ارشيف من : 2005-2008
مواقف أولمرت السياسية غطاء لبطشه الأمني

إعداد:جهاد حيدر
لعل من أهم العبر التي يمكن للمراقب والمتابع لمجريات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن يستخلصها، هو أن أحد عناصر الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة الشعب الفلسطيني، اعتماد "الاعتدال" السياسي غطاءً للمزيد من سفك الدماء، مع تأكيد نسبية مفهوم الاعتدال في القاموس السياسي الإسرائيلي الذي تُقاس به درجة الاعتدال نسبة إلى مواقف اليمين المتطرف ليس إلا.
فالزعيم الإسرائيلي الذي يتخذ مواقف سياسية أقل تشددا من المواقف اليمينية، يبدو كمن يخطو باتجاه صيغة وسطية مع الفلسطينيين من دون أي أخذ بعين الاعتبار لموقع هذه الصيغة من حقوق الشعب الفلسطيني وضروراته الحياتية ومقومات بناء دولته الموعود بها، ويُسوَّق له على انه صانع السلام.
وامتداداً لذلك تبقى حقوق الشعب الفلسطيني وحياته رهينة التنافس والصراعات السياسية الداخلية، حيث نجد أن ايهود أولمرت الذي قامت الدنيا عليه في "إسرائيل" عندما تحدث عن انسحابات أحادية مقبلة في الضفة الغربية، أعلن الأسبوع الماضي أن مستوطنة أريئيل ومحيطها هي جزء لا يتجزأ من "دولة إسرائيل"، وحاول بذلك أن يلتف على حزب الليكود من جهة اليمين.
وأكمل أولمرت الدائرة للظهور بمظهر المتشدد، عبر اقتحامه سجن أريحا واقتياد أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات واللواء في حركة فتح فؤاد الشوبكي (المتهم بتنظيم سفينة السلاح التي كانت تنقل سلاحا إلى المناطق الفلسطينية عام 2002، "كارين ـ إيه") ورفاقهما إلى السجون الإسرائيلية.
الخطوات التي أقدم عليها أولمرت تمثل تجسيدا كاملا لنهج سلفه آرييل شارون الذي كان يتحدث عن تنازلات مؤلمة، وأقدم ـ بفعل المقاومة ـ على إخلاء قطاع غزة، لكنه عمل على تثميره في أقصى ما يمكن، عبر تثبيت وتكريس الاستيطان في الضفة الغربية، وارتكاب مجازر لا تُحصى بحق الشعب الفلسطيني.
ولعله ليس من المبالغة التوصيف بأن حادثة اقتحام سجن أريحا من قبل الجيش الإسرائيلي ستشكل محطة ومنعطفا أساسيا في حركة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لما تنطوي عليه من أبعاد ونتائج ستؤثر في خيارات الشعب الفلسطيني ورؤيته إلى كل ما يمكن ان يُطرح مستقبلا من ضمانات ووساطات دولية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وهكذا يجد الشعب الفلسطيني نفسه أكثر فأكثر أمام قدر المقاومة، وليس أمام مجموعة خيارات تشكل المقاومة أحدها. وستُثبت الأيام أن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في تغطية جرائم واعتداءات الجيش الإسرائيلي لن تؤدي إلا إلى المزيد من تعقيد مسيرة التسوية السياسية في المنطقة، كما لن تؤدي إلا لتوسيع دائرة تبني خيار المقاومة في صفوف الشعب الفلسطيني، خاصة بعدما حُشر لإجباره على التنازل عن الحد الأدنى من حقوقه.
مواقف أولمرت السياسية غطاء لبطشه الأمني
نهاية التدخل الأجنبي في المناطق الفلسطينية
هآرتس/ ألوف بن/15/3/2006
شكلت مغادرة الحراس البريطانيين والاميركيين الذين حرسوا المطلوبين الفلسطينيين الستة الكبار في سجن أريحا، سابقة ذات أهمية متعددة الجوانب. وأظهرت من ناحية المجتمع الدولي أن صعود حماس إلى الحكم في السلطة الفلسطينية أوجد وضعا سياسيا جديدا، يبرر إلغاءً أحادي الجانب للاتفاقات، وهذا هو مغزى إعلان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو حول إخلاء المراقبين خوفا على أمنهم.
لا شك في أن هذه الرسالة جرى استيعابها جيدا في القدس، السياسة التي رفع رايتها رئيس الحكومة بالوكالة ايهود أولمرت وقادة الأجهزة الأمنية، تتضمن مسارات إسرائيلية أحادية الجانب تجاه الفلسطينيين بدعم دولي. أحداث الأمس في أريحا تأتي في هذا الاتجاه.. بريطانيا والولايات المتحدة ألغتا الاتفاق ومنحتا إسرائيل تحذيرا مسبقا، ما سمح لها بالتحضير العملياتي لاعتقال المطلوبين عبر عملية إسرائيلية.
هذه السابقة تُذكِّر بالتأكيد، كما ترغب إسرائيل وفي السياق نفسه، بإلغاء الاتفاقات الاقتصادية وغيرها مع السلطة الفلسطينية، وتسريع الانفصال وتفكيك رزمة التعاون من أيام أوسلو.. التعليل الذي أعطاه البريطانيون لإلغاء هذا الاتفاق كان أن الفلسطينيين خرقوه بمنهجية، كما انه غير موجود مطلقا في الواقع. ولن يكون من الصعوبة إيجاد خروق كهذه في أي اتفاق تسوية أو تفاهم بين السلطة وإسرائيل.
