ارشيف من : 2005-2008
الملف النووي الإيراني: بين النفس الطويل لصانعي السجاد ومغامرات رعاة البقر

طهران ـ محمد علّيق
"إيران النووية والمقتدرة سيكون لها دور أكبر في تثبيت الأمن والسلام إقليميا ودوليا"، هذا ما قاله الدكتور علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني في رده على الاتهامات التي تروّجها الأوساط الأميركية حول خطر امتلاك إيران للتقنية النووية، ويذكّر بروجردي بالدور الإيراني في تخفيف التوتر وإحلال الهدوء في مناطق عديدة وحساسة كلبنان وأفغانستان وطاجكستان وقره باغ وغيرها.
إيران بعد استكمالها لدورة تخصيب اليورانيوم وانضمامها للنادي النووي (الذي يضم روسيا والبرازيل والولايات المتحده الاميركية وفرنسا بشكل منفرد وهولندا وبريطانيا وألمانيا بشكل مشترك على الأراضي الهولندية), استطاعت بحركة سريعة أن تلتف على الضغوط الغربية التي كانت قد نجحت في نقل المعركة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن الدولي لتحول الملف النووي الإيراني من مسألة تقنية علمية إلى مسألة سياسية أمنية مع ما يرافقها من حرب نفسية وإعلامية، كان آخر فصولها ما سربته صحيفة "غالف توداي" من سيناريو هجوم أميركي على إيران ينطلق من بحر قزوين (بحر الخزر)، بقيادة الجنرال جان أبي زيد.. وقد بدأ العمل على التدريبات الميدانية في العام 2003.
واعتبرت المصادر الإيرانية هذه التسريبات جزءا من الضغط السياسي الأميركي مع أخذ احتمال المواجهة العسكرية بعين الاعتبار كخيار قد يجربه الأميركيون اذا استمر إخفاقهم على المستوى السياسي في هذا الملف، حيث انتهت جلسة موسكو (5+1) التي ضمت دول الفيتو إضافة إلى ألمانيا، من دون أن تنجح الضغوط الأميركية في إصدار أي قرار ضد إيران في ظل الرفض الصيني ـ الروسي للتصعيد والدعوة لاعتماد المنطق والعقل، وتأكيد نائب رئيس مجلس الدوما الروسي أن على الغرب أن يتقبل ويعتاد على "إيران النووية".
المسؤولون الإيرانيون يعملون حاليا بشكل متوازٍ لمواجهة الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة بعد انقضاء المهلة التي أعطاها مجلس الأمن الى إيران لتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم في 28 نيسان الحالي, والثابت الأساسي في سياسة عدم العودة عن التطور النووي السلمي الإيراني ان هذه المهلة قد سقطت في الواقع نظرا لوصول إيران الى التخصيب الكامل، فأصبحت "سالبة لانتفاء الموضوع" كما يؤكد مسؤول مجلس الأمن القومي الدكتور علي لاريجاني الذي يتساءل: لماذا نتخلى عن حقنا هذا؟ نحن جاهزون لطمأنة العالم حول سلمية برنامجنا النووي الملتزم بمعاهدة (NPT) والمراقب من الوكالة الذرية الدولية.
رئيس الوكالة الدكتور محمد البرادعي ومن خلال زيارته الأخيرة لإيران ومباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين أكد "أننا لم نعلن أبدا ان هناك أدلة تناقض سلمية العمل النووي الإيراني، بل هناك بعض الإبهامات التي نسعى لإزالتها، وهذا ما أعلنه أيضا مندوب إيران في الوكالة علي أصغر سلطانية الذي عُيّن مندوبا لإيران في مكتب الأمم المتحدة في أوروبا وسائر المنظمات الدولية في فيينا، والذي قال إن ما عندنا من معطيات وأدلة سوف يؤثر بشكل كبير على التقرير الذي سيعده البرادعي عند انتهاء المهلة بعد حوالى الأسبوع، حيث يتركز العمل الدبلوماسي الإيراني على إعادة الملف الى الوكالة الدولية.
