ارشيف من : 2005-2008
رامسفيلد وحرب الجنرالات

الجنرال جان باتيست قائد فرقة المشاة الأولى في العراق. الجنرال شارل سواناك قائد الفرقة 82 المحمولة جواً والعاملة في العراق. أربعة جنرالات أميركيون آخرون ممن سبق لهم أن عملوا في العراق ثم تقاعدوا، انضموا إلى هذين الجنرالين في المطالبة باستقالة وزير الحرب الأميركي، دونالد رامسفيلد، بعد أن تحدثوا عن أخطاء ارتكبها في إدارته لحرب العراق، وخصوصاً عن سياسة تخويف كان يعتمدها إزاء العسكريين بهدف إجبارهم على السكوت وعدم الاعتراض على أخطائه.
يؤكد الجنرالات المذكورون أن رامسفيلد، الذي يجمع الصلف إلى عدم الكفاءة، لم يكن يستمع إلى اقتراحاتهم، الأمر الذي تسبب بإحباط كبير داخل الجيش. ومن جهته، قدم الجنرال ويسلي كلارك، وهو القائد السابق لقوات الأطلسي في أوروبا الذي سبق له أكثر من مرة أن أعلن رفضه للحرب على العراق، قدم دعمه إلى الجنرالات المذكورين معتبراً أن رامسفيلد لم يقم بعمل جيد، وأن عليه أن ينسحب. ويضيف كلارك الذي سبق أن رشح نفسه لقيادة الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة، عام 2004، والمرشح المحتمل لرئاسيات العام 2008، يضيف بأن سيد البنتاغون، دونالد رامسفيلد، ونائب الرئيس، ديك تشيني، قد ورطا الولايات المتحدة في تدخل عسكري لا علاقة له بمكافحة الإرهاب، وبأنهما قاما بإعلان الحرب قبل استكمال الجهود الديبلوماسية.
ثم يتكلم كلارك عما أسماه بـ"الخطأ المأساوي" وبـ"الخطأ الإستراتيجي"، ربما ليتميز عن كوندوليزا رايس التي لم تتحدث إلا عن آلاف "الأخطاء التكتيكية"، قبل أن يختم قائلاً بأن الأوان قد آن لتعيين قيادة جديدة للجيوش الأميركية في العراق.
وقد انضم إلى حملة منتقدي رامسفيلد نواب وأعضاء في مجلس الشيوخ كالسناتور كريستوفر دود الذي اعتبر أن ما هو أشد خطورة في هذه القضية من آراء الضباط المتقاعدين الذين صرحوا بانتقاداتهم لرامسفيلد هو آراء الضباط غير المتقاعدين الذين لا يجرؤون على توجيه الانتقاد للقيادة السياسية.
الرئيس بوش، القائد الأعلى للقوات الأميركية، أي المسؤول المباشر عن رامسفيلد، قطع إجازة عيد الفصح وعاد إلى واشنطن حيث دافع عن وزير دفاعه دون مواربة. تبعه في ذلك لفيف من كبار الضباط المتقاعدين الذين نشروا بياناً اعتبروا فيه أن الدعوة لإقالة وزير الدفاع في زمن الحرب يمكنها أن تلحق الضرر بما أسموه "رسالة الولايات المتحدة"، كما يمكنها أن تعطي دفعة لقوى الشر التي "نحاول الحاق الهزيمة بها"، على ما جاء في البيان.
وفي الوقت نفسه، أصدر البنتاغون بياناً دافع فيه عن رامسفيلد مؤكداً أنه شارك، منذ العام 2005، في 139 اجتماعاً مع قيادة الأركان، ولم يحدث له أن منع الضباط من التعبير عن آرائهم.
وفي خضم النقاش المتصاعد، ردد بعض المعنيين فكرة تقول بأن ما يجري إنما يهدف إلى تحويل رامسفيلد إلى كبش محرقة، وأن التضحية به لا تحل أزمة العراق.
وقد علقت صحيفة ليبراسيون الفرنسية على ذلك، واعتبرت أن مسؤولية رامسفيلد جسيمة وبأنه يشكل، أكثر من أي شخص آخر، أكبر مآزق إدارة بوش، ويثير بصلفه الامتعاض داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومع ذلك، اعتبرت الصحيفة أن تجريمه لا يجب أن يحجب أخطاء الإدارة الأميركية بمجملها وخصوصاً تلك التي ارتكبها الرئيس بوش بصفته المسؤول الأول عن تلك الإدارة والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
أما آخر تطورات القضية، بعد الارتصافين المتضادين بين إدانة رامسفيلد والدفاع عنه، فتمثلت بتصريح اعتبر فيه رامسفيلد نفسه أن الأمر لا يزيد عن كونه ضجة إعلامية مصيرها إلى الخفوت والتلاشي.
وعلى فرض صحة ذلك، فإن رامسفيلد وبقية أركان الإدارة الأميركية لن يجدوا أنفسهم في وضع أفضل فيما لو كف المنتقدون عن توجيه انتقاداتهم، لأن المشكلة ليست فقط في الانتقادات التي قد يمكن التعامل معها بالتجاهل والصلف، بل في الواقع الذي يثير تلك الانتقادات والذي لا يفيد معه دفن الرؤوس في الرمال. ذلك الواقع هو تلك الحرب التي بنيت على الكذب لخداع الرأي العام، والتي قدمت كنزهة ستنتهي سريعاً بنشر الحرية والديموقراطية.
وإذا ما وضعنا جانباً آلام العراق واقتصرنا على الثمن المادي والبشري والمعنوي الذي يدفعه الأميركيون في هذه الحرب/ الورطة، لأمكن لرامسفيلد وأمثاله أن يقولوا أي شيء غير ما يقولونه عن الضجة الإعلامية العابرة.
فالحقيقة أن الحرب/ الورطة قد أدت، فيما أدت إليه، إلى انقسام أميركا على نفسها بشكل لا سابق له إلى درجة دفعت نواباً جمهوريين وديموقراطين ـ قبل أيام قليلة من ارتفاع ضجة الضباط المتقاعدين ـ إلى تجاوز انقسامهم التقليدي وتشكيل فريق عمل لوضع سياسة بديلة في العراق بهدف جمع الأميركيين. هاجس لا يبدو أنه مأخوذ في حساب الفريق الذي يعمل فيه رامسفيلد، والذي لا يعبأ بالضجيج العابر في سيره الواثق نحو "الانتصار الأميركي" الذي لا يكف الرئيس بوش عن التبشير به في وقت بدأت فيه بشائر الهزيمة تلوح وسط انقسام الأميركيين إلى معسكرين لكل منهما سياسيوه وجنرالاته المتحمسون.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1158ـ 2 نيسان/ ابريل 2006