ارشيف من : 2005-2008

هل ستبقى روسيا مجرد هدف افتراضي للمناورات الأميركية؟

هل ستبقى روسيا مجرد هدف افتراضي للمناورات الأميركية؟

الانتقاد/ قضايا واتجاهات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005‏

مناورات عسكرية أميركية انتهت في العاشر من الشهر الجاري (الخميس 10/11/2005). سيناريو المناورات يقوم على فكرة أن روسيا هي العدو الذي لا بد من إسكاته. أما لماذا وكيف سيتم إسكات هذا الخصم الافتراضي، على الأقل أثناء المناورات الحالية، فسيناريو المناورات يكشف كل شيء، ويشير إلى أن روسيا ستشعر بالغضب عندما تفقد نفوذها نهائياً في أوكرانيا، وسيأتي إلى السلطة خلفاً لبوتين شخصيات وصفها واضعو السيناريو بـ"الحرس القديم" في إشارة على ما يبدو إلى قوى سياسية قومية تكون أكثر حزماً في رد فعلها على السياسات الأميركية، ونتيجة توسع الناتو نحو الشرق ونشر قواته على مشارف الحدود الروسية يقرر الحرس القديم ـ حسب السيناريو ـ توجيه ضربة نووية عبر أقصى شرق روسيا ومنطقة آلاسكا ضد الولايات المتحدة، هنا تبدأ المهمة التي يجب على القوات الأميركية المنتشرة في آلاسكا تنفيذها، وهي أن يتم صد الهجمات الصاروخية ومن ثم تدمير السلاح النووي الروسي، وفي النهاية تحقق واشنطن نصراً على روسيا. والأمر ما زال مجرد مناورات تُقر تفاصيلها بأن سياسة واشنطن هي التي تدفع الآخرين إلى شن عدوان ضدها.‏

يرى البعض من المهتمين بتطور العلاقات الروسية ـ الأميركية أن هذه المناورات تعكس واقع العلاقات بين دولتين ما زالت الأولى منهما ـ روسيا ـ الوحيدة في العالم القادرة على توجيه ضربة نووية ضد الولايات المتحدة، بينما تسعى الأخيرة إلى تأمين نفسها ببناء الدرع الصاروخية لإزاحة تأثير القوة النووية الروسية الرادعة من درب السياسات الأميركية الهادفة إلى فرض السيطرة على العالم مع فرض كل ما يترتب على هذه السيطرة من إملاءات تلغي حرية الشعوب والأفراد أحياناً.‏

في تقويم سريع لطبيعة العلاقات الروسية ـ الأميركية خلال السنوات الأخيرة يمكن القول ان الشراكة الاستراتيجية بينهما ليست أكثر من غطاء تجميلي لحقيقة ما يدور بينهما من تنافس في أكثر من مجال وعلى أكثر من منطقة. ففي الشأن الروسي الداخلي عبّرت موسكو بلسان رئيسها بوتين عن رفضها لـ"الديموقراطية المستوردة"، ووصفتها بالتدخل غير المسموح به في الشؤون الداخلية. وعلى المستوى الإقليمي تكفي الإشارة إلى توسع حلف الناتو ونشر قوات له في مناطق النفوذ الروسي، والحلف ما زال مستمراً بتوسعه حيث أُعلن مؤخراً عن العمل على منح أوكرانيا حق العضوية فيه.‏

قبل ذلك كانت الولايات المتحدة قد نشرت قواعد صاروخية لها في جمهوريات البلطيق مزودة بأنظمة رادارية قادرة على رصد العمق الجغرافي الروسي، إضافة إلى طائرات الاستطلاع التي تعمل ليلاً نهاراً على مراقبة الأجواء الروسية والبيلاروسية. أما جورجيا التي انضمت إلى الركب الأميركي بعد "الثورة المخملية" بزعامة ساكاشفيلي، فإنها قدمت لواشنطن هدية حلمت بها طيلة سبعين عاماً، حين سمح لطائرات الأواكس التابعة لحلف الناتو بالتحليق فوق سلسلة جبال القوقاز التي شكلت عائقاً جغرافياً يحمي العمق الروسي جنوباً.‏

على الصعيد الدولي فإن المواجهة الأشد التي نشهدها حالياً بين الدولتين تدور في الشرق الأوسط، حيث تسعى واشنطن جاهدة لإخضاع حلفاء وأصدقاء موسكو لإرادتها، بينما تحاول القيادة الروسية تقديم الدعم الممكن لحماية هؤلاء الحلفاء. فالموقف الروسي من الملف النووي الإيراني موقف إيجابي بشكل عام، وتؤكد روسيا على حق إيران في امتلاك التقنية النووية لأغراض سلمية. أما سورية فإن موسكو قد رفضت كل الضغوط الأميركية والإسرائيلية عليها، وأبرمت صفقة تحصل دمشق بموجبها على صواريخ دفاعية أكد بوتين الحق في امتلاكها لحماية الذات.‏

أثناء زيارته لتل أبيب نهاية نيسان/ أبريل 2005، وفي رد على سؤال حول المخاوف من وصول هذه الصواريخ إلى أيدي "منظمات إرهابية"، حسب التعبير الإسرائيلي، ذكر بوتين بأن الشرق الأوسط يشتري سنوياً أسلحة بقيمة 9 مليارات دولار، وبأن حصة روسيا لا تزيد عن 500 مليون دولار، بينما تزيد حصة الولايات المتحدة عن 6.6 مليار، وتساءل: هل أنتم واثقون أن أي قطعة من أسلحة بقيمة 9 مليارات لن تقع بأيدي الإرهابيين؟‏

ويبدو واضحاً أن بوتين أراد الإشارة بين الأحرف إلى أن المخاوف يجب أن تكون موجهة نحو الطرف الذي يرسل كميات كبيرة من الأسلحة للمنطقة، أي الولايات المتحدة طبعاً.‏

ولما كان هذا الحوار في "إسرائيل" التي ستحصل هذا العام فقط (من بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2006) على معونات عسكرية أميركية بقيمة 2.8 مليار، فإن رسالة بوتين المبطنة أبعد بكثير من مجرد تذكير بأرقام.‏

إن كل ما سبق لا يتجاوز نظرة سريعة على العلاقات بين الدولتين، فالبحث في تفاصيل هذه العلاقات خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة فقط، مع محاولة لقراءة ما قد تؤول إليه الأوضاع بينهما، يحتاج بالتأكيد إلى أكثر من مجلد، لكن باختصار يمكن القول ان جوهر العلاقات الروسية ـ الأميركية تنافسي في كل المجالات، حتى أن سباق تسلح غير معلن يجري بينهما منذ إعلان بوش الابن انسحابه من اتفاقية عام 1972 للأنظمة الدفاعية الصاروخية، وإعلانه مشروع الدرع الصاروخية، وفي الرد تقوم روسيا بتصنيع صواريخ حديثة الأخير منها يحمل اسم (X-555)، أكدت التجارب التي أجريت عليه صيف العام الجاري نجاحه وتفوقه على أمثاله من الصواريخ الأميركية الاستراتيجية المجنحة.‏

على الرغم من هذا ما زالت كل من واشنطن وموسكو تؤكدان أن العلاقة بينهما هي علاقة شراكة استراتيجية. ويبدو أن عبارة (شراكة استراتيجية) هي تسمية جديدة لتنافس جديد تحتاج فيه الأطراف إلى هدنة لتعيد بناء ذاتها، وبعد ذلك...؟! هل ستبقى روسيا مجرد هدف افتراضي للمناورات الأميركية؟‏

طه عبد الواحد‏

2006-10-28