ارشيف من : 2005-2008
الإعلان النووي الإيراني: مفاجأة وذهول إسرائيليان ومواصلة على التحريض

يحيى دبوق
سقطت الأنباء النووية الإيرانية على الكيان الإسرائيلي سقوطا مدويّا، ارتد على مجمل الواقع الإسرائيلي بحيث رحّل كل اهتمامات الساحة الداخلية إلى الخلف... ومن مجمل تتبع ردود الفعل والتصريحات الإسرائيلية، يظهر أن الكيان الإسرائيلي يحاول أن يتحرك باتجاه طمأنة الجمهور الإسرائيلي أساسا، إضافة إلى حث المجموعة الدولية الممانعة لحق إيران النووي على عدم اليأس والمثابرة على الجهود الآيلة إلى إيقاف البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من غياب تفصيلات ذلك واستقرار القراءة الإسرائيلية على العموميات كارتداد طبيعي لحجم المفاجأة ومضمونها المغاير لكل توقعات الاستخبارات الإسرائيلية.. التي كانت تتحدث عن تشخيص نقطة اللاعودة الإيرانية في الموضوع النووي الإيراني في معنى تحصيل المعرفة الذاتية لعملية تخصيب اليورانيوم، وكانت تعتبر أن إيران من دون عراقيل قد تصل إلى نقطة التخصيب بعد عام ونصف على اقل تقدير.
الطمأنة برزت جلية في تعليق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس، الذي اعتبر (إذاعة الجيش الإسرائيلي) أن "إيران تقدمت خطوة إضافية نحو تحقيق قدرة نووية، لكنها ما زالت على مسافة من ذلك"، مشددا على أن المسألة هي "إعلان" إيراني يوجب أن يشغل الجميع، وهذا ما يحصل بالفعل".. بينما قال رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، (يديعوت أحرونوت) "الإيرانيون يريدون وضع العالم أمام الأمر الواقع بالنسبة لموضوع التخصيب وكأنه أصبح منتهياً.. وإعلان كهذا قد يكون بهدف التضليل..".
وبعد أن كان التعليق الإسرائيلي قبل الإعلان عن النجاح الإيراني مركزا على مسألة المعرفة والقدرة على أصل عملية التخصيب، تحوّل بعد الإعلان إلى التركيز على حيازة القنبلة النووية، في تطور وتغير سريع نحو اللحاق بالحدث الإيراني المتسارع، حيث ركزت التعليقات على فحص المسألة في إطار قربها أو بعدها عن القنبلة، وهي نقلة نوعية أطاحت بكل المقاربة الإسرائيلية السابقة..
فالمعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت نقل عن خبراء إسرائيليين في مجال الذرة تعليقهم أن "الإيرانيين تمكنوا من تخصيب يورانيوم بنسبة 3.5 بالمئة لكن الاحتياجات العسكرية تستلزم نسبة تخصيب 90%".. علما أن التعليق الإسرائيلي اقر بأن "المسافة التكنولوجية بين تخصيب صفر بالمئة ونسبة 3.5 بالمئة هي أكثر طولا من نسبة 3.5% إلى 90%". (يديعوت أحرونوت).
عاموس هرئيل، المعلق العسكري في صحيفة هآرتس، نقل عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين رد فعل أولياً على الأنباء الإيرانية بقوله "أنا مقتنع أن إسرائيل والغرب لا يعرفون كل شيء عن المشروع النووي الإيراني، فقد أخفوا ـ الإيرانيون ـ في السابق نشاطا نوويا طوال 18 عاما، وسيكون من الصحيح الافتراض أن ثمة نشاطا سريا إيرانيا في موازاة النشاط المكتشف من قبل الوكالة الذرية"، مشددا على أن "تسريع المشروع النووي الإيراني يعبر عن جزء آخر من التغيير الاستراتيجي الإقليمي، إذ بعد عامين مريحين نسبيا بالنسبة لـ"إسرائيل".. إسقاط نظام صدام حسين وإخراج القوات السورية من لبنان ووقف المشروع النووي الليبي، توقف الميل الايجابي هذا العام، من بينها حقيقة عدم تجريد الميليشيات المسلحة في لبنان وعلى رأسها حزب الله من سلاحها..".
وتعبيراً عن الخشية من تأثيرات القدرة النووية الإيرانية على خطوط المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن العميد شمعون بويرسكي، المسؤول عن الملف الإيراني العراقي سابقا في الاستخبارات العسكرية، أن ذلك "سيجعل من إيران القوة العظمى الأولى في الشرق الأوسط، حيث أن لإيران قوة اقتصادية بسبب النفط، وتعدادا سكانيا كبيرا جدا يصل إلى 75 مليون نسمة، وسلاحا نوويا ونظام حكم يسعى لنشر ثورته، سيشعر بحرية التحرك أكثر بكثير من إسرائيل".. مشدداً على أن الخطر الحقيقي للسلاح النووي الإيراني هو "حرية العمل لحلفاء إيران مثل حزب الله الذي سيعمل بحرية أكثر في ظل المظلة النووية من أجل تنفيذ عمليات ضد أهداف في الشرق الأوسط والعالم، الأمر الذي يقوّض الوضع في المنطقة"..
اللافت في المقاربة الإسرائيلية الأولية للإعلان عن إنجاز القدرة النووية الإيرانية، كان حديث "ضابط رفيع المستوى" في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرونوت، الذي قال إن مصطلح "نقطة اللاعودة" قد جرى تغييره في الآونة الأخيرة من قبل الجيش الإسرائيلي، وقد تم استبداله بمصطلح "تجاوز الحد التكنولوجي".. معتبراً أن ليس هناك نقطة لا يمكن العودة عنها والرجوع إلى الخلف، علماً أن أصل المصطلح كان عملياً يستخدم بكثرة في التعليقات والتقديرات الإسرائيلية التي عملت "إسرائيل" من خلالها على حث وتأليب الغرب ضد إيران، لكن بعد أن تجاوزت إيران هذه النقطة، بل تقدمت عنها خطوات، أصبح المصطلح عمليا مضرا لـ"إسرائيل" إن على صعيد الداخل الإسرائيلي كفعل محرك للهلع، أو على صعيد الغرب كفعل محرك لليأس، فكان لزاما التراجع عنه والبحث عن بدائل.. وفي ذلك إشارة واضحة إلى فشل الفعل الإسرائيلي طوال الفترة الماضية.
أما عن "خيار" الضربة العسكرية الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، فقد حافظ التعليق الإسرائيلي على وتيرته وحجمه، حيث أشار حالوتس إلى أن "على إسرائيل أن تمكن المجتمع الدولي من محاولة وقف البرنامج الإيراني.. ولا حاجة للبحث عن حل إسرائيلي، فلكل شيء وقته.. واقترح أن لا نذهب بعيدا، وعدم البحث عن أجوبة إسرائيلية وكذلك عدم اقتراحها، فلست واثقا أننا إذا ما نظرنا إلى خارطة الأهداف في إيران فإن إسرائيل ستتصدر المقام الأول..".
الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006