ارشيف من : 2005-2008
الاستحقاقات الانتخابية أم التوافقية هي معيار الحسم: أربعة لاعبين أساسيين على مسرح السياسة العراقي

بغداد ـ عادل الجبوري
حتى الآن، تشير النتائج الاولية التي اعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، الى ان هناك اربع قوائم ستشكل صورة المشهد السياسي في العراق خلال الاربعة اعوام المقبلة، قائمة الائتلاف العراقي الموحد بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، وقائمة جبهة التوافق العراقية بزعامة عدنان محمد سلمان الدليمي وطارق الهاشمي، وقائمة التحالف الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والقائمة العراقية الوطنية بزعامة إياد علاوي.
والى جانب الارقام الاولية التي تعلنها تباعاً المفوضية المستقلة للانتخابات فإن الحديث لا يكاد ينقطع في مختلف كواليس الكيانات السياسية عن الحصص المتوقعة لكل قائمة من القوائم المشار اليها، وواضح لمن يتابع تناول وسائل الاعلام العراقية لموضوع الانتخابات واستحقاقاتها فتح باب التكهنات حول معالم وملامح المشهد السياسي في المرحلة القادمة.
وما يستحق التوقف عنده ما هو مطروح حول حصص كل قائمة من مجموع مقاعد مجلس النواب العراقي الـ(275) التي ستُوزع خمسة وأربعون منها بطريقة تنطوي على نوع من التعقيد فضلا عن الغموض.
مئة واربعون مقعدا لقائمة الائتلاف العراقي الموحد، وخمسة واربعون لقائمة جبهة التوافق العراقية (السنية)، وستون مقعدا لقائمة التحالف الوطني الكردستاني، وما بين عشرين الى خمسة وعشرين مقعدا للقائمة العراقية الوطنية، ويبقى بحدود عشرة مقاعد تتقاسمها بضعة قوائم يمكن ان تفلح في جمع اصوات تتيح لها الحصول على مقعد او مقعدين في افضل الاحوال، ومن تلك القوائم قائمة الاتحاد الاسلامي الكردستاني، وقائمة تحالف المؤتمر الوطني الكردستاني بزعامة احمد الجلبي، وقائمة رساليون بزعامة الشيخ عبد الهادي الدراجي الذي يعد ابرز قيادات التيار الصدري، وقائمة الجبهة العراقية بزعامة صالح مطلك الجبوري، وقائمة كتلة المصالحة والتحرير بزعامة مشعان الجبوري.
هذه هي الارقام الافتراضية المطروحة ولعل تلك الارقام تشير الى جملة حقائق منها:
ـ ان الائتلاف العراقي سينجح مثلما نجح في الانتخابات السابقة في احراز اكثر من نصف مقاعد مجلس النواب القادم، وهذا ما يعني انه بإمكانه فرض مرشحه لرئاسة الحكومة حتى وان عارضت ذلك الترشيح كل القوائم الاخرى.
ـ ليس بإمكان القوائم الثلاث (جبهة التوافق والتحالف الكردستاني والعراقية) ومعها بقية القوائم الصغيرة تشكيل كتلة اغلبية الثلثين في مجلس النواب.
ـ يحتاج الائتلاف العراقي الموحد الى ان يتحالف مع قائمة او اكثر لضمان اغلبية الثلثين.
ـ القائمة التي تحصل على مقعد أو مقعدين أو حتى على أكثر من ذلك بقليل ستكون عائمة وهامشية ما لم تنضوِ تحت مظلة قائمة كبيرة.
وعلى ضوء هذه الحقائق ـ أو البعض منها ـ ستشهد عملية التفاوض بين الكبار في مجلس النواب حالة شد وجذب تستغرق وقتا طويلا قبل حسم الأمور بطريقة مُرضية ومقبولة للجميع، ولا سيما ان الحسم النهائي لا بد ان يتم من خلال صفقة شاملة (DEAL PACKAGE)، ومن هنا فإن الاستحقاقات التوافقية قد تفرض نفسها بدرجة ما على الاستحقاقات والنتائج الانتخابية، خصوصا اذا أظهر اللاعب الأكبر ـ الائتلاف العراقي الموحد ـ حرصا على تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة التمثيل لمختلف المكونات السياسية والاجتماعية.
