ارشيف من : 2005-2008
من روما إلى ليما.. معركة واحدة

عقيل الشيخ حسين
الانتخابات التي ذهبت بإحدى أذرع واشنطن في أوروبا ثم في حرب العراق، أي بالإسباني خوسيه ماريا آزنار، ذهبت أيضاً بذراع أخرى لا تقل وزناً: سيلفيو بيرلسكوني.
هزيمة برلسكوني أمام رومانو برودي هي ـ بجميع المقاييس ـ استفتاء على قبول أو رفض هذه الأنماط الجديدة من الحكم التي تعتلي سدد الرئاسات بمال الامبراطوريات الإعلامية والسياحية وشركات التأمين والمضاربات، لتحوّل البلاد والعباد إلى مجرد أسواق يديرها التجار لمصالح التجار، في خضم من ممارسات استغلال النفوذ والفساد.. تماماً كما هي الحال مع التايلندي تاكسين شيناواترا، مع فارق أن هذا الأخير لم يلمع كبرلسكوني عبر إرسال جيوشه إلى العراق، وإن كان قد لمع مثله في مجال الصفقات المشبوهة التي لا يمكن من دونها ومن دون أمثالها لهذا الطراز من رجال الحكم أن يراكموا كل هذه الأعداد من المليارات.
برلسكوني المنهزم أمام برودي انهزم في الحقيقة أمام عدة فضائح لاحقته خلال الشهرين الأخيرين، واستمرت بملاحقته حتى صندوق الاقتراع الذي رافقته إليه والدته روزا البالغة من العمر 96 عاماً.. فضائح فساد وإفساد طار لهما وزير برلسكوني للصحة المسؤول عن خطة ضخمة لمكافحة إنفلونزا الطيور.. [هل يمكن أن تكون هنالك علاقات بين الصحة والفساد وإنفلونزا الطيور؟!]، ثم وزيره للإصلاح ذاك الذي ارتدى قميصاً عليه أحد الرسوم المسيئة للنبي (ص)، ثم لاحقت برلسكوني نفسه بعد أحاديث عن رُشى دفعها لزوج وزيرة بريطانية لغض النظر عن تفاصيل إعلامية في امبراطورية برودي.
لا أحد يعلم ما سيكون عليه حكم رومانو برودي وحلفائه الشيوعيين، ولكن الأكيد أن إيطاليا وغيرها من بلدان أوروبا والعالم بحاجة لشيء من الجرأة في رفض حرية السوق والعودة مثلاً إلى شعارات من نوع حرية الإنتاج، أي تلك الحرية التي أزهقتها خلال العقود الماضية تشريعات منظمة التجارة العالمية، وترتيبات البنكيين الدوليين الهيكلية.
آفة إيطاليا في هذا المجال هي في كونها ـ وإن حكمها شيوعيون يقودهم سوسيال ديموقراط من يسار الوسط، ستظل إيطاليا العضو في مجموعة الثماني، وإيطاليا غير المحكومة بسهولة في ظل مواقع القوى التي يحتفظ بها برلسكوني.
من الحلول الممكنة، قد يكون على إيطاليا برودي والشيوعيين أن تقرأ درس البيرو، وأن تحاول الاستيحاء.
أويانتا أومالا القومي اليساري القريب من الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز، والذي قد يصبح رئيساً للبيرو إذا ما حالفه الحظ في الدورة الثانية مثلما حالفه في الدورة الأولى، ينوي وقف الخصخصة والعودة إلى سياسة التأميم في سلسلة إجراءات يفترض فيها أن تجعل من الاقتصاد مرفقاً في خدمة بلد، لا في خدمة "أوليغارشيا" مالية وظيفتها إدارة اقتصاد مدولر.
الأكيد أن خيارات من هذا النوع لن تُستقبل بالأحضان: في البيرو لا يبدو أن الوعي بالمشكلة قد وصل إلى مستوى يردع المتعيشين على فتات شركات السياحة والفن عن رمي أويانتا أومالا بالبيض الفاسد والطماطم، مع التهديد بمغادرة البلاد إلى لاس فيغاس مثلاً فيما لو وصل إلى الحكم..
ولكن ضخامة المشكلات في إيطاليا وغيرها من البلدان تتطلب عملاً شجاعاً لإحياء الوضع السياسي الرصين بعد كل ما أصابه من موت ذريع في ظل تحكم همجية المال الخاص وشدة فتكته بالاقتصاد العام. وأيضاً قد يكون على إيطاليا استلهام أميركا اللاتينية في مجال سياسة التحرر من ربقة العم سام.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006