ارشيف من : 2005-2008

عين على العدو: طروحات إسرائيلية للتسوية مع الفلسطينيين

عين على العدو: طروحات إسرائيلية للتسوية مع الفلسطينيين

جهاد حيدر‏

يسود الجمهور الإسرائيلي مجموعة من الرؤى والطروحات إزاء الصراع القائم مع الفلسطينيين وكيفية حله بما يحفظ وجود "إسرائيل" وأمنها، ويحقق تطلعاتها حيث نجد لكل من هذه الطروحات مؤيديها في صفوف الجمهور الإسرائيلي.‏

وبنظرة يمكن القول انه لا يوجد إجماع ليس فقط إزاء السياسة التي ينبغي على "إسرائيل" انتهاجها، وإنما أيضا فيما يتعلق بالأهداف المباشرة التي ينبغي السعي إليها. ويمكن تلخيص أبرز الطروحات المتداولة بخمسة: إجراء مفاوضات حول الوضع النهائي بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية. المحافظة على "كمال ارض إسرائيل"، اتفاقات مرحلية وادارة النزاع، تدخل دولي لإدارة النزاع وتسويته، وفك ارتباط أحادي.‏

لكل من هذه الطروحات منظروها واتباعها الذين يعملون لتحقيقها، ولكن الملاحظ أن جميع أصحاب هذه الطروحات يجمعون على مجموعة من المفاهيم منها ان "اسرائيل":‏

دولة يهودية، ديمقراطية، آمنة... الاعتقاد بحق اليهود بما يسمونه "أرض إسرائيل" حتى تلك التي يضطرون إلى الانسحاب منها. والجميع يريد تحقيق كل هذه التطلعات، ولكن بحكم الواقع هم مضطرون لتحقيق البعض منها على حساب البعض الآخر، وهنا تبدأ نقطة الاختلاف عبر التباين في تحديد سلّم الاولويات. فالبعض مثلا يريد ان يضيف "القوة العسكرية" كشرط ضروري للأمن، ويعارض فكرة تحقيق السلام الآن، بينما يقول آخرون ان السلام هو الشرط الضروري لتحقيق الأمن. أيضا فيما يتعلق بإدخال طرف ثالث بين الإسرائيليين والفلسطينيين يعتبر أمراً غير مقبول من قبل البعض، في حين يعتبره آخرون ضروري لتحقيق الأمن والسلام لـ"إسرائيل".‏

وفي هذا السياق وقع اختيارنا على ترجمة مقالين يتحدث أولهما عن أن الطريق الصحيح الذي ينبغي ان تسلكه "إسرائيل" هو المفاوضات مع الفلسطينيين حول قضايا الوضع النهائي، في حين يركز الطرح الآخر على ضرورة التوصل إلى اتفاقات مرحلية باعتبار ان الظروف غير ناضجة لتحقيق اتفاق دائم واعتماد سياسة ادارة النزاع.‏

مفاوضات حول قضايا الوضع النهائي‏

يعتقد ديفيد كيمحي أن أهداف إسرائيل ينبغي أن تكون الأهداف التي سعى إليها طلائع الصهيونية، أي "دولة يهودية ديمقراطية تعيش بسلام مع جيرانها وتمكن سكانها من العيش الطبيعي وفقا للمعايير والقيم المقبولة في مجتمع ديمقراطي متنور". الطريقة الوحيدة للوصول إلى وضع كهذا، يدّعي كيمحي، هي "عن طريق مفاوضات مع الفلسطينيين حول اتفاق الوضع النهائي الذي يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للاستمرار على جزء من أراضي إسرائيل المسماة في العالم "المناطق المحتفظ بها".‏

فرضية عمله هي انه يوجد شريك فلسطيني يمكن إدارة مفاوضات سلام معه. "اتفاق جنيف" ربما ليس بالضبط المخطط الصحيح في كل تفاصيله، ولكنه يثبت ان الاتفاق ممكن. السلطة الفلسطينية بدعم مصر والجامعة العربية مستعدة وتتوقع المفاوضات، إلا أن الشروط التي حددتها إسرائيل للبدء بها لا تستطيع السلطة الفلسطينية من الناحية العملية تحمل المسؤولية إزاءها بدون مساعدة إسرائيل. ولو انتهجت إسرائيل خطوات بناء ثقة كما اقترحت الدول الأربع في "الرباعية" في خارطة الطريق والتي قبلت بها إسرائيل، عندما كان محمود عباس رئيسا للحكومة، كان يمكن دفع مجموعة من المواضيع إلى الامام من جانبه. انتخاب عباس لرئاسة السلطة الفلسطينية يوفر فرصة لتعديل الاخطاء السابقة.‏

صيغة "كيمحي" ان تعمل إسرائيل والفلسطينيين معا لتنفيذ خطوات بناء الثقة كما تبلورت في خارطة الطريق، وتحفّز الدول العربية والمجتمع الدولي، وبشكل خاص الولايات المتحدة، المسار وتدعمه. الفلسطينيون ينبغي أن ينتهجوا خطوات عملية لتفكيك المنظمات المسلحة وتنفيذ إصلاحات عملية في السلطة نفسها. كيمحي يؤمن انه يمكن القيام بذلك بشرط أن تتغير الأجواء.‏

بوسع إسرائيل إحداث التغيير عبر خطوات بناء الثقة هذه: تفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية، إلغاء الحواجز التي تقطع الطريق على حركة الفلسطينيين بين التجمعات السكانية، تحرير عدد كبير من الأسرى الأمنيين الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل، المصادقة على اعمال أخرى في إسرائيل، واعادة نشر قوات الأمن الإسرائيلية خارج المناطق التي تمت السيطرة عليها منذ بداية الانتفاضة في ايلول عام 2000.‏

