ارشيف من : 2005-2008

التهديدات الأميركية لإيران: قعقعة بلا طحين خوفاً من الرد!

التهديدات الأميركية لإيران: قعقعة بلا طحين خوفاً من الرد!

عقيل الشيخ حسين‏

الواشنطن بوست وصحف أميركية أخرى كتبت قبل أيام، عن سيناريوهات لضربات عسكرية تدرس الإدارة الأميركية إمكانية توجيهها إلى إيران كحل للأزمة التي يثيرها ملفها النووي منذ عدة سنوات.‏

أحد تلك السيناريوهات تحدث ـ بلغة هوليودية واضحة ـ عن ضربات بقنابل نووية تكتيكية قادرة على اختراق تحصينات المنشآت النووية الإيرانية، ما سيخلق أوضاعاً تدفع الشعب الإيراني إلى التحرك ضد النظام الحاكم... وإسقاطه! وهكذا تنتهي القصة بالطريقة التي تنتهي بها آلاف الأفلام التي يحقق فيها الـ"جي آيز" أو عملاء الـ"سي آي إي" انتصاراتهم الباهرة والمعروفة.‏

لكن صناعة الأفلام بالشكل الذي تتطلبه غرائبيات الأحلام شيء والواقع شيء آخر.. ولعل هذا الفارق بين الحلم والواقع هو ما جعل وزير خارجية الدولة الأشد تحالفاً مع الولايات المتحدة، البريطاني جاك سترو، يصنف الكلام الأميركي في خانة الجنون، ثم في خانة الحماقة.‏

ولم يفسر الوزير كيفية وصوله إلى هذا التشخيص، ولكن مسؤولاً أميركياً هذه المرة ـ هو الجنرال أنطوني زيني القائد السابق للقوات الأميركية في الخليج ـ اعتبر أن تنفيذ السيناريوهات هذه هو "عملية محفوفة بالمخاطر".‏

وليس أدل على وجاهة تفكير زيني من أن مجرد الكلام الأميركي عن الضربات دفع سعر برميل النفط نحو العودة إلى الاقتراب من عتبة سبعين دولاراً بعد أسابيع طويلة جداً ـ بقياس الزمن الحالي ـ من الهدوء في حدود ستين دولاراًً. والأكيد أن زيني لم يكن يقصد بشكل خاص المخاطر ذات الصلة بالنفط، وإن كانت هذه المادة وحدها تشكل سلاحاً لا يقل ناجعية في فرض السياسات وتغيير المسارات والمصائر من السلاح النووي بالذات. فالرجل عسكري ولا مجانبة للحقيقة في الظن أنه قد قصد بحديثه عن المخاطر، مخاطر عسكرية بالدرجة الأولى.‏

والأكيد أيضاً أن المخاطر التي تحدث عنها هي بطبيعة الحال غير تلك المقصودة بذاتها، والتي تهدد الإيرانيين. لذا يبقى أنها مخاطر تهدد الأميركيين وحلفاءهم.‏

وهنا يطرح السؤال حول عدم تفكير أصحاب السيناريوهات بالوجه الآخر للمشكلة، أي بالرد الإيراني عليها. فالحقيقة أن الجنون والحماقة اللذين تحدث عنهما جاك سترو هما خير ما يفسر المسلك الأميركي في وقت لم تكد تنتهي فيه المناورات التي أجرتها الجمهورية الإسلامية وجرّبت فيها أجيالاً من الأسلحة المتطورة التي لم يسبق لأميركا ـ إلا في حالات نادرة ـ أن واجهت أمثالها أو أمثال الأجيال البشرية التي تمتلك ذلك النوع من العزائم التي تزيد قدرتها التدميرية على قدرة الرؤوس النووية.‏

ومجمل القول ان مغامرة أميركية عسكرية في إيران بعد كل المرارات التي تجرعها الأميركيون في فيتنام وطبس وبيروت والصومال وأفغانستان والعراق، ستكون كل شيء ما عدا ذلك النوع من النزهات الممتعة.‏

وأغلب الظن أن أمثال بوش ورايس وتشيني ورامسفيلد وبولتون لن يحاكموا بعد مغامرتهم الإيرانية الفاشلة، فيما لو رفعوا مستواها من الحرب النفسية إلى الحرب الفعلية، على الطريقة المألوفة بين جيوش من القضاة والمحامين والمحلفين، بل على نواصي الشوارع وبالطرق الميدانية الشعبية المشابهة لما حصل مع تماثيل صدام حسين، مع فارق أنها ستكون هذه المرة باللحم والدم.‏

هل يمكن مثلاً لحفنة الجنرالات وغيرهم من المهووسين الذين يتحدثون عن ضرب إيران أن يكونوا قد وصلوا إلى مستوى من الجنون والحماقة لا يدركون معه ضخامة ردود الفعل وضخامة التداعيات؟!‏

وإذا كان المراقبون يتحدثون عن ضغوط إسرائيلية على الولايات المتحدة لدفعها إلى ضرب إيران، وإذا كانت "إسرائيل" قد سلكت النهج المبرمج الذي سلكته في حرب بوش الأب على العراق والقاضي بعدم التدخل لعدم إحراج العرب، فإن "إسرائيل" قد هددت أكثر من مرة بتوجيه ضربات على حسابها الخاص للمنشآت النووية الإيرانية، ولن يكون بإمكانها من الآن فصاعداً أن تستثمر في حروب بالوكالة يخوضها لحسابها الخاص هذا التحالف الدولي أو ذاك، لأن الحلف الأطلسي عندما يمد أذرعه الأخطبوطية لعقد معاهدات عسكرية مع بلدان الخليج، أو لإدماج بلدان مثل المغرب والجزائر ومصر والأردن في مناورات عسكرية مشتركة مع "إسرائيل"، سيفاجأ عاجلاً أم آجلاً بتشكيل وبتشكل أحلاف مقاومة مضادة، وستجد "إسرائيل" نفسها في جميع الحالات متورطة في أي مواجهة قد تحصل مع إيران، لا لسبب، إلا لأن الجهالة الأميركية والإسرائيلية والأوروبية في التعامل مع الملف النووي الإيراني قد خلقت لإيران حلفاء كثيرين لن يقفوا مكتوفي الأيدي.. والأكيد أن "إسرائيل" ستكون في طليعة الخاسرين، وبخسارة أكبر وأكبر مما يتوقعون. وإلا فكيف تفسرون "الكوما" العسكرية التي تعيشها "إسرائيل" منذ أن فهمت أن الحروب النفسية لم تعد تكفي لتحقيق الانتصارات الميدانية، وأن المواجهات الميدانية لم تعد مجرد مسرحيات عربية ـ عبرية لتنفيذ سياسات مبرمجة!..‏

فمن الآن وصاعداًً، لن يكون بإمكان "إسرائيل" مهما كان عدد قنابلها النووية، أن تقفز على الواقع الجديد: عدم قدرتها على استيعاب الضربات؛ وهو واقع ذو وزن منذ اللحظة التي يوجد فيها من هو مستعد لتوجيه بعض الضربات.‏

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-28