ارشيف من : 2005-2008
عين على العدو ـ أيضاً اليمين الإسرائيلي العلماني يواجه أزمة عقيدة

الانتقاد / عين على العدو ـ العدد 1126 ـ 9 أيلول / سبتمبر 2005
لم تقتصر تداعيات الانسحاب من قطاع غزة على المعسكر الديني، بل تجاوزته إلى اليمين العلماني، حيث بدا أن دلالات هذا الانسحاب تتجاوز حجم مساحة قطاع غزة لتطال كل فلسطين بأكملها، وأكثر ما يتجلى ذلك في ما اعتبره جزء من المنظرين اليمينيين أنه في حال اعتُبر عدم أحقية الوجود الإسرائيلي في القطاع، فإن ذلك يُفقدها مبرر وجودها في كل فلسطين وإلا كيف يمكن، من ناحية الفكر الصهيوني، تبرير التمسك بالمناطق المحتلة عام 1948 على أساس انها لليهود، وفي نفس الوقت قطاع غزة ليس كذلك. والمعادلة وفقاً لرأي هؤلاء انه اما ان تكون كل هذه المنطقة لنا على اساس انها جزء من ارض إسرائيل، وإما ألا تكون كذلك.
جهاد حيدر
ليس فقط اليمين الديني، أيضاً اليمين العلماني يواجه أزمة، إذ ترمز خطة فك الارتباط (عن قطاع غزة) بالنسبة له إلى نهاية الصهيونية، وفقدان المبرر الاخلاقي لوجود الدولة.
... في منزله الواقع في عمق مستوطنة كدوميم حال الوضع الصحي للبروفيسور (في الفلسفة) "يوسف بن شلومو" دون خروجه إلى المستوطنات التي تم اخلاؤها. قال بن شلومو "أنا أشاهد في التلفزيون وأبكي معهم جميعا هناك، يوجد تصور أن كل المثقفين هم من اليسار، وفي الجانب الثاني يوجد شوفيين محدودين"، ويضيف بنصف ابتسامة "أنا اعتبر من هؤلاء الذين يفسدون هذا التصور".
هذه كانت إحدى لحظات المُزاح الفريدة في الحديث الطويل والقاسي، مع بن شلومو. وكل ما تبقى بدا كتَنبُّؤ غاضب، وفقاً له، إخلاء غوش قطيف ومستوطنات شمال السامرة، هو بداية خراب الدولة. وحدَّد أن "هذه نهاية الصهيونية ونهاية الصهيونية هي نهاية الدولة، كل الصهيونية ارتكزت على أن ارض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي. أنا جئت لكي أعيش في ارض إسرائيل، وليس في دولة إسرائيل". استناداً لهذا الموقف لا يوجد، بنظره، أي أساس للادعاء بأن التنازل عن المناطق والانطواء ضمن حدود مُحدَّدة يستهدف إنقاذ دولة إسرائيل.
كثُر الحديث في الأسابيع الأخيرة عن الأزمة الايمانية العميقة في المعسكر الديني ـ القومي. يوجد أيضاً أزمة أخرى، علمانية وبدون قلنسوة.
... وفقاً لدراسة أجراها مركز "أرييل للدراسات السياسية" في العام 2000، عبر خبراء مشهورين في البلاد والعالم، فإن الأمل ببقاء دولة إسرائيل يتراوح بين عشرين سنة، وفقاً للتقديرات المتفائلة، وعشر سنوات، وفقاً للتقديرات المتشائمة. ومنذ ذلك الوقت مر خمس سنوات.أيضاً لبن شلومو يوجد جدول زمني. ووفقاً لكلامه، قدرة بقاء الدولة (إسرائيل) خمسين سنة. قال، وهو يقصد إخلاء المستوطنات في غزة وشمال السامرة "هذه بداية نهاية دولة إسرائيل، أنا لست غيبياً، هذا لن يحدث غداً، ولكن مسار التآكل بدأ".