المجتمع الدولي ينبغي ان يكون عاملاً مساعداً ناشطاً، وإنشاء جهاز متابعة دولي يتابع تنفيذ خارطة الطريق. كيمحي يدّعي، أن التفاهمات التي توصل إليها المتفاوضون في جنيف، الذين لم يكونوا في الواقع ممثلين رسميين ولكن شخصيات جدية واصحاب مكانة، أعطت اتجاها لتنفيذ المرحلة الثالثة لخارطة الطريق ـ مفاوضات رسمية بين الطرفين. بفضل تجربة اتفاق جنيف سيكون اسهل على الأطراف تنفيذ المراحل التمهيدية، عندما يكون لديهم صورة واضحة عن الأهداف النهائية تمهيدا للمفاوضات.‏

فك الارتباط الأحادي من الممكن أن ينجح فقط إذا تم، تقريبا، إلى الخط الأخضر الذي يمثل خط الحدود حتى 1967. إذا كانت حدود الفصل لا تصل إلى هذا الخط، ويتم جزء وراء الجزء، سيشكل فقط عاملاً مُحفِّزاً للفلسطينيين بانتهاج العنف من اجل السيطرة على مناطق أخرى. كيمحي يشرح ان سياسة رئيس الحكومة شارون هي التوصل إلى اتفاق مرحلي طويل المدى، التي ستعزز إسرائيل خلالها سيطرتها على أجزاء من الضفة الغربية التي تريد ضمها لاسرائيل. إذا كان هذا الامر يعارض إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للاستمرار، ينهي كيمحي، لن يكون من الممكن تلبية مطالب تنفيذ "دولة ثنائية القومية يكون فيها اليهود اقلية".‏

اتفاقات مرحلية وادارة النزاع‏

نقطة الانطلاق لعوزي اراد هي أن إجراء مفاوضات مباشرة وحتى الخطوات الأحادية لإسرائيل لا تتلاءم مع الحاجات في هذه الفترة. لا ترى حاجة لاعداد قيم أساسية أو أهداف عليا لإسرائيل في سلم الأولويات، لانه لا يوجد في هذه الفترة أي إمكانية للوصول إلى الوضع الذي تتنازل فيه إسرائيل عن إحداها وهي تمثل حاجة عملية. وفقا لرأيه ينبغي التركيز على طرق لادارة النزاع القائم إلى حين تغير الشروط وتبلور إمكانية ملائمة لادارة مفاوضات حول الوضع النهائي.‏

اراد يدّعي أن "مبادرة جنيف" هي خطأ مبدئي، وهي غير مقبولة من الناحية العملية. ويدحض ادعاء كيمحي بأن مبادرة جنيف أثبتت انه يوجد شريك فلسطيني للسلام، بتعليل ان الأطراف على ضوء الاتفاق لم يتحدثوا باسم القادة أو الشعوب.‏

إلى حين إجراء الفلسطينيين اصلاحات اساسية في المنظومة السياسية، والمالية، وقواتهم الأمنية، ليس بمقدورهم ادارة دولة أو ضمان السلام. وفيما يتعلق بتفاصيل اتفاق جنيف، يعتقد اراد ان المضامين المتعلقة بحل مشكلة اللاجئين يوجد فيها خطر ملموس ولا يوجد فيها ما يكفي "لوضع نهاية لكل المطالب".‏

اما فيما يتعلق بخطة مبادرة "فك الارتباط الاحادي من قطاع غزة" يدّعي اراد انها لم تكن احادية بشكل تام. حيث جرت حولها مفاوضات مع الاميركيين وايضا مع الاتحاد الاوروبي. أيضا مصر والاردن مشاركتان في مسارات تنفيذ فك الارتباط. ووفقا لذلك ليس فقط ان فك الارتباط ابعد من ان يكون أحادياً، فهو يُدخل أطرافاً أخرى إلى الوضع. هذه الصيغة تربك حل المشاكل التي تقف في طريق المفاوضات مباشرة.‏

الصيغة التي يقترحها اراد هي مسار تدرجي جديد، مرحلة بعد مرحلة، يعتمد على سابقة اوسلو ويشمل خارطة الطريق. وهنا ينبغي ان يكون هناك مسار مزدوج: سواء لتحريك خطوة وراء أخرى تمهيدا لمفاوضات حول حل المشاكل الأساسية، أو بخصوص تغيير "الكيمياء" فيما يتعلق بالأطراف.‏

الخطوة يمكن ان تكون مرحلة تمهيدية لتنفيذ المرحلة الأولى في خارطة الطريق. مراحل أخرى تُحدد في سياق المسار قبل أن يكون من الممكن إجراء مفاوضات حول الوضع النهائي. الفلسطينيون سيركزون على الاصلاحات وعلى اتفاقات بين الأطراف، بينما الإسرائيليون ينتهجون خطوات باتجاه تخفيض البؤر الاستيطانية المعزولة وتخفيض الحواجز من اجل تشجيع النشاطات الاقتصادية الفلسطينية.‏

اراد يأمل أن تؤثر في هذه الأثناء التغيرات على موقف الأطراف من النزاع، وكذلك الأمر حول طابع النزاع نفسه. كما أجرى اراد عملية تماثلية لمسار بطيء ومفتوح تطور فيه الاتحاد الاوروبي حيث اصبح يرى إمكانية تشكل وضع جديد، ما زال من غير الممكن توقع تفاصيله، حتى في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. وهو يفترض ان وضعا كهذا لن يتشكل في العقد القادم، وربما أيضا لن يبدأ على المدى الطويل جداً.‏

الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-28