ارشيف من : 2005-2008

إيفو موراليس والتوجه "النيو تأميمي"

إيفو موراليس والتوجه "النيو تأميمي"

"نحن لسنا حكومة تكتفي بإعطاء الوعود، بل إننا نفي بوعودنا وننفذ ما يطالب به الشعب". و"انتهى النهب الذي تمارسه الشركات الأجنبية".‏

بهذه الكلمات، أعلن الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، تأميم قطاع النفط والغاز في بوليفيا. وقد اختار موراليس يوم الأول من أيار/مايو، عيد العمال العالمي، بكل ما فيه من رمزية، ليطلب إلى الشركات الأجنبية، وعددها ست وعشرون، بأن تسلم حقول النفط والغاز إلى الحكومة البوليفية، وأن توقع معها على عقود استثمارية جديدة. ومن بين الشركات التي جرى تأميمها توتال الفرنسية وريبسول الإسبانية ومجموعتا بريتش غاز وبريتش بتروليوم البريطانيتان، وبترو براز البرازيلية. كما طلب موراليس إلى القوات المسلحة وإلى كتائب المهندسين المعينين من قبل وزارة الطاقة بأن ينزلوا إلى جميع حقول النفط والغاز في البلاد، مؤكداً أمام الجموع التي جاءت لتحيته في كوشابامبا، وهي من مناطق الإنتاج النفطي الرئيسية، بأنه لن يتردد في استخدام القوة من أجل تأمين احترام تنفيذ قرار التأميم. وفي أعقاب ذلك، صرح نائب الرئيس البوليفي، آلفارو غارسيا لينيرا، بأن مستخدمي الشركة الوطنية للنفط والغاز قد بدأوا، منذ لحظة توقيع المرسوم الرئاسي، وبالتعاون مع القوات المسلحة، بالنزول إلى 53 منشأة نفطية كالمصافي والحقول وخطوط الأنابيب في كامل الأراضي البوليفية. ومن جهته، حيا قائد الجيش البوليفي هذا "التأميم الذكي"، وأوضح بأن نزول القوات المسلحة إلى المنشآت يهدف إلى ضمان عمل بنى الإنتاج وأعمال التخزين للوفاء بالالتزامات تجاه السوقين الدولية والمحلية.‏

والمعروف أن بوليفيا، وهي أفقر بلدان أميركا الجنوبية، حيث يعيش سبعون بالمئة من سكانها دون عتبة الفقر، تنتج 40 ألف برميل نفط يومياً، وتمتلك ثاني أكبر مخزون للغاز الطبيعي في أميركا الجنوبية بعد فنزويلا، وأن إدارة هذا المخزون الذي يقدر بنحو خمسين مليار متر مكعب قد شكلت أساساً لعدة انتفاضات شعبية خلال السنوات الثلاث الماضية. وصرح غارسيا لينيرا، خلال الاحتفالات بعيد العمال في الساحة المركزية في لاباز، بأن عائدات قطاع الطاقة الذي يغطي 15 بالمئة من الناتج القومي الخام ستصل إلى 780 مليون دولار العام القادم، أي إلى ستة أضعاف ما كانت عليه عام 2002. وكان قطاع النفط والغاز في بوليفيا قد خصخص في أواسط التسعينات، وجاءت إجراءات التأميم ضمن إطار التخطيط الهادف إلى إعادة الصحة إلى الاقتصاد البوليفي عبر اقتطاع 82 بالمئة من عائدات النفط والغاز ووضعها بتصرف وزارة المالية البوليفية. واللافت أن هذه الإجراءات قد جاءت أيضاً بعد أسابيع قليلة على اتخاذ إجراءات مماثلة من قبل حكومة هيغو شافيز في فنزويلا، وبعد يومين على توقيع اتفاقية الشعوب في هافانا بين الرؤساء الفنزويلي والبوليفي والكوبي كنقيض لاتفاقية التجارة الحرة في الأميركتين، والتي تدعو إليها واشنطن. القرار البوليفي هو إذن جزء من تحرك قاري يسعى إلى العودة إلى الاقتصاد الموجه وسيادة القطاع العام بعد الخراب الذي ضرب اقتصاديات العالم الثالث، ومنه أميركا اللاتينية، بفعل أعمال إعادة الهيكلة البنيوية التي رعاها كل من البنك وصندوق النقد الدوليين. وبهذا الخصوص، كان إيفو موراليس واضحاً عندما قال بأن تأميم قطاع الطاقة ليس إلا البداية، وأن موجة تأميمات أخرى ستطال المناجم والغابات وسائر الموارد الطبيعية في بوليفيا.‏

وقد كان من الطبيعي لخطوة شافيز وموراليس أن تحبس أنفاس العالم، بعد عقود طويلة من إفلاس تجارب التأميم في العالم الثالث، وخصوصاً بعد انهيار أنظمة الاشتراكية الاقتصادية والاقتصاد الموجه، والانتصار الحاسم للقيم الاقتصادية الليبرالية، وإن كان هذا الانتصار قد دمر القطاعات المنتجة في العالم الثالث لمصلحة القطاعات الطفيلية، وقذف إلى مهاوي الفقر بمئات الملايين من أبناء الطبقات الوسطى والكادحة، فعلى الفور تجاوز سعر البرميل حد الـ73 دولاراً في نيويورك، وأعربت الحكومة الإسبانية عن قلقها البالغ، في حين صرح مسؤولون برازيليون بأن تأميم كامل قطاع الطاقة في بوليفيا هو إجراء غير ودي. والواضح أن الموقف البرازيلي محكوم بتأميم شركة بترو براز البرازيلية دون مفاوضات مسبقة أو تسوية مع الجار البرازيلي الذي يعتمد، وإن بطريقة أكثر اعتدالاً، نهجاً يسارياً يفترض بأن يجعله أكثر تفهماً من غيره لضرورات إصلاح اقتصاديات أميركا اللاتينية بالمعنى المفيد للطبقات الشعبية أولاً. ويبقى أن الذكريات الطازجة عن مرارة فشل تجارب التأميم على المستوى العالمي لا بد وأن تشكل حافزاً للتوجه "النيو تأميمي" الصاعد في أميركا اللاتينية للعمل على تجنب الأخطاء والخطايا التي ارتكبت بحق التجارب التأميمية المغدورة من قبل البيروقراطية واللامسؤولية والطفيلية التي دمرت القطاع العام في العديد من بلدان العالم الثالث.‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006‏

2006-10-28