وسيصل مساعد البرادعي "أولي هاينون" إلى طهران خلال الأيام القليلة القادمة كما أكدت لنا مصادر إيرانية متابعة، مشيرة الى ان هدف الزيارة هو الحصول على عينات من اليورانيوم المخصب لتأكيد عملية التخصيب بشكل رسمي من الوكالة بعد لهجة التشكيك التي صدرت من مصادر غربية سعت لتصوير الإعلان الإيراني مناورة سياسية وإعلامية.. والمهمة الثانية لزيارة المسؤول النووي الدولي تتمثل في السعي لحل الإشكالات والإبهامات الباقية في الملف وإعطاء الضمانات المطلوبة لشفافية أكبر، الأمر الذي يسهل تجاوز تسييس الملف.
وفي خط موازٍ للجهود الدبلوماسية التي نجحت خليجيا ودوليا الى حد كبير في امتصاص الضغط والتهويل الأميركي الإسرائيلي وفي الحصول على مواقف متضامنة مع حق إيران في الاستفادة السلمية والدعوة لحل المسألة سلميا وعبر الوكالة الدولية, جاءت عروض القوة الإيرانية لتجابه احتمالات أي عمل عسكري.
فالرئيس الإيراني الدكتور أحمدي نجاد أعاد مواقف إيران الحاسمة في الرد على أي اعتداء، وذلك في استعراض عسكري كبير بمناسبة يوم الجيش الإيراني، تخلله عرض أسلحة جديدة متطورة: صواريخ وطائرات وقوارب حربية، موكداً في الوقت نفسه أن إيران النووية القوية هي المدافع الأول عن السلام والاستقرار في المنطقة.
وجاء مؤتمر دعم القدس في طهران والمواقف المتضامنة مع فلسطين وكذلك مع حق إيران في التطور العلمي، والتي صدرت من 70 دولة مشاركة، ليشكل رسالة قوية وواضحة للإدارة الأميركية التي تسعى جاهدة لتجييش العالم ضد إيران وتخويف دول الخليج والمنطقه من قدرة إيران.
تضيف المصادر الإيرانية المتابعة: إن الوضع الحالي يزداد تعقيدا وصعوبة على الأميركي الذي يجد نفسه وحيدا تقريبا في سيناريو مغامرة عسكرية ضد الجمهورية الإسلامية بعد الرفض البريطاني والألماني والأطراف الحليفة تقليديا لأميركا كاليابان مثلا، التي تملك مشاريع نفطية مشتركة مع إيران يصل أحدها الى ملياري دولار في حقل نفطي واحد، لأي مواجهة عسكرية مع طهران، وكذلك الخوف الإسرائيلي من مواجهة كهذه وترك الأميركي يحارب بالنيابة.. كما أن الهند وباكستان دعتا إلى تحكيم منطق الحوار لحل المسألة النووية، وذلك حتما يصب في مصلحتهما.
الإيرانيون سائرون في طريقهم برغم إدراكهم المخاطر التي تعوّدنا عليها كما يؤكد وزير الصناعة الإيراني طهماسبي، الذي يستبعد فرض عقوبات جدية ومؤثرة على إيران قائلا: ان تجاربنا في المقاطعة الاقتصادية التي فُرضت علينا سابقا وكنا أضعف بكثير، تؤكد أن الغرب هو الخاسر، وخاصة في مجال الطاقة والصناعة. وعمليا فإن سياسات الحصار الغربي سقطت منذ زمن بعيد، ونحن الذين استفدنا ووصلنا الى الاكتفاء الذاتي في أغلب المجالات.
ومع ذلك تبقى المغامرة العسكرية الأميركية بنظر الإيرانيين احتمالا جديا قد يقدم عليه الأميركي في هروب الى الأمام، وإن كان الوضع الإيراني بعد الإعلان النووي ومؤتمر القدس ودبلوماسية حسن الجوار ونزع التوتر في الخليج واستمرار التعاون الفعال مع الوكالة الذرية والمجتمع الدولي، هو وضعا قويا يستطيع أن يسحب الذرائع وأن يحافظ في الوقت نفسه على الثوابت والحقوق والمصالح الإيرانية والإسلامية.
أخيرا، عندما تسأل الإيراني في طهران عن احتمال المواجهة مع أميركا يبتسم قائلا: وهل توقف العدوان الأميركي لحظة واحدة على إيران منذ انتصار الثورة؟ أشكال المواجهة وأساليبها تختلف، والنفس الطويل لصانعي السجاد الإيراني طالما أفشل المغامرات الهوليودية لرعاة البقر الأمريكيين.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006