امتثال مخيف
بن شلومو وصل إلى كدوميم قبل 25 سنة. مباشرة بعد حرب الأيام الستة، عُدَّ مع مجموعة صغيرة من المثقفين الذين وقَّعوا على بيان يدعو إلى عدم الاستيطان في الخليل. ولكن في حينه أتى مؤتمر الخرطوم، واستنتج بن شلومو أن العرب لا يريدون السلام. عندها فقط بدأ الاهتمام برؤية الحاخام كوك، ووجد نفسه، في سيفستيا، وبعد ذلك في كدوميم، يعيش باختيار واع في منطقة هي موضع نزاع.
من بين سلسلة طويلة من المنظَّرين والمفكِّرين الذي اشتغلوا طوال التاريخ بمشاكل الديمقراطية، الوطنية والصهيونية... في نهاية القرن الثامن عشر توجه اليهود من أوروبا لكي يكونوا شعباً عظيماً على بقعة من بلدهم. وهذه البقعة ليست تل ابيب، وإنما السامرة التي تجوَّل فيها الأنبياء. بن شلومو يقتبس عن نتان الترمان، الذي توقع أن دولة إسرائيل سترفض ارض إسرائيل.
يرى بن شلومو في قرار الإخلاء وتنفيذه نصراً لدولة إسرائيل على ارض إسرائيل. واعترف انه "انطلاقا من موقفي بأن الشعب هو الأساس يمكن الوصول إلى القومجية". "وفي الموقف المعاكس، الذي تعتبر فيه الدولة هي الأساس، يوجد خطر. عندما تكون الدولة هي مصدر الصلاحيات العليا، نحن نقترب من الفاشية. انا قلق جدا، على سبيل المثال، من حقيقة أن جنوداً كثراً بكوا، ولكن القلة منهم من رفض الأوامر. هذا الامتثال يخيفني".
طوال الحديث معه، يحذر بن شلومو من مقارنة الاخلاء بالكارثة أو من مقارنة ارييل شارون بهتلر. وهو يعترض قائلا "هذه المقارنة مكروهة بالنسبة لي، انا أيضا لم اطلب محاكمته، كما فعل الفرنسيون بالماريشال بيتان، الذي حكموا عليه بالموت، إلى ان عفا عنه ديغول. التاريخ سيحاكم شارون. وهو سيُذكر كوصمة عار ابدية".
بن شلومو لا يرى أي نقطة ضوء في الوضع الحالي. وإنما يرى فقط السوء. وقال "حُددت هنا سابقة، ما جرى يسحب المبرر الاخلاقي لوجود الدولة. بدون مبرر اخلاقي لن تستطيع الدولة البقاء طويلا. اذا كنت لا ترى مبرراً اخلاقياً للاستيطان في هذه البلاد عندها يبدو اصل إقامة الدولة أمراً غير أخلاقي. في كل مرة أذكر فيها، في كل مرة أتذكر فيها هذا المهرج، دان بن اموتس، الذي سئل ذات مرة متى أخطأنا، فأجاب في "بازل". كل دولة لا تملك مبررا اخلاقيا، وإنما قامت فقط على اساس القوة، ليس لها حق بالوجود. وسابقا قال نابليون: "يمكن ان نفعل أي شيء بالخناجر باستثناء الجلوس عليها". لقد حُسم مصير هذه الدولة.
وحول ملاحظة أن تفضيله ارض إسرائيل على دولة إسرائيل يحوّله إلى شخص ما بعد صهيوني، اجاب بن شلومو: "ليس صحيحا، انا صهيوني، ولكن قاعدتي هي ليست كيانا سياسيا، وإنما بنية تحتية تاريخية سُحبت الآن". من الواضح له انه في المرحلة القادمة سيأتون لاخلائه وهو مستعد للبقاء هناك، في السامرة، تحت سيادة فلسطينية، بالضبط كما أن مؤسسي الصهيونية عاشوا تحت السلطة العثمانية. فقط في نهاية الحديث مع بن شلومو يبتسم مرة اخرى للحظة، يقول انه يأمل بالعودة إلى التعليم التطوعي في المعاهد العلمانية، الا انه سيجد بعض الصعوبة في تعليم الصهيونية..
