ارشيف من : 2005-2008
ما هي وجهة شارون بعد خروجه من غزة؟

الانتقاد/ عين على العدو / العدد1131 ـ 14 تشرين الاول/اكتوبر 2005
منذ خروج آخر جندي إسرائيلي من قطاع غزة برز في الساحة السياسية الإسرائيلية تساؤل عن الوجهة التي يخطط شارون لسلوكها. وتعزز هذا التساؤل بعد ان تحدث مقربون منه عن احتمال تنفيذ انسحابات احادية اضافية في الضفة الغربية الأمر الذي دفع شارون إلى ان ينفي هذا الأمر بقوة. ولكن مع ذلك يبقى السؤال هل سيعمل شارون على توظيف انسحابه من قطاع غزة من أجل تجميد خارطة الطريق كما قال مستشاره المقرب جدا منه، دوف فايسغلاس.
بالنسبة إلى شارون فهو يقول الشيء ونقيضه حول نهجه السياسي، فمن جهة يؤكد ان الكرة الآن موجودة في الملعب الفلسطيني، وان "إسرائيل" ليست مطالبة بخطوات جديدة إلى ان يوقف الفلسطينيون "الارهاب" ويفككوا البنى التحتية لفصائل المقاومة.
ومن جهة أخرى يقول شارون في مقابلة له مع صحيفة "يديعوت احرونوت" عشية رأس السنة العبرية: "في العام القادم سيكون هناك تقدم ضخم في العملية السياسية وفي تطبيق المسار الذي حدَّدته خريطة الطريق".
ومن المعروف انه لا يوجد تقدم ضخم من دون انسحابات اضافية في الضفة.
يحاول ألوف بن في هذا المقال ان يوضح الوجهة التي يسلكها شارون وبالتالي فهو يعطي صورة ما عن خياره السياسي في المرحلة الحالية.
مرَّ الصيف، خطة فك الارتباط نُفذت وانتصر ارييل شارون على بنيامين نتنياهو في مركز الليكود. المؤسسة السياسية متحدة حول قيادة رئيس الحكومة. احتمال بقائه على كرسيه زادت وأثيرت معها التساؤلات من جديد: ما هو التالي؟ إلى اين يسير (شارون)؟
في جو كهذا، كل تلميح يشعل موجة من الشائعات. هذا ما حدث لارييل اراد، رجل "منتدى المزرعة"، الذي تحدث في الاسبوع الماضي عن "مسارات أحادية اضافية". شارون نفى بغضب. في حالة اخرى، روى موظف رفيع المستوى لنظرائه عن خدمة الاحتياط التي قام بها مرة في رفح، وتساءل لماذا ما زالت المدينة مقسمة بين قطاع غزة ومصر. مباشرة تشكلت موجات ارتدادية (اصداء) لهذا الكلام في المؤسسة الحكومية، كما لو ان المسألة تتعلق بسياسة جديدة.
جواب شارون عن هذه الأسئلة بسيط، حيث قال في حديث هاتفي عشية رأس السنة (العبرية). "أنا آمل أن نبدأ بتنفيذ خارطة الطريق، ونخطو خطوة ضخمة باتجاه السلام". ويشاركه في الرأي وزير الدفاع، شاؤول موفاز، ووزير الخارجية سيلفان شالوم. الجميع يؤكدون التزامهم بخارطة الطريق كدليل للعلاقات مع الفلسطينيين. ولمن نسي، الخارطة طُرحت منذ سنتين ونصف، وتتضمن اقامة دولة فلسطينية على مراحل. ومن المفترض، بناءً عليها، أن تبدأ السلطة الفلسطينية بخطوات أمنية، وبنظر إسرائيل بـ"تفكيك البنى التحتية للإرهاب"، كشرط للتقدم إلى دولة فلسطينية بحدود مؤقتة. ومنها إلى اتفاق الوضع النهائي. المجتمع الدولي ملتزم بذلك، ولكن لم يُجنِّد الطاقة المطلوبة لتنفيذها.
