ارشيف من : 2005-2008

نفط لإطفاء الحرائق الدولية!

نفط لإطفاء الحرائق الدولية!

قفز النفط إلى موقع الصدارة في تطورات الحدث الدولي خلال الأيام القليلة الماضية. وزير الاقتصاد والمال الفرنسي تييري بروتون قال إن موضوع الطاقة طغى على نصف اهتمامات وزراء مالية البلدان الصناعية السبعة الذين اجتمعوا في واشنطن يوم الجمعة الماضي.‏

والموضوع نفسه هيمن على كامل اهتمامات المنتدى العاشر للطاقة الذي انعقد الأسبوع الماضي أيضاً في قطر، وعلى حيز مهم من الاجتماع الدوري لصندوق النقد الدولي.‏

الرئيس الأميركي جورج بوش حذر مواطنيه من "صيف حار" في إشارة إلى احتمالات تصاعد أزمة الطاقة بالتزامن مع فترة التنقلات الكبرى للأميركيين خلال العطلات الصيفية. والرئيس الصيني هيو جينتاو زار المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي رداً، بالطبع، على زيارة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز لبكين، في كانون الثاني/ يناير الماضي، ولكن أيضاً لرفع مستوى التعاون النفطي بين المنتج الأول السعودي والمرشح الصيني لاحتلال المنصب الاستهلاكي الأول. ومسألة هذا التعاون تستحق الإشارة في ظل الصعود الصاروخي للاقتصاد الصيني والتصاعد الموازي في احتياجاته النفطية.‏

والأرقام بليغة في التعبير عن ذلك:‏

التبادل التجاري بين الصين والسعودية بلغ 16 مليار دولار عام 2005 بزيادة 56% عما كان عليه عام 2004، ووصلت الصادرات النفطية السعودية إلى الصين إلى ما يقرب من 450 ألف برميل يومياً. وتعاون لافت أيضاً بين إيران واليابان في المجال نفسه، وبين قطر وكوريا الجنوبية في مجال الغاز المسال... وكل ذلك يشير إلى تحرك في عقارب الساعة النفطية باتجاه الشرق، وقد يكون على صلة بما يبدو شبيها بلهجة "متفلتة"، تجاه إملاءات الغرب، لمنظمة البلدان المصدرة بالقياس إلى لهجتها الإذعانية التقليدية.‏

فالعالم عاش الأيام القليلة الماضية على وقع الارتفاع الذي تجاوز عتبة الـ75 دولاراً للبرميل، مع ما يشبه التسليم الجبري بأن المئة دولار وربما أكثر قد تفرض نفسها كسعر قد لا يعود البرميل إلى التراجع عنه مطلقاً في مستقبل الأيام.‏

وكالعادة نادى المستهلكون، والغربيون منهم خاصة، بالويل والثبور، وقال وزير الطاقة الأميركي صمويل بودمان إن الارتفاع الحالي كارثة لاقتصاديات الولايات المتحدة.‏

وإذا كان الوزير لم يطلب هذه المرة إغراق الأسواق، فإن ما لا يحصى من المسؤولين السياسيين والخبراء والاعلاميين أفاضوا في الكلام عن ضرورة رفع سقوف الانتاج وزيادة الاستثمار.‏

وفي هذا المجال الأخير، وجه خبراء غربيون تهمة قلة الاستثمار إلى بلدان الخليج، واعتبروا أنها لا تنفق أكثر من 10 بالمئة من عائداتها النفطية الهائلة في مجالات التنقيب والتصفية اللازمين لرفع منسوب الإنتاج ولجم ارتفاع الأسعار.‏

وعلى ذلك رد أكثر من مسؤول في أوبك بأن المنظمة لا تستطيع مواجهة الارتفاع القياسي في الأسعار، معتبراً أن السبب في ذلك هو قلة المصافي في الولايات المتحدة، وبأن وضع المخزونات العالمية في أعلى مستوياته منذ خمس سنوات، وبأن السوق مشبعة، وأوبك تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، وأنها غير مسؤولة عن الارتفاع.‏

ليس هذا فحسب، بل سمعت أصوات جريئة تحدثت عن فتور تجاوب المستهلكين مع دعوات المنتجين للحوار، وأصوات أكثر جرأة ربطت بين ارتفاع الأسعار والتوترات الدولية القائمة، معتبرة أن العودة بالأسعار إلى مستويات معقولة تتطلب، أولاً، حل مشكلات الشرق الأوسط.‏

وبذلك يكون الشرق الأوسط، مرة أخرى، في أساس ما يقال بأنه الصدمة الثالثة، بعد صدمة العام 1973 وحرب تشرين أو العبور التي رفعت الأسعار من أقل من خمسة دولارات إلى أكثر من ثلاثين دولاراً، وصدمة العام 1980 التي رفعت سعر البرميل مع الثورة الإسلامية في إيران والحرب العراقية الإيرانية إلى أكثر من 85 دولاراً.‏

ما الذي يعنيه حل مشكلات الشرق الأوسط، في ذهن العرب المصدرين الذين يهمهم استقرار الأسواق واستقرار العائدات واستقرار المشاريع المرتبطة بإنفاق العائدات بالدرجة الأولى؟‏

قد يعني إيقاف الحرب في العراق وتسوية القضية الفلسطينية، ووقف الظاهرة الإرهابية، وما إلى ذلك من شعارات تعددية المعاني والأبعاد. لكنها تعني بالتأكيد، في ظل تشنج العلاقة بين المنتجين العرب والمسلمين والمستهلكين الغربيين، أن على هؤلاء المستهلكين أن يقدموا لأولئك بعض "الراحة" السياسية من خلال دفع "إسرائيل" مثلاً، ما دام أنهم لا يعرفون كيفية تحديد مطالبهم بخصوص العراق، إلى شيء من احترام القوانين والاتفاقات الدولية على مستوى إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة، أو أقله تخفيف الضغط الدولي عن الحكومة الفلسطينية المختارة ديموقراطياً.‏

لكن حركة الواقع والتاريخ هي التي ترفع الراية وتخلق الوضع الثوري، عندما تنكمش الإرادات وتتوقف العزائم عن صوغ الواقع والتاريخ.‏

فالحقيقة أن الملف النووي الإيراني قد ألقى بالملف النفطي إلى هامش الاهتمام خلال الأشهر الأخيرة.‏

لكن الملف نفسه أعاد الحياة إلى الملف النفطي ومنحه قوة جديدة عندما بدأ الغربيون و"إسرائيل" يلوحون بالعقوبات الاقتصادية، أو بالضربات العسكرية ضد إيران.‏

لكن إيران شيء مختلف عن عراق صدام حسين الذي رمى أسلحته لتحاشي القتال ضد أميركا فأحاط به القتال من كل جانب.‏

فإيران يمكنها، من جملة أسلحتها، وليس من جملة أهم أسلحتها، أن تستخدم سلاح النفط بكل فعالية ضد المعتدين، بوقف التصدير المفضي إلى دمار الاقتصاد الغربي والغرب بسرعة تفوق ما حدث للطرف السابق في الثنائية الدولية...‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات ـ العد 1159 ـ 28 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-28