ارشيف من : 2005-2008

تأثير العامل الاقتصادي في الانتخابات الإسرائيلية للكنيست السابع عشر

تأثير العامل الاقتصادي في الانتخابات الإسرائيلية للكنيست السابع عشر

إعداد : جهاد حيدر‏

كما في كل محطة انتخابية سابقة، فقد انطوت العملية الانتخابية الإسرائيلية الأخيرة على العديد من الأبعاد والدلالات السياسية والاجتماعية... ليس الكشف عن توجهات الرأي العام الإسرائيلي واهتماماته والطابع الذي يتسم به الحراك السياسي ـ الاجتماعي سوى جانب منها.‏

كما يُلاحظ أن البعد السياسي والأمني شكل العنوان الأبرز للعديد من هذه المحطات الانتخابية، ومحور التجاذب الرئيسي بين الأطراف، أضف إلى كونه العامل المُرجّح في حسم التنافس الذي سادها.‏

إلا أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة (28/3/2006) أظهرت انه كان للعامل الاقتصادي الاجتماعي دور رئيسي أيضا (بغض النظر عن حجمه بالقياس إلى العوامل الأخرى) في بلورة الخارطة الحزبية الجديدة التي تمخضت عنها هذه الانتخابات.‏

بالاستناد إلى هذا الواقع تم اختيار مقالة المعلق في صحيفة هآرتس "دانيال بن سيمون" كونها تسلط الأضواء على جانب من العوامل المؤثرة (وتحديدا العامل الاقتصادي) في تحديد النتائج وبلورة موازين القوى في الكنيست الجديد، كجزء من رصد ومتابعة الحراك السياسي الإسرائيلي الداخلي باعتبار أن الخلاصات والتصورات الأساسية التي يتم الخروج بها ستُشكل معطى وخلفية في أي عملية استشراف لمآلات العملية السياسية الإسرائيلية بوجهها الداخلي الذي لا ينفك في تفاعلاته عن المسار السياسي الإقليمي.‏

قبل شهر على منافسته رئيس الحكومة أريئيل شارون خلال انتخابات عام 2003، وقف الرئيس الأسبق لحزب العمل "عميرام متسناع" أمام طلاب المرحلة المتوسطة في تل أبيب. مئات الطلاب انتظروا مرشح العمل لرئاسة الحكومة، وهم جالسون على مدرجات قاعة الرياضة. وكواعظ تحدث متسناع وهو يسوِّق قناعته، تقريبا بدون نقاط وبدون توقف. خلال ساعة طويلة شرح متسناع بالتفصيل أخطاء المجتمع الإسرائيلي، وحذَّر انه ليس بعيدا اليوم الذي سندفع فيه الثمن على الفجوات الاجتماعية، التعليم، الفقر والتمييز ضد العرب والمهاجرين الجدد.‏

الطلاب لم يُظهروا اهتماماً خاصاً سواء بما يتعلق بالمحاضرة أو الكلام الذي قيل فيها. الرجل جاء ليطلب ثقتهم من أجل قيادة الدولة، ولكنهم اظهروا لا مبالاة مُهينة تقريبا. وفي ظل الغم الكبير الذي كان سائدا، وقف أحد الطلاب على قدميه ووجه سؤالا أمنياً إلى المرشح.‏

وبشكل مفاجئ آنذاك برز في الجمهور نوع من النشاط. ورد متسناع على نغمة السائل بالقول "ليس صحيحا ما تقوله، أنا لست ضعيفا تجاه الفلسطينيين. كنت ضابطاً برتبة في الجيش وأنا اعرف ماذا يعني القتل. إذا عربد الفلسطينيون سأهشِّم صورتهم".‏

الطلاب خرجوا عن طورهم من شدة الحماسة. وفي النهاية نجح الطلاب في إخراج الرجل الظريف عن هدوئه وحصلوا على الحماسة التي أرادوها. وفقط عندما قال أمامهم انه كان جنرالا، ارتفعت قيمته بنظرهم. وهم احبوا كلمة "التهشيم" وصفقوا له تصفيقا عاصفا.‏

