ارشيف من : 2005-2008

الدستور العراقي الدائم: تصورات ورؤى مختلفة

الدستور العراقي الدائم: تصورات ورؤى مختلفة

بغداد ـ عادل الجبوري‏

يبدو أن موضوع الدستور العراقي الدائم سيشغل الحيّز الأكبر من اهتمامات الساحة العراقية على اختلاف عناوينها ومكوناتها وأشكالها ومظاهرها خلال الشهور القلائل المقبلة، ولا شك في ان ذلك أمر طبيعي اذا افترض كل طرف ـ مهما كان حجمه وطبيعة وجوده وحضوره ـ أن الدستور الدائم يمثل الاساس الحقيقي لبناء الدولة العراقية الجديدة ونظامها السياسي الذي ينبغي ان يكون ضامناً لحقوق كل مكوّنات النسيج الاجتماعي العراقي، صغرت تلك المكونات أم كبرت، ومحدداً للواجبات بصورة شفافة وواضحة.‏

والمفردات ـ او القضايا ـ التي ستكون على الارجح مثار جدل ونقاش اوسع، وربما اكثر حدة، هي من قبيل الإسلام وموقعه في الدستور، وهل يكون مصدراً وحيداً أم مصدراً أساسياً أم المصدر الأساسي في تشريع القوانين؟.. وهناك مفردة الفيدرالية، أي اقرار النظام الاتحادي الفيدرالي في الدستور، وشكل تلك الفيدرالية وماهيتها وما يتعلق بها من تفاصيل وجزئيات لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفالها او القفز عنها.‏

وهناك قضايا أخرى تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وشكل النظام السياسي (برلماني ام رئاسي).‏

ويحدد عضو الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) وعضو اللجنة الاقتصادية فيها "منتصر الامارة" جملة مبادئ يرى ضرورة الأخذ بها عند كتابة الدستور، منها أن تعبّر الفلسفة الكلية للدستور عن الخط الوطني العام بعيداً عن الأطر الضيقة، وأن يركز على احترام حقوق الأقليات، حيث ان الأكثرية في دستور كهذا تكون حقوقها مضمونة ومصونة تلقائياً، وأن تراعى الهوية الاسلامية، بحيث ينبغي الاشارة الى انه لا يجوز اصدار اي تشريع يتعارض مع أصول وفروع الدين الاسلامي.. وكذلك فلا بد من ان يكون وفقاً للدستور الدائم، بإمكان اي شخص بصرف النظر عن انتماءاته العرقية والقومية والمذهبية والطائفية، تبوّؤ اي موقع وظيفي في البلاد اذا كان يتمتع بالكفاءة والأهلية والنزاهة. والشيء الآخر ـ بحسب الامارة ـ هو ان يكون الدستور جامداً، ولكن في ذات الوقت يتضمن فقرة مفادها (انه بعد عشرين عاماً يمكن النظر في تعديل الدستور ـ اذا كانت هناك ضرورة ـ على ضوء مقتضيات الظروف والمتغيرات والمستجدات).‏

ويشير المحامي والباحث القانوني طالب حسن سعيد الى ان العديد من الدساتير التي مرت على العراق تضمنت مبادئ كثيرة، ومعظمها منتقاة من الدساتير العالمية. وليس ذلك بغريب، لأن مصادر كتابة الدستور تعتمد على اسس وقواعد القانون الدستوري التي تكونت وتبلورت من خلال التجارب العالمية والسوابق القانونية، وما زخرت به كتب القانون الدولي، لكن واقع تلك الدساتير يتجلى بتطبيق أحكامها على صعيد الواقع، وإلا فإنها تكون كما يصفها الشاعر "علم ودستور ومجلس أمة .. كل عن المعنى الصحيح محرف". وهذا ما حصل فعلاً طيلة عقود الحكم في العراق، ومنها دستور عام 1970 الذي كتب من دون ان يحظى بأي شرعية، ليكون بالتالي مصدراً لشرعية القتل والإعدام وتدمير العراق، بسبب منحه من خلال المادة 42 منه، صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية وما يسمى بمجلس قيادة الثورة.‏

ويضيف المحامي طالب حسن قائلاً: واللافت في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الدستور الموقت) الصادر في (28-3-2004) انه قد استشعر هذا الأمر، فحد من صلاحيات رئيس الجمهورية وقيدها بقيود، منها انه جعل هذا المنصب ضمن مجلس يصدر قراراته بالاجماع، ما يتيح له التروي والمشاركة الفعالة في عمله برغم سلبية الإجماع، وكان الأولى الأكثرية بدل الإجماع.. إضافة الى ما تضمنه قانون ادارة الدولة من مبادئ أساسية مهمة تكاد تكون الحجر الأساس لدستور دائم بعد تهذيبه من الأخطاء اللغوية وسوء الصياغة اللفظية للقاعدة القانونية التي أدت الى اختلال في الأخذ ببعض بنوده.. كما تضمن قواعد كانت محط تحفظ المرجعية الدينية وبعض القوى والحركات السياسية، منها النصوص المقيدة لحقوق الأكثرية (المادة 61 ج)، والنصوص التي يُشتمُّ منها بعض الخلل في وحدة إقليم العراق، منها ما يتعلق بمسألة محافظة كركوك (المادة 58).. كما ان هناك تعارضاً بين مصادر التشريع، اي اعتبار الشريعة الاسلامية مصدراً دون تحديد موقعه بين المصادر الاخرى، كالمعاهدات الدولية ومبادئ العدالة والعرف والقانون المشرع... إلخ.‏

