ارشيف من : 2005-2008
الاستقرار العالمي والحرب الأميركية على حقوق الإنسان

الاستقرار العالمي والحرب الأميركية على حقوق الإنسان تقريران متناقضان صدرا الأسبوع الماضي يتعلقان بالسياسة الخارجية الأميركية: الأول يراها "فعالة" في إحلال الاستقرار العالمي، والثاني يراها تقود هجوماً عالمياً على حقوق الإنسان.
التقويم "الإيجابي" جاء من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ـ مقره لندن ـ في تقريره السنوي نُشر في (24/05/2005) في 384 صفحة حملت عنوان "دراسة استراتيجية 2004 ـ 2005"، حيث يعزو التحسن في المناخ الاستراتيجي الى عوامل عديدة بينها سياسة الرئيس الأميركي جورج بوش الخارجية، خصوصاً في العراق والشرق الأوسط، التي "برغم أنها كانت جريئة ومثيرة للجدل وأحياناً حاسمة، يبدو ان أجندتها العالمية القوية لنشر الحرية والديمقراطية تثبت فعاليتها بشكل مطّرد".
لا ينسى التقرير الذي يقول ان "تهديد الإرهاب قد انخفض بشكل طفيف خلال عام 2004"، التطرق الى جوانب "سلبية" أدت اليها الحرب على الإرهاب التي تشنها الولايات المتحدة، وذلك برغم تنامي ما أسماه التقرير الاستخدام الدبلوماسي الإيجابي "للقوة الخفيفة" من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لمكافحة الإرهابيين. وجاءت أبرز "السلبيات" على الشكل التالي:
1 ـ احتلال العراق أدى الى تركيز المخاوف في العديد من الدول الإسلامية التي أصبحت نتيجة الاحتلال "أكثر عرضة للاقتناع بأفكار أسامة بن لادن".
2 ـ انغماس القوات الأميركية الهائل في العراق أدى الى استنفاذ الموارد من مناطق أخرى مرتبطة أكثر بالإرهاب، مثل أفغانستان.
3 ـ من وجهة نظر تنظيم "القاعدة"، فقد نتج عن سياسات بوش في العراق ان أصبحت أميركا مكروهة في معظم الدول الإسلامية، كما أصبح حلفاء أميركا ينظرون اليها بحذر".
4 ـ ان تنظيم "القاعدة" "وحركة الإرهاب" العالمية لا يزالان في حركة مستمرة
من الناحية الأيديولوجية والعملية، برغم ان إقصاءه من أفغانستان أفقد التنظيم قاعدته الرئيسية.
أما التقويم السلبي فقد صدر في اليوم التالي (25/05/2005) في التقرير السنوي لعام 2005، الصادر عن منظمة العفو الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان ـ ومقرها لندن أيضاً ـ وخلاصته أنه بعد مرور أربع سنوات على هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تراجع احترام حقوق الإنسان على مستوى العالم، وأن الولايات المتحدة تتحمل معظم المسؤولية عن ذلك. المنظمة ترى أن الصورة تبدو قاتمة من أفغانستان الى زيمبابوي، وأن الحكومات تتراجع بشكل متزايد عن حكم القانون، وهي في ذلك تسير في ركب الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة.
اللافت ان التقرير لا ينتقد سياسات واشنطن التي تضر بحقوق الإنسان فقط، بل يحملها أيضاً وزر الممارسات التي تقوم بها دول أخرى، لأن "الولايات المتحدة باعتبارها أقوى قوة سياسية وعسكرية واقتصادية، فإنها تحدد مسار السلوك الحكومي في العالم بأسره".
فعندما تهزأ أكبر دولة في العالم بحكم القانون وحقوق الإنسان، فإنها ـ حسب إيرين خان الأمين العام لمنظمة العفو ـ تعطي بذلك ترخيصاً لغيرها بارتكاب انتهاكات دون خوف من أي عقاب.
طبعاً لا يعوز منظمة العفو دلائل على الانتهاكات الفظيعة ومنها:
1 ـ الصور التي ظهرت العام الماضي عن انتهاكات ضد معتقلين في سجن "أبو غريب" الذي يديره الأميركيون في العراق، حيث لم تجرِ ادارة بوش التحقيق فيها بشكل كافٍ.
2 ـ الاعتقالات من دون توجيه اتهامات لمن يطلَق عليهم "مقاتلون أعداء" في قاعدة غوانتانامو في كوبا، الذي أصبح "غولاج" ـ سجن يرجع الى عهد روسيا القيصرية ـ هذا العصر، إذ إنه يكرس ممارسات الاعتقال التعسفي فترات غير محددة، الأمر الذي يُعد انتهاكاً للقانون الدولي. ولا يفوت التقرير التذكير بأن المئات لا يزالون يُحتجزون في غوانتانامو وفي قاعدة باغرام الجوية الأميركية في أفغانستان، مدداً زادت في بعض الأحوال عن ثلاثة أعوام من دون أن توجه اليهم أي اتهامات او يقدموا للمحاكمة، ومن دون السماح لهم بالحصول على تمثيل قانوني.
3 ـ مساعي واشنطن للتحايل على الحظر الذي فرضته بنفسها على استخدام التعذيب.. فهناك اعتقالات سرية لمشتبه فيهم وممارسات تسلم بعضهم الى دول لا يحظر فيها استخدام التعذيب، وبذلك بلغت الحكومة الأميركية مدى بعيداً في تقييد اتفاقية جنيف وإعادة تعريف التعذيب.
لا نعرف كيف أغفل تقرير معهد الدراسات العلاقة بين سياسات واشنطن وحقوق الإنسان والعلاقة الطردية بينهما من حيث المبدأ أولاً، وثانياً من حيث إن ادارة جورج بوش تخوض حروبها الراهنة بدعوى نشر الحرية والديمقراطية، وتتباهى بأنها "حررت" 50 مليون إنسان في العراق وأفغانستان! ثم كيف يتجاهل المعهد ارتفاع منسوب الدم المهروق في العراق بسبب الاحتلال؟ وكيف ان طائرة حربية عمودية أطلسية تتدخل لتفريق تظاهرة في أفغانستان؟
بالتأكيد للولايات المتحدة ومن ضمن "التجديدات" التي تجريها على المفاهيم والأفكار تعريفات خاصة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يصبح معها تقرير منظمة العفو غير ذي قيمة.. أليس من مظاهر "الحرية الجديدة" منع نشر تقرير التنمية البشرية لأنه يوجه انتقادات للسياسات الأميركية، ويحملها قسطاً من مسؤولية إعاقة التمنية؟
اذا لم تكن مسؤولية مراكز الأبحاث تقديم قراءات متوازنة ومحايدة لمجرى الأحداث وتشخيص نتائجها وفق معايير يقوم على رأسها تحقيق المنفعة للبشرية، لا سيما استقرارها الأمني والسياسي، فلا يصح والحال هذه الاستغراب، لأنها يبدو قد أخذت بإلغاء حروب بوش للخيوط الفاصلة بين الأشياء، حيث لم يعد هناك فرق بين "الاستقرار العالمي" والحرب على حقوق الإنسان.
لننتظر مزيداً من الانتهاكات الأميركية ضد الإنسان.. وليس فقط ضد حقوقه.. في سبيل الاستقرار العالمي!..
عبد الحسين شبيب