ارشيف من : 2005-2008

أهداف شارون من زيارة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة

أهداف شارون من زيارة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة

يأتي اختيار هذا المقال لكونه يتزامن مع زيارة شارون الى الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، التي تسلط الأضواء على طبيعة العلاقات التبادلية القائمة بين الكيان الصهيوني وجزء ـ بغض النظر عن حجم هذا الجزء ـ من يهود الشتات، إذ من جهة تشكل هذه الجاليات مصدر دعم لهذا الكيان في البلاد التي يوجدون فيها، ومن جهة أخرى تشكل هذه الجاليات المخزن البشري للهجرة إلى "إسرائيل". ولعل التحدي الأكبر الذي يبرزه هذا المقال هو الخطة الإسرائيلية باستحضار مليون يهودي صهيوني خلال المرحلة القادمة إلى "إسرائيل"، مع ما يعنيه ذلك من تكريس لاحتلال فلسطين وجعل "إسرائيل" أكثر حافزية وقدرة ـ من الناحية النظرية ـ على التوسع. هذا التحدي يُلقي على الأمة مسؤوليات جساماً ويؤكد مرة أخرى أهمية تعميم ثقافة المقاومة على مستوى الأمة، لكونها الرد الوحيد الذي يمكن ان يحول أو يحد من موجات الهجرة.‏

لرئيس الحكومة آرييل شارون وتيرة ثابتة في لقاءاته مع يهود من الشتات، فهو يقول: "أنا قبل كل شيء يهودي".. ويدعوهم للهجرة إلى البلاد: "هكذا فقط نستطيع ضمان أن يبقى أيضاً أولادكم وحفدتكم يهوداً". لو لم تكن "إسرائيل" موجودة "لما كنتم تستطيعون ممارسة الحياة التي تمارسونها أنتم اليوم".. في خطاباته أمام الجاليات اليهودية يُكثر رئيس الحكومة من الثناء على "إسرائيل": "دولة صغيرة جداً جداً، مع الكثير من القابليات".‏

شارون يقول في كل مناسبة إن الهجرة ـ إلى "إسرائيل" ـ هي الهدف الأهم للدولة.. وهو يبذل الكثير من الجهود لضمان الأغلبية اليهودية عبر خطة فك الارتباط وجدار الفصل، وعبر محاولات إصلاح عمليات التهويد بفرض القيود على تجنيس العرب، وبمعارضته تغيير قانون العودة، وبإحضار اليهود الفلاشاه من أثيوبيا. هو قلق من تقلص الشعب اليهودي في أنحاء العالم، ويؤمن بأهمية التثقيف اليهودي الصهيوني وبتعزيز الارتباط بـ"إسرائيل". الأشخاص الذين عملوا معه في مواضيع "يهودية"، مثل وزيرة الاستيعاب تسيفي ليفني ورئيس الوكالة اليهودية سالي مريدور، أُعجبوا بالتزامات وحماسة شارون، وباستعداده لدعمهم في مقابل الصعوبات البيروقراطية والسياسية.‏

من الصعب أن نكتب عن "الحماسة" و"الأحاسيس" عندما تتعلق القضية بسياسي مستهتر مثل شارون. ومع ذلك فالعلاقة مع يهود الشتات هي خارج الجدال السياسي في "إسرائيل"، وقد أثارت اهتماماً جماهيرياً هزيلاً وسط الإسرائيليين القدامى، ولا يكسبه أي تفوق في الانتخابات التمهيدية.‏

ليس دائماً يفهم شارون حاجات اليهود الذين يعيشون خارج "إسرائيل".. مجموعات من شمال أميركا الذين شاركوا في "مسيرة الحياة" في معسكر الإبادة النازية في جنوب بولونيا الأسبوع الماضي، اشتكوا من قرار شارون إلقاء خطاب فقط بالعبرية.‏