"اتفاق أريحا" فُرض على رئيس الحكومة آرييل شارون في نهاية عملية السور الواقي قبل حوالى أربع سنوات.. وأقدم في حينه رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات على اعتقال المطلوبين تحت ضغط إسرائيلي في بداية عام 2002 واحتجزهم في المقاطعة في رام الله. إسرائيل هددت باقتحام المكان بهدف اعتقالهم، وبسبب الخشية من المساس بعرفات الذي كان في المكان، تدخل الأميركيون وفرضوا تسوية بنقل المعتقلين الستة إلى معتقل فلسطيني في أريحا تحت إشراف حراس بريطانيين.
شارون تردد في قبول الاقتراح، وفي حينه دعا رئيس طاقم السجانين لعقد لقاء معه، وهو بريطاني خدم في ايرلندا الشمالية.. وتعهد السجان لشارون بأنهم سيمكثون عنده في سجن وليس في منتجع. ومنذ ذلك الوقت سرى مفعول الاتفاق، على الرغم من ان الفلسطينيين لم يفرضوا ظروفا مشددة في السجن.
مصادر سياسية رفيعة المستوى قدرت ان انهيار "اتفاق أريحا" يشير إلى نهاية التدخل الأجنبي بين إسرائيل والفلسطينيين.. الحكومات الغربية لا تريد ان تضع رجالها تحت سلطة حماس. المراقبون الأوروبيون في معبر رفح، الذين فروا خوفا من غضب الجماهير الفلسطينية، من الممكن ان يكونوا هم المنسحبين التالين. أيضا الجنرال "كيت دييتون" المنسق الأمني الاميركي سينهي بالتأكيد مهامه عندما تبدأ حكومة حماس مهامها.. إذ من الصعب ان نرى الولايات المتحدة تدرب القوات الأمنية الخاضعة لإمرة إسماعيل هنية.
في المدى المنظور هذه الانطواءات تمنح إسرائيل حرية عمل واسعة جدا.. فإذا كانت بريطانيا العظمى قد ألغت الاتفاقات مع الفلسطينيين، كيف يمكن عندها انتقاد أولمرت! لكن المشكلة ستكون انه في ظل غياب تدخل أجنبي، سيكون من الصعوبة إيجاد حلول للأوضاع المعقدة مثل معبر رفح، حيث من المنتظر ان تُثار أوضاع كهذه.
شارون قدم التعهدات وأولمرت نفذها
هآرتس/ يوسي فيرتر/15/3/2006
أحد التعابير المحببة لدى "منتدى المزرعة" (طاقم مستشاري شارون الذي كان يجتمع في مزرعته)، كان: "إعادة المناطق وقتل العرب". ففي عام 2000 عندما أعاد هؤلاء بلورة وتحديد صورة شارون، حُدِّدت القاعدة: الجمهور يحب القادة الذين يُظهرون اعتدالا سياسيا وصلابة أمنية، الذين يعيدون مناطق ويقتلون العرب. هكذا تصرف شارون في السنوات الخمس التي قضاها في الحكم، وهكذا يتصرف خليفته ايهود أولمرت.
في خطته السياسية أعاد أولمرت في نهاية الأسبوع الماضي مناطق وأكثر.. بالأمس أكمل أولمرت المعادلة عندما أرسل الجيش الإسرائيلي والجرافات لتدمير أسوار سجن أريحا، والتهديد باعتقال أو قتل قتلة الوزير رحبعام زئيفي ورجال سفينة السلاح "كارين إي".
أولمرت لم يبحث عن هذه العملية، لم يبادر إليها، ولو كان الأمر مرتبطا به لتنازل عنها. الخطر فيها كبير جدا.. لكن من اللحظة التي فُرضت عليه بعد ترك السجانين الأجانب، كان عليه أن يعمل.. فلو أن قتلة زئيفي فروا وأجروا مقابلات ساخرين مع القنوات التلفازية الإسرائيلية، لتعرض أولمرت وحزبه "كديما" لأضرار قاسية. وكان أولمرت سيبدو مدعوسا ضعيفا، كمن يعيد مناطق فقط، فضلا عن أنهم في اليمين واليسار كانوا سيحتفلون بذلك.
العمل والليكود اضطروا بالأمس إلى تهنئة، بشفتين مضمومتين، "قوات الأمن" على عمليتهم. ولو أن العملية تعقدت أو أن السجناء فروا، لما كان الانتقاد من اليمين واليسار تركز على الجيش، وإنما على "أولمرت اليساري".
استراتيجيو كديما لم يكن بإمكانهم تمني أحداث أكثر نجاحا مما حصل، قبل أربع وعشرين ساعة من بدء استطلاع الآراء لمصلحة صحف نهاية الأسبوع. وخاصة ان استطلاعات هذا الأسبوع حاسمة: إذا توقف تراجع مكانة كديما في الاستطلاعات على معدل وسطي 37 ـ 38 عضواً قبل أقل من أسبوعين من موعد الانتخابات، فالشعور العام سيكون عندها أن التنافس الانتخابي حُسم.
ولو أن الأمر كان متعلقا فقط بالمستشارين، لكانوا أعطوه الضوء الأخضر للعمل في أريحا خلال الأسبوع القادم. بالأمس صباحا أولمرت جال في مدينة أريئيل في الضفة الغربية، وأعلن أن المدينة ستبقى ضمن السيادة الإسرائيلية. وهدف بذلك الى غمز اليمين بعد صدمة المقابلات في نهاية الأسبوع الماضي. ولكن الجولة في أريئيل غطت عليها صور السجناء الفلسطينيين يسيرون في طريقهم إلى المعتقل الإسرائيلي.
شارون تعهد.. وأولمرت نفذ.. والآن علينا ان نرى إن كان كديما لن يضبط نفسه ويدمج صور عملية أريحا في حملته الدعائية التلفازية.
الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006