ارشيف من : 2005-2008

من لا يعجبه الأمر... فليرحل!

من لا يعجبه الأمر... فليرحل!

الرابحون من ارتفاع أسعار النفط هم بالدرجة الأولى أصحاب شركات النفط العالمية وفي طليعتها الأميركية، وبالدرجة الثانية أولئك المحظوظون أو "المبتلون" ببحار النفط التي تسبح فوقها رمال باديتهم التي تعيد إنتاج شكلها على مثال زيوريخ ولوس أنجلوس ولاس فيغاس... مع جنائن معلقة تذكر ببابل القديمة... وما أدراك ببابل القديمة، وبحكام بابل القديمة!‏

والخاسرون هم الذين يضطرون للدفع لمحطات البنزين ولقوارير الغاز وغالونات المازوت، وما إلى ذلك من مدفوعات يتذمر منها الناس عندنا ويجأرون بالشكوى ثم يشترون مكرهين محبطين.‏

وأكثر الناس تضرراً بين هؤلاء هم المستهلكون الصغار عندنا، والأكبر بعض الشيء، في أوروبا وأميركا، ممن يودعون أزمة نفط الشتاء البارد لتستقبلهم أزمة نفط الصيف الحار. شيء يبعث أصحاب السيارات الأميركية ذات الخزان المزدوج والأعداد الكبرى من "السيليندرات" على الثورة أو على صب جام الغضب على محطة المحروقات، أو ربما على السيارة والانتحار.‏

من جهته، هيغو شافيز (الرئيس الفنزويلي) قال: من لا يعجبه الأمر فليرحل.‏

استصدر قانوناً يسري منذ أول نيسان/ أبريل ويقضي بأن يسيطر العملاق النفطي الفنزويلي بتروليوس على 60 بالمئة قابلة للزيادة من الحصص، تاركاً للشركات العابرة للقارات 40 بالمئة قابلة للتناقص، تبعاً للقدرات الاستقلالية لبتروليوس.‏

17 شركة نفطية دولية وقعت الاتفاق مع الشركة الوطنية الفنزويلية، ومن لا يعجبه الأمر فليرحل!‏

مليارا دولار إضافية كسبتها خزينة فنزويلا هذا العام. بعد أن كانت وجهة سيرها نحو نيويورك أو لندن أو أمستردام. وعندما فعل شافيز ذلك أرفق فعله بالعبارة التالية: العالم قد يقول وداعاً للنفط الرخيص.‏

كان النفط بـ35 دولاراً، وقد يصل قريباً إلى المئة.‏

والمثال الفنزويلي له ما يقاربه في بوليفيا والبيرو حيث قد يتم استبدال صيغة التأميم المزمعة بصيغة الشراكة المفيدة مع شركات النفط العالمية العملاقة.‏

كما يأتي الإعلان، يوم الجمعة الماضي، عن بلوغ البرازيل درجة الاكتفاء الذاتي في مجال الانتاج النفطي، ليفسح في المجال، بفضل تطور تقنيات التنقيب في البرازيل، أمام دفع فكرة منظمة نفطية أميركية لاتينية، من شأنها، في ظل الاستراتيجيات السياسية المتحررة من إملاءات الولايات المتحدة أن تخلق مناخاً أكثر توازناً في العلاقات الدولية.‏

في بلداننا أيضاً دول لا تترك حصة الأسد للشركات الأجنبية، كما هي الحال بالنسبة لأكثر دولنا. ولكن المثال الأميركي اللاتيني يبدو جديراً بالاحترام من قبل بلدان شقيقة منتجة ومتخمة بالنفط وبالدولار النفطي، مقابل بلدان شقيقة تشعر بالبرد ولا تجد وقوداً لإنضاج الخبز.‏

هيغو شافيز يتبرع بكميات من النفط لفقراء الولايات المتحدة ليذكرهم بأنهم سينتمون يوماً ما إلى وطن أكثر إنسانية. والأكيد بأن الكثيرين من مشايخ نفطنا لا يترددون في القيام بمبادرة مماثلة يلمعون بها صورتهم في الغرب، دون أن يفطنوا إلى معان لا تتجاوز الصدقة، ودون تساؤل عن وجوه تحصيلها وصرفها. ودون أن يفطنوا خصوصاً إلى أن شافيز قد بدأ بالأقربين قبل أن يصل إلى الأبعدين. أين أنت يا شافيز وكم هو الوقت اللازم لصدقاتك النفطية حتى تصل إلى بلداننا التي يرفع عنها الدعم الحكومي، وإلى بلداننا الأخرى التي تحتاج دروساًَ في كيفية توجيه الكلام إلى شركات النفط العملاقة: من لا يعجبه الأمر فليرحل!‏

ع.ح‏

الانتقاد/ مقالات ـ العد 1159 ـ 28 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-28