ارشيف من : 2005-2008
عين على العدو

الانتقاد/العدد 1116 ـ 1ـ تموز/يوليو 2005
مرتكزات مكانة الضفة والقطاع في القانون الإسرائيلي
هآرتس/ آري شابيط 21/6/2005
جهاد حيدر
ليس الهدف من هذا المقال إظهار تعدد الآراء القانونية في القضاء الإسرائيلي إزاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا محاولة تصوير بأن تعدد الرؤى والتعامل مع هذه المناطق نابع من تعدد الاجتهادات القانونية، لأن الأمر ليس كذلك، وإنما محاولات تظهير المرتكزات التي يبني عليها القضاء الإسرائيلي رؤيته وأحكامه التي ليست سوى وقائع فُرضت بالقوة، ثم جرى التعامل معها على أساس أنها حقائق مطلقة ينبغي البناء وفق ما تقتضيه، كوعد بلفور والاحتلال الإسرائيلي لهذه المناطق وغيرها عام 1967.
ولكن هناك ملاحظة ينبغي ان تكون حاضرة لدى قراءة هذا المقال لكي يُفهم في سياقه الصحيح، وهي أن الآراء القانونية في كيان العدو تتكيف مع المستجدات السياسية ومع موازين القوى. بمعنى أنه ما دامت الظروف تسمح باستمرار احتلال أراضٍ معينة، فالمرتكز القانوني لذلك جاهز، وهو ما يتمثل وفق التعبير المستخدم في هذا المقال "السيطرة القتالية". وإذا حصلت مستجدات تفرض على "اسرائيل" التراجع بقدر او بآخر، فالمرتكزات القانونية لهذا التراجع أيضاً حاضرة.
ولعله من المفيد التذكير بسابقة الأسرى اللبنانيين التي كانت تصدر المحكمة العليا في كيان العدو أحكامها من فترة إلى أخرى بضرورة استمرار احتجازهم تحت عنوان حماية الأمن القومي الإسرائيلي، في حين أنه عندما وُجد العامل الذي يفرض على "اسرائيل" اطلاق سراح هؤلاء الأسرى، سمحت هذه المحكمة بإطلاق سراحهم تحت العنوان نفسه.
ما الذي يحدد المكانة القانونية لمناطق يهودا والسامرة وغزة:
"السيطرة القتالية" منذ العام 1967.
تبنّي وعد بلفور من قبل عصبة الأمم في العام 1922.
حكم محكمة العدل العليا حول موضوع فك الارتباط الذي يشكل نموذجاً على الإشكالية الكامنة في تحول مسار قانوني الى نقاش تاريخي.
كتب القاضي إلياهو متسا في أحد أحكامه "تحديد الحقيقة التاريخية هو من اختصاص المؤرخين، وليس للمحكمة.. كلما أفلحت المحكمة في الامتناع عن الانشغال بها، كان ذلك أفضل".
تحديد الحقيقة التاريخية هو أمر خاضع إلى حد كبير للتقدير، حيث من الممكن أن تتغير من باحث إلى باحث ومن وقت لآخر". هذه الأمور حُددت في الحكم الذي ضمن إطاره أرادت المحكمة اتخاذ قرار "هل خُدع رئيس الحكومة مناحيم بيغن في ما يتعلق بظروف بداية حرب لبنان".. وكان المدعي آنذاك الذي خسر القضية في مقابل الصحافي عوزي بنزيمان وصحيفة "هآرتس" هو آرييل شارون.
في الأسابيع الأخيرة مرة أخرى لم تفلح المحكمة في الامتناع عن الانشغال في تحديد "حقيقة تاريخية".. مرة أخرى واجه القضاة الحاجة الى اتخاذ قرار في أمر يتعلق بظروف تاريخية.. ومرة أخرى.. كما لو أنه لا يوجد مفر من أن يكون آرييل شارون في الصورة.. ففي حكم صدر من محكمة العدل العليا قبل حوالى أسبوعين، وبتأييد عشرة في مقابل قاضٍ واحد، اعتبرت خطة فك الارتباط دستورية، يؤدي فيها التاريخ دوراً مركزيا". وكتب القضاة العشرة الذين شكلوا الغالبية مباشرة في بداية الحكم: "إن الكنيست والحكومة اتخذا قرارات سياسية صعبة ذات طابع تاريخي فعليّ".
ربما كان ينبغي على القضاة ان يعودوا ويكرروا كلام القاضي متسا أحاد بحاجة المحكمة إلى الابتعاد عن تحديدات تاريخية.. التاريخ القانوني ذو الصلة بالضفة وقطاع غزة يبدأ وفقاً لأغلبية القضاة في حرب الأيام الستة. ووفقاً لهؤلاء القضاة يُحتفظ ـ منذ العام 1967 ـ بناء للمفهوم القضائي لحكومات "اسرائيل" المتوالية، بالمناطق على أساس "السيطرة القتالية". والمعنى هو أن "القانون والقضاء والنظام الإداري لدولة اسرائيل لا يطبق على هذه المناطق، وهذه المناطق لم تُضم الى اسرائيل، وهي ليست جزءاً منها". موقف محكمة العدل العليا ليس جديداً كما ظهر في الماضي في عدد لا يُحصى من الأحكام.
الا ان إدمونار ليفي يرى الأمور على نحو مختلف.. العرض التاريخي الظاهر في حكمه يبدأ أولاً ـ في المؤتمر الصهيوني ووعد بلفور وقرار التقسيم للأمم المتحدة ـ التي نالت "تحصيناً" قانونياً عبر تأسيس المكانة الدستورية لوثيقة الاستقلال.