وبوادر ذلك الحرص أخذت تظهر عبر تصريحات كبار الشخصيات السياسية في الائتلاف، فبعد لقائه وزير الخارجية الاسترالي الكسندر دونار يوم الاثنين الماضي صرح نائب رئيس الجمهورية والقيادي البارز في الائتلاف العراقي الموحد عادل عبد المهدي قائلا "ان الوضع السياسي يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية لذا سنسعى الى التحالف مع قوائم غير أساسية لتأمين الغالبية". وهذا قد يفهم منه الحرص على استيعاب القوائم والكتل الصغيرة.
ويبدو أن قائمة الائتلاف العراقي الموحد متحمسة للتحالف مع جبهة التوافق العراقية والتحالف الوطني الكردستاني، لكنها غير راغبة في التحالف مع القائمة التي يتزعمها اياد علاوي، وقد اشار مرشح قائمة الائتلاف والقيادي في حزب الدعوة ـ تنظيم العراق، خضير الخزاعي الى ذلك بقوله "ان لدى الائتلاف رؤية للتحالف مع جميع الكتل باستثناء الكتلة التي تريد اعادة البعثيين الى السلطة، في إشارة الى القائمة الوطنية العراقية بزعامة علاوي".
في مقابل ذلك فإن الأكراد يميلون الى اشراك قائمة اياد علاوي في كل مراحل المفاوضات لتشكيل الحكومة، ويبدو ان لديهم إصراراً على ذلك ربما من أجل أن يكون موقفهم التفاوضي قويا من خلال استخدام ورقة القائمة العراقية عنصر ضغط على الائتلاف لتعزيز مكاسبهم.
وبقدر ما أن كل القوائم والكتل التي سوف يكون لها وجود في مجلس النواب المقبل لن تتمكن من تشكيل كتلة أغلبية قوية دون الائتلاف العراقي الموحد، فإن الأخير وان كان سيحصد على الارجح اكثر من نصف المقاعد يبقى بحاجة الى قائمة اخرى او اكثر للتحالف معها، وهذا ما يجعل القوائم المكملة لاي تحالف بمثابة اوراق رابحة.
ومن الواضح ان قادة الائتلاف العراقي الموحد يسعون فضلا عن تشكيل كتلة اغلبية قوية، الى استيعاب القوى والعناصر الاساسية وهم الاكراد والسنة، وذلك للحؤول دون ظهور كتلة معارضة قوية داخل البرلمان وتكون مدعومة من خارجه تعرقل عمل الحكومة وتضع العصي في دواليب حركتها.
الى جانب ذلك فإن تشكيل كتلة برلمانية قوية ومنسجمة يفضي تلقائيا الى تشكيل حكومة قوية ومنسجمة هي الاخرى. ويبدو ان هذين الاستحقاقين بحاجة الى جهد كبير وواسع ووقت طويل ايضا، وقد بدأت التحركات والاتصالات حتى قبل ظهور النتائج النهائية للانتخابات.
ولكن في كل الاحوال فإن عرفا دستوريا قد يكون تبلور عبر تحولات العملية السياسية خلال العامين الماضيين في العراق، يقضي بأن يكون رئيس الوزراء ذو الصلاحيات الواسعة شيعيا، وهذا يعني اننا سنكون امام اسماء محددة مرشحة لرئاسة الحكومة وهذه الاسماء هي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري، ونائب رئيس الجمهورية الحالي عادل عبد المهدي، ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي الذي يبدو ان حظوظه قليلة جدا، واحمد الجلبي الذي من غير المنطقي ان يطرح نفسه مرشحا لهذا المنصب بعد النتائج الهزيلة للقائمة الانتخابية التي يترأسها.
وبقدر ما ان الخيار بيد الائتلاف العراقي الموحد، الا ان الذي يتحالف معه ـ سواء كان الاكراد او السنة او كليهما ـ سيكون له كلام ورأي مؤثر، مع الاخذ بعين الاعتبار ان حسم منصب رئيس الوزراء لن يتم بمعزل عن حسم المناصب السيادية الاخرى كرئاسة الدولة ورئاسة البرلمان، ونواب الرؤساء الثلاثة، والوزارات السيادية، والمناصب الأخرى المهمة مثل رئاسة جهاز المخابرات، ومجلس الامن القومي، ورئاسة السلطة القضائية وغيرها.