وفي ما يتعلق بشكل النظام السياسي يجب اعلان عنوانه النهائي كجمهورية العراق الاتحادية او الجمهورية العراقية على ان يجري الاستقرار نهائياً على شكل هذا النظام.‏

اما عبد الحكيم خسرو جوزل أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين ـ إقليم كردستان ـ فهو يفترض مسبقاً ان يقر الدستور النظام الاتحادي الفيدرالي، وأن لا يكون مطولاً، وأن يحدد سلطات الحكومة المركزية ويترك المجال مفتوحاً للحكومات المحلية في تشريع قوانينها وكتابة دساتيرها، بشرط عدم تعارضها مع دستور الدولة الاتحادية.‏

ويؤكد جوزل كذلك ضرورة ان يتضمن الدستور تشخيص حدود الأقاليم الفيدرالية، اضافة الى انه يرى أهمية ان يكون الدستور جامداً، اي ان مسألة تعديله يجب ان تخضع لإجراءات عديدة معقدة حتى لا تتيح لأي طرف كان تعديله بما ينسجم مع مصالحه.‏

وإلى جانب ذلك ينبغي ان لا يعدل الدستور الا بموافقة ثلاثة أرباع سكان الأقاليم الفيدرالية مجتمعة، وإذا كان التعديل يمس مصالح إقليم معين فيجب موافقة ثلثي سكان ذلك الإقليم على التعديل.‏

اما حجة الاسلام والمسلمين أحمد كريم التميمي (أستاذ في الحوزة العلمية)، فيرى ان العراق بلد مسلم، اي ان الغالبية المطلقة من سكانه يعتنقون الدين الاسلامي، لذا لا بد من ان يتضمن الدستور الدائم نصاً واضحاً وصريحاً يعتبر الشريعة الاسلامية المصدر الاساس (وليس الوحيد) للتشريع، الى جانب مصادر أخرى، سواء كان النظام الذي سيُقر في الدستور نظاماً مركزياً او نظاماً اتحادياً ـ فيدرالياً (لا مركزيا)، فالعبرة ـ كما يقول الشيخ التميمي ـ ليست في التسميات، وإنما في الجوهر والمضمون وحسن التطبيق.‏

الى ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين حسام الدين علي الكلي: يفترض في الدستور العراقي الدائم ان يقوم على ثلاثة أسس مركزية، هي التعددية السياسية والفكرية أولاً، والمؤسساتية ثانياً، والفيدرالية ثالثاً، وهي الأسس الثلاثة المعاكسة للأسس التي أقيمت عليها الدولة العراقية منذ عام 1921 حتى نيسان 2003، والمتمثلة بالأحادية السياسية والفكرية، وشخصنة السلطة والمركزية الإدارية.‏

والسبب في ضرورة اعتماد الأسس الجديدة بدلاً من القديمة، متمثل في ان تلك الأسس القديمة هي أصل المشاكل السياسية وسواها التي عانت منها الدولة داخلياً وخارجياً طيلة العقود الثمانية الماضية.. ثم انه حين عُمل بها لم يكن الغرض إلا خدمة مصالح الدولة المنشئة للدولة العراقية، ألا وهي بريطانيا، لذا فمن الضروري تبديل تلك الأسس تبديلاً جوهرياً يهدف للمصلحة العليا للدولة العراقية ورعاياها، وهذه المصلحة العليا يكون تحقيقها ميسوراً بواسطة التعددية والمؤسساتية والفيدرالية.‏

في حين يذهب الاعلامي والباحث الأكاديمي عبد الحسين علوان الدرويش، الى ان الدستور الذي تقوم عليه تشريعات الدولة النظامية الحديثة في كل الميادين يعتبر المرتكز الأساسي الذي تستند اليه عملية التحولات الكبرى في مسيرة البناء، للوصول الى الحرية والديمقراطية والعدالة.. ومن خلال مسيرة التاريخ الطويلة يتضح بجلاء ان القوانين الوضعية مهما كانت متقنة ومدروسة، فلا تصل الى المستوى المطلوب من الأهداف الموضوعة من أجلها. وقد أثبتت الوقائع التاريخية ذلك عند انهيار الشيوعية.‏

وعلى ضوء ذلك يمكننا القول إنه من خلال تلك النتيجة، يمكن ان نستخلص الحقيقة الواضحة لكتابة الدستور من القرآن الكريم، واستنباط القوانين والتشريعات كافة التي تكون متطابقة ومتكافئة مع القيمة الإنسانية العليا منه.. فلم يمر أي حدث إنساني مهما كان صغيراً او كبيراً، إلا وتجلت القيادة الإلهية التي تتجسد في الخطاب القرآني لتضع الحلول المناسبة والواقعية لذلك الحدث.‏

2006-10-28