ارشيف من : 2005-2008
نصر آخر كهذا على الانتفاضة ونضيع!

إعداد : علي حيدر
قبل البدء بقراءة هذا المقال، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات التي تساعد في تسليط الضوء على بعض الجوانب التي وردت فيه:
يتناول هذا المقال بشكل حصري مناقشة ادعاء رئيس الشاباك السابق آفي ديختر تحقيق النصر على المقاومة الفلسطينية، وهو ما كان سببا لاختياره من أجل نقله إلى اللغة العربية، وخاصة ان كاتبه له وزنه وحضوره وارتباطاته الأمنية والسياسية في كيان العدو.
يستدل الكاتب ـ حسب رأيه ـ على هزالة ادعاء "ديختر" انطلاقاً من حقيقتين: الأولى أن هذه الحرب جلبت خسائر فادحة إلى الجبهة الداخلية، وهو ما لم يحصل في كل حروب "إسرائيل" السابقة. والثانية ان المقاومة ما زالت مستمرة، بدليل العمليات الأخيرة في الضفة الغربية وداخل فلسطين المحتلة عام 1948.
في هذا السياق يُذكر انه حصل سجال في مرحلة سابقة بين كل من ديختر ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون زئيفي "فركش"، حول إمكانية إلحاق الهزيمة بـ"الإرهاب"، وكان الاول من انصار الرأي المؤكِّد لإمكانية تحقيق ذلك، في حين عارضه "فركش".
الملاحظة الاساسية التي أوردها العديد من الخبراء الأمنيين في كيان العدو حول تقديرات الشاباك بإمكانية تحقيق النصر على الإرهاب، هي انهم اعتبروا ان هذا التقدير يعود إلى طبيعة تفكير هذا الجهاز الذي ينظر إلى الامور من منظور كمي، بمعنى انه يحسب عدد المقاتلين الموجودين على لوائح التصفية وعدد الذين جرى "تحييدهم" من خلال التصفية أو الاعتقالات، مقارنةً مع الاعداد المتبقية منهم.
في حين ان المقياس الحقيقي في تحقيق النصر على أي مقاومة هو ردعها وإخمادها، وبالتالي ايقافها قبل أن تحقق أهدافها.
وهو ما ينطبق على كل المقاومات الشعبية التي واجهت الاحتلالات الاجنبية، والتي عادة ما يكون عدد شهدائها، سواء من صفوف المقاتلين أو من صفوف الشعب الذي تنتمي إليه، كبيراً جداً، بل أحياناً أكبر بكثير من خسائر المحتل، وخاصة عندما تكون الدولة المحتلة تمتلك من التكنولوجيا نظير ما يملكه كيان كـ"إسرائيل".
الخطأ الاساسي الذي وقع فيه ديختر والعديد ممن تبنوا رأيه، هو انه قد يصح اعتماد هذا المقياس اذا كانت المقاومة طارئة ومفروضة على الشعب، لأنه في هذه الحال يصبح عدد المقاتلين محصوراً، وبالتالي تنتهي المقاومة بالقضاء عليهم.. أما اذا كان الشعب يحتضن هذه المقاومة ويعتبرها خياره الوحيد للتحرير والدفاع، عندها سيتحول الشعب إلى رافد لهذه المقاومة بالمجاهدين والكوادر، وبالتالي كلما يسقط شهيد يبرز مجاهد أو مجاهدون آخرون يحلون مكانه، وهو ما حصل مع الشعب الفلسطيني. وفي هذه الحالة يصبح الخيار الوحيد للعدو ـ اذا توافر عنصر الصمود والإرادة لدى هذا الشعب على الاستمرار ـ من أجل القضاء على المقاومة، هو القضاء على الشعب نفسه!..
قبل خمسة أشهر، عندما أنهى رئيس الشاباك السابق آفي ديختر ولايته، نال أكاليل مجد لا سابق لها في تاريخ حروب إسرائيل. فقد جرى الحديث عن نصر لم يسبق ان حصل مثله على الإرهاب الفلسطيني، وعن ضربة تلقاها العدو لن يتمكن بعدها من النهوض من جديد، وعن مسار عسكري سيُدرَّس في المدارس العسكرية في أنحاء العالم..
