ارشيف من : 2005-2008

نقطة تحول إيراني في التاريخ المعاصر ايران في نادي الدول النووية

نقطة تحول إيراني في التاريخ المعاصر ايران في نادي الدول النووية

طهران ـ محمد محسن‏

"انرجي هسته اي حق مسلم ماست" 20 مليون من طلاب مدارس ايران هتفوا صباح الأربعاء (12/4/2006) بهذا الشعار "الطاقة النووية هي حقنا المشروع" ضمن مراسم البدء بنهار مدرسي خاص اسموه جرس "العزة والفرح"، فقد أهداهم رئيس جمهوريتهم مساء الثلاثاء هدية خاصة جداً هي "كعكة صفراء" تبشّرهم بانضمام بلدهم الى النادي النووي العالمي ذي الاعضاء الثمانية.‏

أخيراً اكتملت دورة تخصيب الأورانيوم وأعلن الرئيس الإيراني بعد يومين من انتظار الاخبار السارة التي وعد بها في زيارة إلى محافظة مشهد، وفي خطوة رمزية وتاريخية من مقام الامام الرضا عليه السلام، ومن قاعة "القدس" وبحضور 200 شخصية من قيادات النظام الاسلامي (قيادات الجيش والحرس والحكومة والمجلس وعلماء الدين والخبراء النوويين وسفراء 15 دولة ومندوبي وسائل الإعلام المحلية والعالمية) بأنه "قد تم بتوفيق الله ورعاية الإمام المهدي (عج) وفي مطلع عام الرسول الأعظم وذكرى ميلاده وفي جوار الامام الرضا وبفضل جهود الشباب الايراني والشعب المضحي في خط الإمام الخميني والشهداء إنتاج أول مقدار من الاورانيوم المخصب بنسبة ثلاثة ونصف بالمئة، والتي تكفي لانتاج الطاقه النووية (هتاف التكبير من الحضور) وسنتابع بكل عزم لكي نحصل في نهاية هذا العام على مجموعة كاملة من الإنتاج الصناعي لثلاثة آلاف طن من الاورانيوم المخصب".‏

المراسم التي نقلت بشكل مباشر عبر التلفزيون الإيراني وتابعها العالم باهتمام بالغ شملت توضيحات هامة للمراحل التقنية التي قطعها المشروع النووي الايراني من خلال كلمة ألقاها مدير مؤسسة الطاقة النووية الإيرانية غلام رضا آقازاده. واستطاع العلماء الإيرانيون خلال ثلاثة أشهر وبعد عامين من التعليق الطوعي للتخصيب وفي ظل تعاون تام مع الوكالة الدولية التي تراقب كاميراتها المعامل ليلاً نهاراً أن ينجزوا هذه الخطوة في ظل ضغوط سياسية من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها عبر مجلس الامن، وكذلك عبر حرب نفسية وإعلامية اعتاد عليها الإيرانيون.‏

وكان اللافت في هذه المراسم إهداء أول عيّنة نووية إلى متحف مقام الامام الرضا عليه السلام حيث قامت فرقة فنية يرتدي أعضاؤها لباس مختلف القوميات الايرانية بأداء استعراضي مع تكرار التكبيرات، وأهدت أول كعكة صفراء إلى أمين المتحف الرضوي، والذي يشمل رموز الافتخارات في المجالات العلمية والفنية والعسكرية وغيرها.‏

كلمة الرئيس احمدي نجاد كانت مختصرة ركزت على إهداء هذا الانجاز الى جيل المستقبل والاصرار على حق الشعوب في تطوير طاقاتها في خدمة السلام والأمن لإيران ولجيرانها جميعا بل للبشرية جمعاء، مشيراً إلى "أن الذين يحتاجون لسلاح الدمار الشامل النووي هم الذين لا يزالون يعيشون في أفكار مضى عليها أكثر من خمسين سنة، ويتصورون أنهم يستطيعون قلب المعادلات من خلال قوة السلاح، بينما أمتنا بثقافتها وقيمها الإلهية تؤمن أن السبيل لتحقيق آمالها إنما يكون بالفكر والعلم والقيم المتعالية، وقوة أمتنا الحقيقية تكمن في اعتقاداتها الدينية".‏

