ارشيف من : 2005-2008

المقاومة كخيار حضاري

المقاومة كخيار حضاري

الانتقاد/ قضايا واتجاهات ـ العدد 1132 ـ 21 تشرين الاول/ اكتوبر 2005‏

لقد أضحت المقاومة في فضائها الحضاري وعلى مستوى مواجهة التفتيت الصهيوني، واستنهاض طاقات الأمة معلماً ثقافياً رائداً، أثبت حضور الأمة والوطن بين الأوطان والأمم.‏

إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن المشروع التلمودي الصهيوني يستهدف العرب والمسلمين جميعاً في حاضرهم ومستقبلهم، في وجودهم، ومشروعهم الحضاري الانساني الذي ينشدون تحقيقه. أي أنه يستهدفهم بوصفهم هوية وحقيقة تاريخية حية، ووجوداً استراتيجياً.‏

ونظراً للطبيعة العدوانية والعنصرية التي يتصف بها المشروع الصهيوني، والتي تجعله يقف على طرفي نقيض مع أي مشروع نهضوي عربي واسلامي، فإن أصحاب هذا المشروع الصهيوني يسعون باستمرار الى منع تحقيق أي تقدم علمي وتكنولوجي قد يساعد المسلمين على امتلاك بعض وسائل القوة المدنية والعسكرية المتقدمة لتوظيفها في صراعهم الحضاري ضده، بالاضافة الى انهم يمنعون حدوث أي تقارب عربي أو اسلامي قد يؤدي الى ابداع هذه القوة، أو على الأقل الى تقارب الأهداف والرؤى والمشاريع، باعتبار أن ذلك قد يكون بداية توجه نحو حيازة قوة ما قد توظف على طريق المواجهة والتحرير.‏

لقد أقامت الحركة الصهيونية "دولة اسرائيل" بمساعدة غربية، وجعلتها قاعدة عسكرية، ونموذجاً متقدماً وممتداً لها في المنطقة. وهي فرضت نفسها على واقع المنطقة بالقوة والتسلط وتدمير البشر والحجر، وتوسعت بالحروب وإثارة الفتن، وهددت أي نشاط وحدوي تحرري، أو أي مشروع استنهاضي في المنطقة كلها، بحجة أنه يشكل خطراً وتهديداً دائماً لأمن اسرائيل، والمصالح الغربية المرتبطة معها.‏

وكان من بين الأسباب التي جعلت الغرب يعمل على خلق اسرائيل، والاستمرار بدعمها من دون تحفظ، أنها تمثل ـ كما سابقاً ـ قاعدة عسكرية وأمنية ضد الوحدة، والتحرر العربي والاسلامي. من هنا كان اي مشروع للنهوض والتقدم في نظر الغرب ـ كما في نظر اسرائيل ـ يشكل تهديداً عملياً لمصالحه وهيمنته على ثروات المنطقة، وتحكمه بكل طاقاتها ومواردها البشرية والطبيعية الهائلة، وفي طليعتها النفط. ولذلك أصبح من الضروري ان تعمل اسرائيل والدول الغربية الداعمة لها (وبخاصة اميركا) على ابقاء المجتمعات العربية والاسلامية في حالة التخلف والضعف والانكماش، والانقسام على نفسها، والانشغال بخلافاتها وتعقيداتها هنا وهناك.‏

واذا كان التاريخ يقدم لنا نماذج كثيرة لأمثال هذه المشاريع العدوانية التي مرت على هذه الأمة منذ بدايات التاريخ القديم ـ حيث استطاع أبناء الأمة مقاومتها، ورد عدوانيتها من خلال امتلاكهم للوعي السليم، والارادة الصابرة، والقوة المنتجة والمنفذة ـ فإننا مطالبون اليوم جميعاً ـ في مواجهة ذلك كله ـ ان نمتلك القوة المعرفية والعلمية لرد كيد قوة العدو. حيث ان امتلاكها (هذه القوة) يتطلب من الأمة نهضة شاملة، ووعياً علمياً بالعدو ومشروعه. وارادة مصممة على بلوغ الهدف، وتحقيق المنال الكبير.‏

وهذا هو جوهر صراعنا الوجودي مع المشروع الاستعماري الصهيوني. انه جوهر بناء الارادة الواعية على أرضية الايمان والعلم والعمل كبداية مطلوبة لبناء مستقبل الأمة التي أثبتت ـ من خلال عظمة مبادئها وقيمها وتضحيات أبنائها ـ أنها أمة حية، ولا يمكن أن توقفها عن مسيرتها الحضارية المتصاعدة كل التحديات والعهود الخاصة والعامة.‏

نبيل صالح‏

2006-10-28