ارشيف من : 2005-2008
حرب مفتوحة على الأبدية

الانتقاد/ قضايا واتجاهات ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005
محمود حيدر (*)
يلخص الاستراتيجيون الغربيون التفكير الاستراتيجي الاميركي لجيل الحرب العالمية الرابعة (QWOT) بمجموعة من المبادئ سبق وأكّد على وجوب تطبيقها عدد من لاهوتيي المحافظين الجدد. وهذه المبادئ تندرج في السياق التالي:
أولاً: العدو فريد ومطلق: الارهابيون، السلفيون، الشيعة، الاستبداديون، البعثيون، الأنظمة الاسلامية، الديكتاتوريات ما بعد الشيوعية، وهي كلها متساوية ـ بنظر المحافظين الجدد ـ لأنها تؤلّف الخطر نفسه.
ثانياً: لا فرق بين النية العدائية والقدرة العدائية. بين التنفيذ والنيّة، بين الجريمة والسلاح، فالحرب دائمة، من هنا ضرورة الوقوف على كل الصُعُد ضد أي خطر متوقع، سواء جاء من عدو معلن، ام من منافس محتمل.
ثالثاً: الكرة الأرضية هي ساحة المعركة، لم يعد هناك منطقة محمية (ارض الولايات المتحدة لم تعد مقدّسة). فالخطر، خصوصاً الارهابي، قد يأتي من كل مكان من دون أن يُكبح باعتبارات السيادة أو توازن القوى. على العكس، يجب القيام بالهجوم على أرض الخطر في العالم العربي والاسلامي، وزعزعة الأنظمة السيئة.
رابعاً: السلاح، يجب احتكاره، إذاً يجب القيام بالحرب للقضاء على الأسلحة. من هنا أهمية مسألة أسلحة الدمار الشامل.
خامساً: الخطر يناقض متطلبات الأمن المطلق. من هنا الضرورة المزدوجة، للمراقبة الشاملة والقدرة على الرد ضد كل المخاطر، وهذا يقود الى هوام العلم بكل شيء، كما يقود الى الشعور بامتلاك قوة كلية القدرة والجبروت.
ببساطة شديدة، تبدو عقيدة "الجيل الرابع" عقيدة مركبة، فهي تخلط ـ كما رأينا ـ بين العناصر (المبادئ) الخمسة (العدو، نية العدو، الأرض، السلاح والخطر) ضمن مفهوم واحد، وهو مفهوم يرمي الى ازالة كل الأخطار المحتملة دائماً وفي كل مكان. وبما أن توازن القوى لا يزال بصورة واسعة لمصلحة اميركا، والعدو لا يمكن ردعه بالخوف من العقاب كما كانت حال الاتحاد السوفياتي، فإن المعركة ليس لها في الواقع سوى هدفين: الزمن والصورة.
ـ الزمن: لأنه يجب العمل بسرعة قبل فوات الأوان.
ـ والصورة: لأن المحافظين الجدد مقتنعون بأن 11 ايلول/ سبتمبر هو ثمن الخطأ الماضي في عدم القدرة على ترويع العدو.
جنون "الجيل الرابع" سيجاوز من خلفه من أجيال الحاكمين بالكلمات وبممارسة الكلمات، وقد جعل للزمن الجديد لاهوته الخاص، الذي يقوم على تقديس ما وضعه المؤسسون الأوائل من رؤية رسالية لولادة اميركا قدِّرتها لها السماء، وكذلك على تقديس كل سلوك وممارسة تفضي الى الغاية، ولو كلّف ذلك سقوط ملايين الضحايا.
وفي اثناء الحرب الباردة لم يكن توازن الرعب نظرية جرى وضعها لتحقيق الاستقرار والسلم الدوليين، بل كان في حقيقته واقعاً، وبنتيجة هذا الواقع رأينا كيف تم حفظ السلام بين القوى الكبرى. وهكذا فإن "نظرية الكتل" التي أفرزتها حركة الاستقطاب في مرحلة توازن الرعب لم تكن هي الأخرى مجرد نظرية، إنما كانت مظهراً يعكس التحولات في توازن النزاع الدولي.
مع نهاية الحرب الباردة، وسقوط التوازن لمصلحة الأحادية، سوف ينفتح فضاء العالم ليُخرج التفكير الامبراطوري الاميركي من "هدوئه القسري" الى جنونه الظاهر. وعلى هذا النحو لم تكن رحلة تقسيم العالم وفق معادلة الخير والشر سوى ترجمة لبلوغ اللاهوت السياسي الاميركي الدرجة القصوى من اللاعقلانية. صحيح أن هذه المعادلة هي حصيلة تحولات واقعية لمسار التطور العالمي، الا انها المعادلة الأقل ثباتاً في التاريخ. ذلك لأنها تشق سبيلها بواسطة القوة المحقة. وتبعاً لسياق كهذا، فمن غير المقدّر ان يفلح العالم المكتظ بعوامل الصدام، في العثور على منطقة الاعتدال والتسوية والتوازن.
(*) رئيس تحرير "مدارات غربية"