وذكر الرئيس الايراني بأن "ما نتعرض له اليوم من ضغوط ما هو الا تكرار لما حدث في تجربة تأميم النفط".‏

إيران اليوم وبعد هذا الإعلان التاريخي ـ الذي تقرر ان يعلن رسميا باسم اليوم الوطني للطاقة النووية (في العاشر من نيسان) ـ ليست هي نفسها قبل يومين، وهي ستواجه المعترضين على برنامجها بقوة وتصميم قاطع يستند إلى الوقائع الجديدة. وقد صرح الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام بأن المباحثات مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة محمد البرادعي ستجري في ظروف جديدة ومختلفة بعد هذا الإعلان.‏

ويقوم الشيخ رفسنجاني بجولة عربية بدأها من سورية في مباحثات هامة قيل إن الهدف منها خليجيا هو الفصل الواضح بين الموقف العربي ذي الاشارات الايجابية من امتلاك ايران للطاقة النووية السلمية، وبين ما تحاوله أميركا من تهويل وتخويف لدول الخليج من تطور إيران علميا ونوويا.‏

وقد جاءت زيارة أمين مجلس الأمن القومي لدول الامارات العربية المتحدة في هذا السياق، حيث صرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية وبعد الإعلان النووي الإيراني عن أمله بتعاون فعال مع ايران في المجالات كافة، داعيا إلى حل المسألة النووية بالحوار والمنطق والواقعية بدل اللجوء الى الضغوط والتهديدات.‏

الداخل الإيراني يستشعر القوة والعزة شعبيا وسياسيا حيث أجمعت التيارات السياسية والنخبوية على دعم متابعة العمل النووي وعدم التنازل عن هذا الحق في متابعة المفاوضات مع الاوربيين، مع رفض أي تعليق آخر للعمل النووي ورفض المنطق الاميركي المهيمن على قرارات مجلس الامن والضاغط على الوكالة الدولية.‏

وينتظر المراقبون النتائج التي ستصدر عن مباحثات البرادعي التي ستجري كما يعتقد الايرانيون لمصلحة طي الملف سلمياً، ويتابعون باهتمام بالغ ردود الفعل الدولية بعد اعلان "مشهد" والتي تراوحت بين تكرار التحذيرات من واشنطن والترحيب والتهنئة من الدول والشعوب الإسلامية ودعوات التهدئة والحوار المنطقي من الصين والانزعاج الأوروبي الذي ظهر من خلال تصريحات خافيير سولانا ممثل الاتحاد الاوروبي الذي استدرك بأن ما حدث برغم انه "خبر سيئ" إلا انه ليس مانعا من متابعة الحوار مع طهران.‏

ربما يمكن تلخيص وضع هذه المفاوضات بما أعلنه الرئيس الايراني بالأمس الخميس، في لقائه مع أساتذة الجامعات في مدينة مشهد المقدسة "بأن الأوروبيين طلبوا منا مؤخرا أن نعلّق تخصيب اليورانيوم ولو لفترة يومين لأسباب فنية لمتابعة الحوار، وبالطبع نحن رفضنا واستمررنا وسنستمر مهما حدث". مضيفاً أننا لا يمكن أن نتفاوض مع أي احد حول أصل الاستفادة السلمية من الطاقة النووية.‏

الخطوة الإيرانية "التاريخية" كما يعيش الايرانيون لحظاتها ـ مع إدراكهم لخطورة ودقة المرحلة ـ تظهر وكأنها قد استبقت المهلة التي أعطاها قرار مجلس الامن لإيران لإيقاف التخصيب، والتي ينتظرها المراقبون في 28 نيسان/ أبريل الجاري، وجعلتها "سالبة بانتفاء الموضوع"، فالتخصيب قد تم بنجاح، والقرار قد تم بالمتابعة والصمود النووي مهما حصل، وتحت هذا السقف يمكن متابعة الحوار والمفاوضات.‏

أحمدي نجاد أنهى كلامه قائلاً: "إنهم يعلمون الآن أن المعادلات قد تغيرت لمصلحتنا".‏

الانتقاد/ تقارير ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-28