قال أعضاء بعثة من كندا: "تلقينا بتفهم الترتيبات الأمنية المثقلة، ونحن أيضاً نفهم الحاجة إلى التحدث بالعبرية، ولكن كان وسط الجمهور آلاف اليهود من كل العالم يفهمون اللغة (العبرية).. توقعنا جملة أو اثنتين بالإنكليزية".. ولكن شارون أصرّ وفقاً لكلام مساعديه، على عدم التكلم بكلمة أجنبية واحدة في معسكر الإبادة.‏

عشية توجه شارون للقيام بزيارة استثنائية الى الولايات المتحدة ستُكرَّس للجالية اليهودية، لن يلتقي مع الرئيس جورج بوش.. وبعد تخبط معين لم يُحدد له أي لقاء أيضاً مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس. الحدث "غير اليهودي" الوحيد سيكون لقاءه مع قادة المسيحيين الإنجيليين المؤيدين لـ"إسرائيل".‏

من ناحية مضيفيه كان ينبغي ان تحصل هذه الزيارة منذ زمن.. شارون مثُل في المرة الأخيرة أمام جمهور يهودي في نيويورك في شباط من العام 2002، ومنذ ذلك الوقت حدد عدة زيارات كهذه ـ إلى نيويورك وفلوريدا ولوس أنجلوس ـ ودائماً كان يلغيها في اللحظة الأخيرة، اذ كان لديه دائماً مشكلة أمنية أو سياسية داخلية ضاغطة. هذه الإلغاءات أثارت إشاعات بأن صحته متدهورة، وانتقادات من ناشطين يهود عن "إهماله".‏

نجح شارون في أغلب سيرته السياسية من دون الاحتكاك بالمؤسسة اليهودية الأميركية. في تشرين الثاني، في نهاية ولاية سلفه إيهود باراك، ترددوا في الجالية إن كانوا سيدعونه إلى لإقاء خطاب كرئيس للمعارضة في المؤتمر العام (GA) للجاليات اليهودية في شمال أميركا الذي عُقد في شيكاغو.. وكانت هذه الأيام أيام بداية الانتفاضة، المنظمون لم يحبوا توجه شارون ـ الإشكالي ـ إلى جبل الهيكل.. هم درسوا إلغاء دعوته ووافقوا فقط بعد أن أُهين. وعلى ما يبدو لم يُقدِّروا أنه بعد أقل من ثلاثة أشهر سيفوز شارون في الانتخابات وسيتولى رئاسة الحكومة.‏

لدى شارون في الزيارة الحالية هدفان اثنان: تجنيد دعم القيادة اليهودية لخطة فك الارتباط، والتحدث عن الارتباط بـ"إسرائيل".. ومن الممكن أن نُقدِّر أن تعزيز العلاقة مع "قواعد الدعم" وسط اليهود والإنجيليين مهم له أيضاً لليوم الذي يلي الانسحاب، حيث من المحتمل ان يدفع شخص ما في واشنطن "إسرائيل" للسير إلى الأمام في المسيرة السياسية. وفي الخلفية أيضاً تقف الانتخابات لرئاسة الليكود وللكنيست التي يقترب موعدها، وجولة رئيس الحكومة على الجاليات اليهودية لن تضره في بيته "داخل إسرائيل".‏

