ارشيف من : 2005-2008
الملف النووي الإيراني بين تقرير البرادعي وقرار مجلس الامن:المواجهة مستمرة

فيما يستمر التصعيد الاميركي على مستوياته السياسية والاعلامية والعسكرية ضد حق ايران في تطوير قدراتها النووية, يبدو ان تقرير رئيس منظمة الطاقة الدولية محمد البرادعي حافظ على توازن ما في هذا الصراع حيث جاء حياده السلبي وقابليات تفسيره والليونة النسبية فيه مساعدة لاستمرار النزاع، بقدر ما كان ينتظر منه ان يحاول التخفيف منه.
التقرير وإن أشار إلى تعاون إيراني مع مفتشي الوكالة والى عدم وجود اي دليل على استخدام عسكري للطاقة من قبل الإيرانيين, إلا انه أبقى الباب مفتوحا لابهامات ما في التعاون بين ايران والوكالة ـ الذريعة التي تمكن الأميركي من الضغط في مجلس الامن لاعمال البند السابع المتعلق بالحصار الاقتصادي وامكانيه التهديد بالعمل العسكري ضد إيران ـ.
رد الفعل الإيراني على التقرير لم يتأخر حيث اعتبر الرئيس محمود أحمدي نجاد ان على مجلس الامن ان يحافظ على ماء الوجه، وعلى اعتباره الدولي، وان لا يتحول الى ورقة ضغط بيد بعض القوى العالمية، مشيرا الى ان هذه القوى تخترع المشاكل ثم تعقدها ثم تحتار في كيفيه حلها. وحسم نجاد المسألة بقوله ان ايران النووية لن تتخلى عن حقها في الاستفادة النووية من الطاقة النووية وتتعاون مع الدول والمنظمات الدولية على هذا الأساس.
التهديدات الأميركية والحرب النفسية مستمرة بقوة وبتنسيق مع "اسرائي " التي أطلقت قمرها الاصطناعي التجسسي "ايروس بي" المخصص للتجسس على المشروع النووي الايراني، كما اعلنت مصادرها, أما الأميركيون فبدأوا من جهتهم بالتحرك على الأرض حيث حركوا ثلاثة ألوية ونشروها على الحدود العراقية ـ الإيرانية من جهة الجنوب لتحل مكان القوات البريطانية.
وفي معلومات خاصة من داخل العراق ان القوات الأميركية بدأت باستحداث ما وصف بأنه سيكون أكبر قاعدة أميركية عسكرية في منطقة الخليج، وذلك في منطقة "الفاو" جنوب العراق وتمتد من منطقة "السيبة" الى منطقة بندر "ابو فلوس" المجاورة للحدود الإيرانية،
وأفادت مصادر أخرى أن تعاونا ميدانيا بين الجيش الأميركي وبين أفراد معارضين من حزب العمال الكردستاني قرب السليمانية قد بدأ منذ أسابيع عبر تدريبات وإعادة تنظيم ومناورات مشتركة هي الأولى من نوعها.
يتزامن هذا الحشد الأميركي مع إعلان القادة في إيران عن استعدادهم الكامل للمواجهة. وكما عبر الإمام الخامنئي ان ساحة الرد على أي اعتداء ستشمل مصالح المعتدي في كل العالم، كرر القادة العسكريون والسياسيون ما يشعر بأن إيران على أهبة الاستعداد، وان الخطر الأميركي جدي.
وفي وقت تستمر المساعي والضغوط الأميركية على الحلفاء الأوروبيين كي يشكلوا غطاءً لمواجهة مستقبلية محتملة، برغم أن واشنطن لم تستطع حتى اللحظة إقناع الدول الخمس وألمانيا بضرورة الاشتراك في محاصرة إيران اقتصاديا وسياسيا، تتابع الجمهورية الإسلامية نشاطا ديبلوماسياً يهدف إلى تبيين مواقفها وإعادة الملف النووي الى مساره الاصلي عبر منظمة الطاقة الدولية، وإخراجه بالتالي من مجلس الأمن وتجاذباته السياسية، وتجلى هذا في الرسالة التي وجهها أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الدكتور على لاريجاني الى الوكالة الدولية حول استعداد إيران لمناقشة أي اقتراح لرفع الابهامات وتطمين الوكالة شرط ألا يشمل تعليق تخصيب اليورانيوم على اعتبار ان هذه المرحلة قد انتهت عند إعلان إيران عن انضمامها للنادي النووي الدولي بإكمالها لدورة التخصيب، فلا معنى للتعليق بعد الآن.
يضاف إلى هذا الدعم الاقليمي الذي ظهر عبر تصريحات دول الخليج والمنطقة والداعمة للحق النووي الايراني، وكان آخرها مواقف أمير قطر خلال زيارته الناجحة إلى إيران والتي أثمرت 7 اتفاقات بين البلدين.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ما زال الموقف الروسي والموقف الصيني ـ برغم محاولات الابتزاز الأميركي ـ يدعمان الحل السلمي والمفاوضات عبر الوكالة الدولية، فيما يعتبر امتحانا للثقل الدولي الروسي الصيني، واختباراً للتوازن مع الضغوط الأميركية في الشرق الأوسط، وكذلك حفاظا على مصالح اقتصادية وسياسية هامة لهما في إيران والمنطقة العربية والإسلامية التي تدعم بجمهورها ـ المستاء من الصلف الأميركي الاسرائيلي ـ الحقوق الإيرانية النووية، وترى في التجربة الإيرانية نموذجا للاستقلال والعزة والتطور العلمي والحضاري في مواجهة الأمركة الصهيونية للمحافظين الجدد والقدامى.
إذن، المواجهة مستمرة وأدواتها تتنوع بين الحرب النفسية والضغوط الإعلامية والسياسية والعسكرية والرسائل المباشرة وغير المباشرة. والبعض في الإدارة الأميركية يصر على الهروب للأمام طريقاً للخلاص من مغامرات الماضي، ولكن الجميع هنا في طهران متفق على الصمود في وجه الارهاب الأميركي.
كلمة الجميع تشمل الاطياف الايرانية كلها يمينا ويسارا دولة ومؤسسات وشخصيات، فالإيرانيون تظاهروا بالأمس في فرنسا قرب برج ايفل وتحدوا أميركا، وشيرين عبادي المحامية الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل والتي حاول البعض استغلالها في مقابل نظام الجمهورية الاسلامية صرحت بوضوح: سنقاتل أميركا حتى آخر قطرة من دمائنا فيما لو تجرأت وهاجمتنا!
والحال هذا كيف سيكون رد فعل الجيش والحرس وقوات التعبئة ذات العشرة ملايين مقاتل؟
محمد محسن
الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006