بعد هذه الحادثة انضممتُ إليه في سيارته. وكان متسناع حينها مذهولا ووجد صعوبة في إخفاء خيبته. أي موضوع اجتماعي أو اقتصادي أو تعليمي أو قيمي أو أخلاقي، لم يثر اهتمام الطلاب. وأضاف (متسناع) "يوجد مشكلة كبيرة، الناس لا تريد أن تسمع عن مشاكل المجتمع الإسرائيلي وهذا غريب جداً".‏

في تلك الانتخابات (2003) حقق اريئيل شارون، المرشح الأمني، إنجازاً كبيراً إذ حصل حزبه (الليكود) على 38 مقعدا، ونال حزب العمل برئاسة متسناع 19 مقعدا.‏

حاول متسناع أن يحل اللغز بالقول "لقد سبقتُ زمني"، "لم يكن ممكنا التحدث عن التعليم، البطالة في الفترة التي كنت فيها مرشحا. لم يرد الناس حينها أن يسمعوا لي، الآن كل شيء تغير".‏

انهيار‏

خبو الانتفاضة سرَّع من الانقلاب الذي حصل في سلّم أولويات الإسرائيليين. نمط الحياة تحوَّل إلى الشغل الشاغل للناخبين. لا مزيد من الأمن، لا مزيد من كيف نضرب الفلسطينيين، لا مزيد من المستوطنات ولا مزيد من المستوطنين. في كل مكان تشعر أن هناك جواً من حالة الطوارئ. إلا أنها هذه المرة حملت طابعاً اجتماعياً وليس أمنياً.‏

الفقراء الإسرائيليون احتلوا العناوين. صحافيون ومعلقون وخبراء في الرأي العام اضطروا للتخلي عن انهماكهم في المجال الامني والعسكريتاري واكتشفوا مجتمعاً إسرائيلياً جريحاً، مرهوناً، فقيرا، ممزقا، مهملاً. اربع سنوات من عدم الاهتمام من قبل قيادييه حوَّله إلى مجتمع مريض، تقريبا. وبُني وسط تل ابيب ناطحات سحاب لافتة للأنظار...‏

حالة الغنى المدهشة لاسرائيليين كُثُر، كشفت عن فجوات اقتصادية لا تُحتمل. حتى ان مؤسسات مالية في العالم طالبت بعمليات التنكيل التي تمارسها إسرائيل بفقرائها، ضعفائها، مساكينها وعجائزها. أيضا البنك الإسرائيلي بدأ ينشر توقعات مُقلقة عن الوضع اليائس للطبقات الضعيفة.‏

تم سحب كل الأحزاب والمرشحين إلى داخل جدول الأعمال الجديد. أريئيل شارون بدأ فجأة يُظهر اهتماما بالفقراء. وهكذا أيضا ايهود اولمرت، المؤيد للاقتصاد الحر، سار في أعقابه. السياسيون توجهوا للنوم واكتشفوا عند الصباح إسرائيل أخرى ماثلة أمام أعينهم. المسؤولون الرئيسيون عن الوضع يبحثون عن الأطباء. كان واضحا أن اعتبارات الناخبين تقلق راحتهم. وليس الحياة المتداعية لمئات آلاف المساكين ولا المستقبل المُكدِّر لأطفالهم.‏

انتقام‏

أيضا قبل أن يدخل إلى المعركة الكبرى، عرف عمير بيرتس إلى أي حد انحدرت حياة إسرائيليين كثر، ففي السنوات الثلاث الأخيرة حدثت عملية اغتيال اقتصادية لمتلقي المخصصات...‏