من ناحية شارون، التمسك بخارطة الطريق يمنح إسرائيل ضمانة من ضغوطات لتنفيذ انسحابات إضافية، ما دام الفلسطينيون لم ينفذوا نصيبهم. بعد فك الارتباط ومركز الليكود، شارون وُجد في وضع مثالي. متحرر من ضغوطات ويتمتع منذ زمن بحرية عمل. من الممكن أن نستمر في تنفيذ "تفاهمات شرم (الشيخ) بخروج الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية في الضفة وتحرير الأسرى. إذا استيقظت واشنطن، دائما من الممكن إخلاء بضع بؤر استيطانية والشكوى من المصاعب السياسية الداخلية.
يقول مصدر سياسي "ينبغي أن يكون رئيس الحكومة مجنونا من اجل ترك خارطة الطريق حاليا، حتى لو كان بداخله يؤمن بأنه لن يخرج منها شيء". "نهاية خارطة الطريق ستكون بداية المسارات المفروضة، وهي تعطينا الضمانة التامة حاليا، ولذلك ينبغي ان يحدث شيء ما دراماتيكي جدا كي يتنازل عنها رئيس الوزراء الذي لا يبحث عن المشاكل".
طاقم خبراء في وزارة الخارجية، الذي حلَّل البدائل السياسية لإسرائيل، توصل إلى نفس الاستنتاج، وأوصى الآن بالتركيز على شق الطريق إلى خارطة الطريق.
خسارة دفع مقابل
وفقا لرؤية شارون، الإلتزام الأميركي بخارطة الطريق هو الدفاع الأفضل لإسرائيل. وخلف الأميركيين يقف الأوروبيون، داعمو الفلسطينيين، مضطرين إلى صك الأسنان في مقابل الاشتراط الأمني: لا يوجد تحرك سياسي بدون تصفية الإرهاب. والى أن يحدث ذلك من غير الممكن التقدم بمطالب من إسرائيل. السلفة السخية التي أعطاها شارون للعالم، بإخلاء 25 مستوطنة، تبدد الشك أن إسرائيل لا تريد ولا تستطيع إخلاء مستوطنين. الكرة أُلقيت، على الأقل في هذه الأثناء، إلى الجانب الفلسطيني من الملعب.
يقول سفير دولة أساسية "فك الارتباط يدل على أنكم انتصرتم على الانتفاضة"، "الطرف المنتصر هو الذي يملي الجدول والحدود في نهاية الحرب". ويوجد شخصيات غير قليلة في إسرائيل شركاء في هذا الشعور. المسارات الاحادية لشارون، جدار الفصل وفك الارتباط، وُلدت اعتباطا، ردا على الأزمات التي تسببت بعمليات انتحارية والجمود السياسي. الآن توصف هذه المسارات بأنها استراتيجية، كطريق مرغوب فيها لإسرائيل. بدلا من أن تكون إسرائيل رهينة لموافقة الفلسطينيين العنيدين، فهي ستحدد بنفسها حدودها، وتملي الترتيبات الأمنية.
وصلوا في وحدة التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان إلى هذه النتيجة، برئاسة العميد اودي ديكل، وشارك بها رئيس امان، اللواء اهارون زئيفي فركش. كلاهما عبَّر عن موقفه بشكل علني. يرتكز النهج الاحادي على اساس تقدير بأن الثقة بالفلسطينيين معدومة، لا قيمة لوعودهم، وخسارة دفع أي ثمن مقابلها (وعودهم). في المقابل، موظفون كبار يدّعون أن هذا الأمر وهم: عملية فك الارتباط لم تكن في الحقيقة احادية، وكانت خاضعة لاتفاق مع الولايات المتحدة وبالتنسيق مع رئيس السلطة، محمود عباس.
يلمح شارون، عبر أفعاله وتصريحاته المعادية تجاه العرب، إلى تفضيله المسارات الاحادية. وليس لديه أي سبب أو ضرورة، حتى الآن، تدفعه إلى اتخاذ قرار بذلك، وهو يعلن انه لن يكون هناك أي فك ارتباط ثان. ومع ذلك من الصعب الاقتناع، ايضا فقد عارض في الجولة السابقة انسحابا احاديا وتراجع عنه، وايضا يمكن ان يدَّعي في المستقبل بأن المصلحة الوطنية تفرض عليه ذلك. من الواضح أن الحديث عن ذلك يزعجه، حين يكون يرغب في تقييد الولايات المتحدة بخارطة الطريق والطلب من عباس ان يكافح حماس والمنظمات الارهابية الاخرى.
