ارشيف من : 2005-2008
خطة شارون للانسحاب من الضفة:توقيت انتخابي واستهدافات متعددة

تؤكد خطة آرييل شارون المنشورة معالمها الأساسية في صحيفة "معاريف" منذ أيام، والمتعلقة بما سُمي ترسيم الحدود الشرقية للكيان الإسرائيلي من جانب واحد بمساعدة ورعاية أميركيتين، تؤكد أن في نية شارون مواصلة العمل على المسار أحادي الجانب في ما خص الصراع مع الفلسطينيين، بحيث يكون الانسحاب من قطاع غزة مقدمة لخطة أوسع تشمل الضفة الغربية أيضا، ما يعني ان حزب "كديما" اذا تولى السلطة برئاسة شارون للمرة الثالثة على التوالي، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي المتكررة في الكيان الإسرائيلي، سيعمل على تنفيذ انسحابات جديدة من أجزاء من الضفة الغربية، وسيحاول تحصيل موافقة دولية عليها، الامر الذي سيعتبر نوعا من فرض حقائق عملية على الأرض قبالة الفلسطينيين، وترحيل كل ما يتبقى من مطالبات إلى آماد بعيدة قد يكفل الزمن بمعالجتها.
وخطة آرييل شارون المنشورة في "معاريف"، تشير إلى ان في نيته "مفاوضة" الأميركيين باعتبارهم "أوصياء" على الفلسطينيين في ظل الظروف التي يمرون بها!.. خاصة انه ليس لديهم قيادة فاعلة وقادرة على تولي أي مفاوضات، إذ ليس هناك شريك فلسطيني حقيقي يمكن التعامل معه اسرائيليا لدفع عملية التسوية قدما.. وهو منطق يتيح لشارون فرض كل ما يراه مناسبا للمصلحة الإسرائيلية واقتطاع أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، اضافة إلى مدينة القدس..
وبرغم أن المعالم العامة للخطة تشير إلى إمكانية ان "تتخلى" "إسرائيل" عن الأحياء العربية في القدس الشرقية مع الاحتفاظ بالبلدة القديمة، اضافة إلى الإبقاء على قسم كبير من المستوطنات وما يُعرف بالكتل الاستيطانية الكبيرة.. أي بعبارة أخرى وبمنطوق الإسرائيليين، إنهاء مادة الصراع مع الفلسطينيين.
السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي الدوافع لطرح هذه الخطة أو معالمها في هذه الفترة بالذات، التي تشهد إعادة تموضع سياسي كبير جدا في الكيان الإسرائيلي ستترجم في الانتخابات القادمة، وبالتالي فإن أي طرح تسووي مع الفلسطينيين حتى من جانب واحد كما تشير الخطة المذكورة، يحمل في طياته إمكانية مرتفعة لتداعيات على سائر القوى الإسرائيلية التي تتصارع على الناخب الإسرائيلي، وهو ناخب تأكدت ميوله اليمينية تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية؟.. وفي معرض الإجابة عن ذلك، من المفيد الإشارة إلى النقاط التالية:
ـ بداية تؤكد الخطة حقيقة وجود تحول في رؤية آرييل شارون نحو الصراع مع الفلسطينيين، وهو تحول يتأكد يوما بعد يوم أنه يأتي نتيجة للانتفاضة الفلسطينية وصمود الفلسطينيين، وعدم القدرة على معالجتها عسكريا طول الفترة الماضية.. وبالتالي فإن تحولات شارون تنبع من تغير معادلات الواقع بفعل دخول عامل المقاومة كعامل رئيسي في حركة الصراع.
ـ يمكن ان يُستشرف من الخطة ان هناك محاولة اسرائيلية لجس نبض الفلسطينيين حول مضامينها، استهدافا لتحصيل فوائد: فإذا كان جواب الفلسطينيين سلبيا، سيظهر شارون بمظهر المستعد لتنازلات "مؤلمة"، ويؤكد ما يردده من عدم وجود شريك فلسطيني.. أما اذا كان الجواب ايجابيا، فإنه يكون قد انتزع تنازلا فلسطينيا عن البلدة القديمة ـ اللاجئين، من دون أي إلزام رسمي لشارون لكون الخطة رسميا لم تصدر عنه..
ـ ولا يبعد ان يكون للتوقيت الانتخابي استهدافاته أيضا، بحيث يراد له ان يحاكي توجهات اليسار ويسار الوسط تحديدا، وجزء أيضا من الوسطية نفسها.. ولعل في هذا التسريب ما يعكس رؤية مختزنة لدى محيط شارون، بأن الخصم الحقيقي له في الانتخابات القادمة هو رئيس حزب العمل عمير بيرتس، لا رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو.
علي أي حال، يتوقع في الفترة القادمة ان نشهد الكثير من الخطوات والمواقف والمبادرات كجزء من حملة التنافس الانتخابي، وهو ما سيخفض من القيمة السياسية لهذه الطروحات من دون ان يلغيها.. لكن الأمر المؤكد هو أننا سنشهد ـ وهو ما بدأ ـ خارطة سياسية جديدة ستنعكس على تركيبة الحكومة المقبلة وعلى الحراك السياسي الإقليمي، ففي حال الفوز الكبير لحزب "كديما"، لا يستبعد أن تبدأ الخطة المذكورة بالظهور من جديد وبحلة اكثر وضوحا ومباشرة، لكن إذا أفضت انتخابات الكنيست عن موازين قوى متقاربة، فسنكون أمام صراعات داخلية وتحالفات سترسم المسار السياسي للمرحلة المقبلة، الذي لا يبعد ان يكون اتجاها نحو انتخابات مبكرة من جديد، على الرغم من أنه يصعب تقدير مآلات الساحة الإسرائيلية، خاصة ان ذلك يرتبط أيضا باستحقاق الانتخابات الفلسطينية ونتائجها.
يحيى دبوق
الانتقاد/ فلسطينيات ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006