المكانة الدستورية لوثيقة الاستقلال تُمكِّن ليفي من إنتاج فقه قانوني جديد يتعلق بالمكانة القانونية لمناطق الضفة والقطاع. ويشرح ليفي: "لا يوجد مفر من التوجه إلى الأحداث التي حصلت في بداية القرن العشرين". وهو طرح صيغة وعد بلفور من العام 1917، الذي استهدفت المملكة البريطانية من خلاله "تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في أرض اسرائيل". كما حوَّلت مصادقة عصبة الأمم في العام 1922 على وعد بلفور وفقاً لكلام ليفي، إلى معيار ملزم في القانون الدولي.
الانتداب البريطاني أعلن عن حق اليهود في الاستيطان في كل أجزاء "أرض إسرائيل" الانتدابية.. أي على جانبي نهر الأردن. غير أنه ـ يؤكد ليفي ـ "في العام 1922 جرى تحول عندما تقرر بناءً على توصية ونستون تشرشل، فصل المناطق الواقعة شرقي "نهر" الأردن عن غربه. ولكن حقيقة واحدة بقيت قائمة "هي حق اليهود في الاستيطان في كل أجزاء أرض إسرائيل الواقعة غرب الأردن.. وهي المناطق التي تشكل موضوع الجدل القائم اليوم.. هل الحق القانوني للشعب اليهودي على المناطق لم يختل بسبب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة؟.. يقول ليفي مطلقاً: كلا.. إذ إن رفض الدول العربية الاعتراف بقرار التقسيم في العام 1947 ونشوب حرب التحرير وفقاً لكلام ليفي، طوى صفحة قرار التقسيم.
.......
في مقابل ليفي حدد أغلب القضاة أن المكانة القانونية للمناطق مستمدة من القانون الدولي ومن قوانين إسرائيلية شُرّعت مع توالي السنوات وطبقت على إسرائيليين في المناطق.
"إنتاج الحواجز القانونية" جعل الأمر أكثر تعقيداً مع عقد الاتفاقات المرحلية بين "إسرائيل" والفلسطينيين ـ اتفاق أوسلو ـ في العام 1993، وبعدها اتفاق القاهرة في العام 1994، واتفاق واشنطن في العام 1995. هذه الاتفاقات التي على مستوى القانون الدولي تلقت تحصيناً داخلياً عبر تشريع الكنيست ("قانون تنفيذ الاتفاق المرحلي في موضوع الضفة الغربية وقطاع غزة" في العام 1996")، وعبر بيان عسكري أصدره القائد العسكري في المناطق.
مع نشوب الانتفاضة
وفقاً لموقف أغلب القضاة، فإن مواجهات العنف التي نشبت في العام 2000 لم تؤدِّ الى تغيير في الوضع القانوني السائد في المناطق. الانتفاضة ذُكرت من قبلهم عبر سطر واحد ومن دون آثار قانونية: اذ اعتبروا "الأحداث الإرهابية أدت أكثر من مرة الى عودة الجيش الإسرائيلي الى المناطق التي خرج منها، وهذا واقع الحال اليوم".. ومن دون أن يوضحوا ما هي مكانة مناطق "أ" و"ب"، عادوا وأوضحوا أن مناطق "ج"، حيث يوجد مستوطنات، ينفذ فيها "السيطرة القتالية" وتطبق قواعد القانون الدولي.
إلا أن ليفي يرد عليهم بالقول: "لم أتجاهل حقيقة أنه في أعقاب إعلان المبادئ التي ضُمت في اتفاق أوسلو الأول، التزمت "اسرائيل" بنقل السيطرة في الضفة والقطاع. إلا أنه وفقاً لكلامه: "من المسموح الاندهاش" إزاء سريان مفعول القانون المتعلق بهذه الاتفاقات، بعد ان تعهدت السلطة بحل كل المشاكل بالطرائق السلمية.. لكنها "فتحت النار ونفذت المنظمات الإرهابية عمليات مرعبة بمباركتها حتى وصلت الى الذروة وأحدثت حمام دماء".
في كل الأحوال، حتى لو ان هذه الاتفاقات ما زالت سارية المفعول، فـ"إسرائيل مطلقاً لم تتنازل عن نيتها بالمطالبة بالسيادة على هذه المناطق، وحتى بالنسبة الى الجانب الفلسطيني كان واضحاً ان هذه المشكلة ستُحسم فقط ضمن اطار اتفاق الوضع النهائي. وأنا لا أتجاهل ذلك". وأضاف من أجل النزاهة "في مراحل معينة، كما حصل في كامب ديفيد في عام 2000، نوقشت الحدود الدائمة مع الفلسطينيين وطرحت أسئلة متعلقة بالمستوطنات، ولكن هذه المسألة لم تُحسم".
كما هو معروف يوجد للتاريخ ميل للاستمرار والتقدم، وفك الارتباط نفسها تتطلب "قرارات ذات طابع تاريخي". تنفيذها او تجرد خطة فك الارتباط عن البعد القانوني ـ المصادقة عليها او إلغاء الخطة من قبل المحكمة ـ بالضرورة سيوجه المسار التاريخي نحو طريق معين دون آخر..
القضاة الذين يشكلون الأغلبية يعودون ويؤكدون أنهم لا يدرسون الحكمة الكامنة في القرار السلطوي، وإنما فقط دستوريته. وفي النهاية يؤكدون ان "الأهداف السياسية الوطنية والأمنية التي ارتكزت عليها خطة فك الارتباط، هي من النوع الثقيل، وتستهدف تحقيق ما يراه الكنيست والحكومة حاجة اجتماعية حيوية وجوهرية، يوجد فيها لو نُفذت في الواقع، ما يُبرر المسّ بحقوق الإنسان للإسرائيليين الذين سيُخلون".