شارون أوضح في الفترة الاخيرة ان اسرائيل لن تبقى في كل الاماكن التي تسيطر عليها في الضفة. (السؤال): إلى اين سينسحب، احاديا أو بالاتفاق؟
في المداولات التي سبقت فك الارتباط صادق شارون على أن يعرض على الاميركيين انسحاباً أعمق في الضفة، شمل اخلاء 17 مستوطنة مع نحو 7000 مقيم. الخارطة بلورها غيورا ايلاند، رئيس مجلس الامن القومي، تُقدِّم للفلسطينيين كتلة جغرافية في ظهر الجبل، من جنين حتى رام الله. من الممكن التقدير، انه تم الحديث عن إخلاء مستوطنات مثل شافي شومرون، الون موريه، برخاه ويتسهار، مدخل دوتان وحرماش.
في نهاية الأمر اكتفى الأميركيون بإخلاء أربع مستوطنات قرب جنين. المستوطنات الثلاث عشرة الأخرى بقيت في هذه الأثناء في مكانها. ايلاند رسم ايضا بديلا اكثر عمقا، مشابهاً لاقتراح الوزير ايهود اولمرت، إخلاء 90% من الضفة والانغلاق من خلف خط الجدار. شارون قرر في حينه عدم تقديمها للأميركيين.
وجود بدائل للإخلاء لا يضمن أن يختار شارون بينها. وهي فقط تشير إلى اتجاهات عمل محتملة في المستقبل. إخلاء 13 مستوطنة معزولة والبؤر الاستيطانية القريبة لها يتلاءم مع الخارطة التي وصفها رئيس الحكومة في "خطاب الميكروفون" الذي اراد القاءه في مركز الليكود: القدس، الكتل الاستيطانية الكبيرة، "مناطق أمنية" في غور الأردن تحت السيطرة الإسرائيلية، مع اغلب اليهود في المناطق سيبقون.
ارتباط أو انفصال
فك الارتباط أوجد سابقة سياسية هامة، ولكن أثار سؤالين آخرين: هل سيُسرِّع الانسحاب من غزة من انهيار السلطة وسيطرة فتح. وهل ستتمكن الضفة والقطاع من إيجاد صلة واتصال، أم سيتطوران ككيانين منفصلين. أحداث الأسابيع الأخيرة جسَّدت الصعوبات الكبيرة التي تعترض عباس في السيطرة على غزة، وأثارت شكوكاً في إمكانية نجاحه.
موظفون إسرائيليون رفيعو المستوى يقولون، انه لا يوجد مكان للحديث عن "انهيار السلطة". المجتمع الدولي، برئاسة ادارة بوش، متحد حول دعم عباس ولا يفكر بأي بديل. بعد أسبوعين سيُستقبل رئيس السلطة في البيت الابيض، وتمهيدا لتوجهه إلى الولايات المتحدة يبحثون في إسرائيل عن خطوات تعززه وتظهره جيدا في واشنطن. ولكن من الواضح أن فك الارتباط، الذي استهدف على ما يبدو تعزيز السلطة، اضعفها اكثر.
المشكلة التي تقلق إسرائيل هي السيطرة المحتملة لحماس على المنظومة السياسية والادارية للسلطة، بشكل أساسي في غزة. شارون خرج في حملة دولية ضد مشاركة حماس في الانتخابات في الضفة وهدد بإرباك إجرائها. الجيش الإسرائيلي اعتقل كثيرين من رجال الجناح السياسي لحماس في الضفة، الذين يمكن ان يكونوا مرشحين في الانتخابات. ولكن في مكاتب شارون وموفاز ينفون بقوة أي علاقة بين الاعتقالات والانتخابات. فيما تصر مصادر أخرى أن الأمر ليس صدفة.
هآرتس/ الوف بن/7/10/2005