فقدان المبرر الطبيعي
.. عن الدراسة التي أجريت قبل خمس سنوات، والتي وفقاً لها، متوسط الأمل ببقاء دولة إسرائيل هو 15 سنة، يقول اريه ستاف رئيس مركز "ارييل" الاتجاه لم يتغير، ما تغير هو المبرر، وفقاً لدراسات "هانس مورغنتو" مطلقاً لم يكن لدى إسرائيل أي مبرر وجودي، لا من حيث المساحة، ولا الحدود القابلة للدفاع عنها، ولا الحلفاء الاستراتيجيون. ما تملكه كان هو المبرر الأخلاقي والإيمان العميق بمبرر الوجود، الذي نسميه "الصهيونية". ما يحدث الآن هو فقدان المبرر الأخلاقي.
وفقاً لمنهج ستاف، هذا المسار بدأ في مؤتمر كامب ديفيد الأول، عندما تنازل بيغن عن صحراء سيناء. وقال "في ذلك الوقت خرقت إسرائيل المبدأ الأساسي الذي قام عليه المبدأ الطبيعي، والذي وفقا له ينبغي على المعتدي أن يُعاقب". "على أساس هذا المبرر الطبيعي سُلب من المانيا مناطق استخدمتها كوسيلة للحرب... هكذا يتصرف شعب طبيعي".
الشعب اليهودي، وفقا لستاف، ليس شعبا طبيعيا، وإنما شعب يعاني من مرض جرثومي خطير، احد مظاهره هو التنازل عن المبرر الطبيعي. وحدَّد أن "هذا العمل، المسمى "فك الارتباط" وصل إلى درجة جديدة من الحضيض"، الكلمة نفسها هي نتاج "مصبغة" الكلمات التي تميز الانظمة التوتاليتارية، بالضبط كما "معسكر التعليم الجديد، والحل النهائي". كل هذه كلمات سر تخفي وراءها جرائم ضد الإنسانية".
وفقاً للتنبؤات الحالية للمعهد الذي يترأسه، ستاف، والتي تحقق الكثير منها، في المستقبل القريب ستقوم دولة فلسطينية، تحدد حدودها وفقاً للخط الأخضر. وعندها ستكون هناك مشكلة مع 250 الف مستوطن في يهودا والسامرة، وبالاستناد إلى كلفة فك الارتباط (عن قطاع غزة)، من المتوقع أن يكلف إخلاءهم اكثر من 100 مليار دولار، أي ما يوازي الناتج القومي لإسرائيل خلال سنة. ولن يستطيع أحد أن يدفع لهم هذه التعويضات، ولذلك في البداية هم سيبقون هناك. ولكن أي محاولة لإدخال أي جندي إلى "شعري تكفاه/ ابواب الامل" للدفاع عنهم، ستعتبر تحدياً عسكرياً.
في المرحلة القادمة سيُطبق على المستوطنات معاهدة جنيف الرابعة، التي تعرِّف المحتلين كمجرمين ضد الانسانية. اقتراح كهذا مطروح على طاولة البرلمان الاوروبي. من اللحظة التي طردت فيها إسرائيل السكان من غزة وشمال السامرة، تكون قد اعطت، بنفسها، الشرعية لهذا الاقتراح، ووسمت بقية المستوطنين بالإجرام.
"لا يوجد شك انه مع تأسيس الدولة الفلسطينية ستُطبق معاهدة جنيف الرابعة على ربع مليون مستوطن. وعندما سيأتي العرب لطردي من منزلي، سيكون لديهم غطاء من الرباعية. نحن لن نُطرد من هنا على أيدي جنود لطفاء يساعدوننا على توضيب أمتعتنا".
هآرتس/ ليلي غاليلي/26/8/2005