حكومة إسرائيل برئاسة شارون، وبمبادرة وزير المالية بنيامين نتنياهو وبرعاية وزراء حزب العمل وعلى رأسهم شمعون بيريس، قادت مسارات اقتصادية قرَّبت إسرائيل إلى مجتمع اميركا الجنوبية. وتقريبا كل وزراء الحكومة كانوا شركاء في عملية الاغتيال (الاقتصادية) التي نفذها نتنياهو، ولكن الجميع ألقوا عليه المسؤولية كما لو أن الحكومة هي حكومة فرد، وكما لو ان اقتراحاته بتصفية دولة الرفاه اتُخذت من قبله فقط.‏

دفع نتنياهو الثمن ودفع حزبه الثمن، ليس على تعصبه الايديولوجي، بقدر ما هو على إهماله الاقتصادي.‏

انتخابات عام 2006 شكلت استفتاء شعبياً اقتصادياً تمت خلاله معاقبة المسؤولين الرئيسيين على المأساة التي حدثت هنا في السنوات الأخيرة. ففي الاشهر الثلاثة الأخيرة سُمعت آلاف الاصوات التي كان لها صوت واحد مشترك: انتقام! الناخبون أرادوا الانتقام على إذلالهم. الآخرون عاقبوا الدولة بامتناعهم عن التصويت.‏

في اغلب الحالات كان التصويت اجتماعيا. لم يبقَ في الآفاق شيء تقريباً. لا أماكن للعمل ولا مستقبل للجيل الشاب. وايضا في بئر السبع، مدينة ليكود إضافية تخلى فيها الأعضاء عن حزبهم بغضب بسبب الاقتصاد. أحد الأعضاء بكى عندما روى عن اللقاء الأسبوعي لأعضاء الحزب لجمع الطعام من أجل توزيعه على المحتاجين. ويروي يوسي غيلر "في حياتي لم أرى إذلالا إنسانيا كهذا". وكذلك الأمر نفسه في عكا وأم الفحم وفي سيغف شالوم وكريات ملاخي ومجدل عمق والناصرة وبيت شان وفي الكيبوتسات والموشافيم. كلهم تحدثوا فقط عن أنفسهم وعن الانخفاض في مستوى حياتهم، وكلهم غرقوا في البحث اليائس عن الدواء.‏

وروى ضابط شرطة قبل ثلاثة اشهر انه نظر بشفقة للآلاف الذين حمل كثير منهم اكياس الطعام.‏

المكافأة‏

هذه الانتخابات حملت رياح ثورة في الأجواء. ففي اللحظة التي انقلبت فيها الوقائع وقفز جدول الأعمال الانساني إلى الأعلى، كان واضحا ان كل شيء ممكن. كل شيء مفتوح. ولكن الانقلاب لم يُستكمل. الناخبون عاقبوا بكامل قوتهم المسؤولين عن الأضرار الاجتماعية، ولكنهم لم يكافئوا بما فيه الكفاية المكافحين الاجتماعيين. نتنياهو تلقى عقابه، ولكن عمير بيرتس لم ينل حصته. ففي حين احتل حزبه المرتبة الأولى في اماكن كثيرة في البلاد، وبشكل خاص في مدن التطوير الا انه في مستوطنات قديمة، وبشكل خاص في الموشافيم والكيبوتسات احتل المرتبة الثانية واحيانا الثالثة.‏

في حالات كثيرة صوَّت القدماء ضد مصالحهم الطبقية، بسبب هوية مرشح حزب العمل لرئاسة الحكومة. المستفيدون الأوائل كانوا المتقاعدين (نال 7 مقاعد)... ففي أي دولة طبيعية لا يوكل الناخبون مستقبلهم ومستقبل أولادهم إلى متقاعدين. هذا يمثل شذوذ انتخابات عام 2006، التي عكست إلى أي حد يتوق الناخبون إلى الشفقة والليونة.‏

هآرتس/ دانيال بن سيمون/31/3/2006‏

الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1157 ـ 7 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-28