هذا الثناء لا يتساوق مع معطى واحد: ففي المواجهة الحالية مع الفلسطينيين فقدت إسرائيل اكثر من ألف شخص أغلبهم من المدنيين، وهو ما يمثل الرقم الاعلى، سواء بالنسبة الى خسائرها في الماضي أو بالنسبة الى خسائر العدو. لم يحدث امر خطير مثل هذا منذ حرب الاستقلال (1948). أضف إلى ذلك أنه لم يُقتل في أي من حروب إسرائيل مدنيون بهذا العدد الكبير في الجبهة الخلفية في حرب الاستنزاف التي استمرت حوالى سنة ونصف السنة (على الحدود المصرية والسورية والأردنية، سقط 738 اسرائيلياً).
إذا كان هذا يُسمى نصرا، فهو يُذكِّر بالجملة المشهورة التي خلَّفها بيروس ملك أبيروس: "نصر آخر كهذا ونضيع"!
منذ انسحاب اسرائيل من قطاع غزة يدّعي الفلسطينيون ـ وبشكل اساسي حماس ـ ان عملياتها العسكرية هي التي أدَّت إلى فك الارتباط، وأنه من دون هذه العمليات لم تكن إسرائيل لتنسحب. في حين ان الموقف الذي يمثله ديختر يرفض هذا الادعاء.
من الواضح ان قرار الانسحاب من قطاع غزة وشمال السامرة كان له أسباب مختلفة، ولكن لا يوجد شك في ان الإرهاب الفلسطيني أدى دورا مركزيا فيه: من مفاقمة الوضع الاقتصادي حتى التغيير الجارف في الرأي العام الاسرائيلي، بما في ذلك دعمه (الرأي العام) المكثف لمبادرة جنيف من دون ان يعرف حتى تفاصيلها.
ديختر مخطئ ومُضلِّل، الشاباك في ظل قيادة ديختر طرح الرأي الذي طرحه الجيش الإسرائيلي بعد حرب الأيام الستة. وإذا كانوا في الجيش الإسرائيلي اعتقدوا ان احتلال الارض هو الرد على كل شيء، فإن الشاباك آمن بأن الإحباط المركز هو الهدف في المواجهة مع الفلسطينيين. التحليل الذي سبق اعلان النصر كان مُبسطاً وسطحياً.. في الواقع كان لجهاز الامن العام ـ الشاباك ـ الذي دمج قواته مع الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو، انجازات عسكرية واستخبارية في "الإحباط المركز". كان للشاباك إنجازات أخرى أيضاً، ولكن من غير الممكن النظر إليها على انها نصر استراتيجي على الإرهاب.
ايضاً في حرب يوم الغفران كان للجيش الإسرائيلي انجازات عمليّاتية، مثل عبور قناة السويس وتطويق الجيش المصري الثالث، ولكن من غير الممكن الادعاء انه بسبب ذلك انتهت حرب يوم الغفران بنصر إسرائيلي قاطع.. مع وقف النار في نهاية حرب يوم الغفران انتهت الحرب على الجبهتين. في مقابل ذلك النصر الذي أعلن عنه ديختر هو أبعد من ان ينهي حرب الإرهاب على إسرائيل، وبالتالي فالتفسير الذي سارع لوصف إنجازاته به يبدو انه مبالغ به.
حرب الإرهاب متواصلة، كما اتضح هذا الاسبوع في العمليات على مفترق غوش عتسيون وقرب عاليه. ومع كل النجاحات في عمليات الإحباط المركز، فإن تمسّك فلسطينيين كُثر بقتل إسرائيليين لم يَضعُف، برغم خسائرهم الكبيرة. ولو كان ديختر رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش أو وزيراً للدفاع وينفذ خططه، لكان عليه ان يجند كل احتياط الجيش الإسرائيلي شهورا طويلة. وهكذا آرييل شارون اضطر ايضا لكبح اقتراحات عمليات احباط مُرَّكز كبيرة.
العمليات التي نُفذت هذا الاسبوع وقبل ذلك (قتل شاشون نوريال)، تعطي دليلا ملموسا على ان حرب الإرهاب متواصلة، ولا يبدو ان ذلك بداية انتفاضة ثالثة، ولكن من المحتمل انه يوجد هناك توجه لتوسيع عمليات اطلاق النار اليومية تقريبا على طرق الضفة تشارك فيها تقريبا كل المنظمات الفلسطينية، وربما ايضا بعض الاشخاص من أجهزة الأمن التابعة للسلطة التي تعمل وفقاً لرأيها الشخصي.
هآرتس/زئيف شيف/ 21/10/2005