفترض.
وهذه ليست مهمة نوري المالكي وحده، بل هي مهمة الجميع.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1159 ـ 28 نيسان/أبريل 2006