من ناحية شارون، فالجالية اليهودية في الولايات المتحدة هي ملعب مُريح للتحدث عن فك الارتباط. الاستطلاعات أظهرت ان أغلب اليهود يؤيدون الخطة، وهي لا تُثير خلافاً مثل اتفاقات أوسلو. ويوجد لذلك عدة أسباب وفقاً لما يقول مسؤول رفيع في وزارة الخارجية. حينذاك جلس في البيت الأبيض رئيس ديمقراطي هو بيل كلينتون، واليمين اليهودي جنَّد إلى جانبه العديد من الجمهوريين في الكونغرس، الذين انهالوا على الإدارة بادعاءات ضد ياسر عرفات.. بينما الآن يتولى الرئاسة رئيس جمهوري مؤيد لشارون، وبالتأكيد لن تهاجم المعارضة الديمقراطية الانسحاب من المناطق. في وضع كهذا لا يوجد لمؤيدي المستوطنين قاعدة سياسية يرتكزون اليها لمناطحة الإدارة الأميركية. يقول مسؤول رفيع في وزارة الخارجية: "الجالية اليهودية سمعت لسنوات سواء من اليمين أو من اليسار في "إسرائيل"، أن منظمة التحرير الفلسطينية سيئة، ومن الممنوع التحدث معها.. وتسللت هذه الرسالة في أوساطهم". ووفقاً لهذه الرسالة القاسية عن "قلب الديسك" لدى القيادة اليهودية حتى الآن، "لا يوجد تغيير قيمي في المقولة الإسرائيلية. ففك الارتباط غير نابع من التعاطف مع الفلسطينيين، وإنما من تقدير أن أمننا سيكون أفضل من دون المستوطنات في غزة".‏

المنظمة اليهودية المركزية، اللوبي من أجل "إسرائيل" "إيباك"، التي لم تتحمس لاتفاق أوسلو، تؤيد الآن فك الارتباط. "إيباك" أدت دوراً مهماً في إرساء "رسالة بوش" لشارون، التي اعترفت بتغيير الحدود في المناطق بقرار الكونغرس. من ناحية اللوبي القضية تتعلق بقرار الحكومة والكنيست، وينبغي الوقوف وراءه.‏

على رأس سلّم أولويات شارون يقف إحضار شبان يهود لزيارة "إسرائيل" التي تعتبر طريقة أكثر فعالية لإيجاد مخزن للمرشحين للهجرة وتعزيز المشاركة اليهودية من المشاركين. الدراسات التي أجرتها الوكالة (اليهودية) أظهرت أن الذين يزورون "إسرائيل" يميلون أكثر للزواج من يهود، وإن كانوا أكثر تداخلاً مع الجالية. يوسي بيلين بادر إلى الفكرة في العقد القادم في خطة "اكتشاف"، التي بموجبها يُحضر الطلاب لزيارة "إسرائيل" واكتشافها.. وهي أحضرت طلاباً لقضاء مدة أسبوع في "إسرائيل".. المشروع يعتبر ناجحاً، ففي عام 2004 أُحضر الى البلاد أكثر من 30 ألف مشارك.‏

شارون جنَّد الحكومة لخطة أكثر طموحاً.. "رحلة" بموجبها يحضر فتياناً يهوداً للدراسة والمكوث في "إسرائيل" لدة 6 ـ 12 شهراً. الهدف هو إحضار 20 ألف زائر في السنة، على أن يُوزَّع تمويل الحملة بين الحكومة والوكالة والمشاركين. للمرة الأولى ترصد الحكومة مشروعاً تثقيفياً كبيراً لليهود من خارج "إسرائيل"، ولكن الأموال ستُصرف في "إسرائيل" وستعزز الاقتصاد المحلي.‏

أما الهدف الثاني لشارون فسيكون الهجرة إلى "إسرائيل". شارون يتحدث دائما عن "إحضار مليون يهودي إليها".. هذه المرة حُدِّدت فترة عقد من الزمن لتحقيق الهدف، واليوم يتحدث شارون عن فترة 15 سنة.. الجدول الزمني الجديد حُدِّد بمبادرة ديدي ايرزي، الذي يترأس حاليا طاقم المهمة لتشجيع الهجرة التابع للوكالة. ووفقاً لتقدير خبراء فإن هذه الأرقام تبدو أكثر تفاؤلية.‏

كما سيدعو شارون يهود الولايات المتحدة إلى المساهمة في تطوير الجليل والنقب، والمساعدة في تعزيز الحضور اليهودي في القدس.‏

"هآرتس"/ ألوف بن/ 20/5/2005‏

2006-10-28