ارشيف من : 2005-2008
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يحاكم قرار الانسحاب من غزة

المقالة التالية نشرته صحيفة معاريف كتب موشيه يعالون رئيس هيئة الأركان العامة السابق للجيش الإسرائيلي في 24/2/2006 وهو يحاكم فيه قرار كيان العدو بالانسحاب من غزة:
كرئيس لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي وُفِّرت لي الفرصة الأولى لعرض تقديري المهني، حول الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة، فقط خلال النقاش الذي جرى في 17 شباط عام 2004، وهذا ما فعلته.
شخَّصتُ فوائد محتملة في خطة الانسحاب:
أـ من ناحية عسكرية: انتشار عسكري اكثر راحة خارج القطاع (خطوط اقصر في التواصل بيننا وبين الجانب الثاني...).
ب ـ من ناحية سياسية: إمكانية تزايد التقدير الدولي للسياسة الإسرائيلية إزاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكن إلى جانب ذلك هناك تكلفة للخطة شخصتها كما يلي:
أ ـ الخروج الأحادي سيبدو من قبل المنظمات الإرهابية كنصر يعزز ويعظِّم أسطورتهم منذ انسحاباتنا الأولى في لبنان خلال سنوات الثمانينات وحتى اليوم، ومنحت دفعا للإرهاب. ففي أعقاب ذلك كان من الصعب علينا إقناع الطرف الثاني أو نفرض عليه اتفاق، حتى بصيغة حل الدولتين.
ب ـ مسار أحادي لا يفرض على الطرف الثاني التحدث، ولذلك التهديد الكامن في المسارات الأحادية هو أنها ستؤدي فقط إلى أن نفس الجهات الإرهابية، التي كانت موجودة تحت الضغط ومستعدة لوقف النار، أو قيادة فهمت انه ينبغي عليها اتخاذ خطوات من اجل تنفيذ "كيان واحد، قانون واحد، سلاح واحد" ستتحرر من الضغط.
في هذا النقاش أوضحتُ موقفي المهني، من الأفضل لإسرائيل الاتفاق على المسار الأحادي وبأن مساراً كهذا من الممكن أن يُبعد من امكانية الاتفاق. ومن ضمن كل ذلك رأيتُ انه حتى لو كانت قيادة السلطة الفلسطينية غير مهتمة بحل الدولتين، ففي حال كان في ذلك مصلحة إسرائيلية حينئذ ينبغي أن نفرضه عليهم.
عبرت عن رأيي ايضا انه من الممكن تحقيق فائدة اكبر من هذا المسار في حال نُفذ بتنسيق مع الولايات المتحدة من جهة الثمن السياسي والجغرافي الكبير الذي سيدفعه الفلسطينيون. هذا الثمن من الممكن ان يشمل: الانفصال بين غزة ومنطقة يهودا والسامرة، ضم الكتل الاستيطانية وضمان السيطرة على غور الأردن والقدس، كلام واضح حول "حق العودة" وإلغاء المسؤولية الإسرائيلية على قطاع غزة.
كما طرحتُ ضمن إطار النقاش ايضا مشكلة وجود الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، الذي يتراوح عرضه بين 70 و100 متر وبطول حوالى 14 كلم على طول الحدود الاسرائيلية، من البحر المتوسط وحتى كيرم شالوم. هذا الوجود (الاسرائيلي) يعتبر شرعيا في اتفاقية السلام بين اسرائيل ومصر وفي اتفاق اوسلو.
وذلك على اساس انه اذا كنا مهتمين بفك ارتباط يتضمن الغاء مسؤوليتنا عن قطاع غزة، لن نستطيع ذلك ما دمنا محيطين بالقطاع، وبما أننا مسؤولون عن غلاف قطاع غزة برا، وبحرا وجوا، سنُعتبر من قبل المجتمع الدولي مسؤولين عما يجري داخله، وآنذاك لن يكون هناك فك ارتباط. إلى جانب ذلك فإن التنازل عن الرقابة على حدود القطاع وعلى الداخل والخارج إليه، بدون ان يكون في الجانب الفلسطيني قيادة مسؤولة وفعالة، هو أمر خطير. وفي هذه الحالة سيتحول القطاع إلى "حماستان"، "حزب اللستان" و"القاعدستان".
لذلك أوصيتُ بعدم التنازل عن السيادة الإسرائيلية وعن وجود الجيش الإسرائيلي في فيلادلفيا ما دام لا يوجد في الجانب الفلسطيني قيادة مسؤولة وفعالة. في أي مرحلة لم أوصِ بنشاط مصري كشرط لهذا التنازل نتيجة تجربتنا المرة مع المصريين، كما لم أوصِ بقوة دولية كبديل عن الجيش الإسرائيلي، على ضوء تجربتنا المرة مع قوات كهذه.
هواية ولا مبالاة
طوال الطريق كان لدي انتقاد قاس على إدارة المستوى السياسي لكل ما يتعلق بفك الارتباط. المستشارون الذين قادوا في الواقع هذا المسار وفعلوا ذلك كهواة وبلا مبالاة. ومن اجل عدم الانشغال بالتفاصيل تكفي دراسة النتائج. عندما ندرس فك الارتباط بعدما نُفذ، من الممكن ان نُلخص التوازن بالقياس إلى مصالح دولة إسرائيل على انه سلبي جدا:
فوائد الانسحاب:
في هذا المسار يوجد إمكانية حسم داخلي إسرائيلي حول حدود الدولة والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ب ـ المبادرة الإسرائيلية منعت، على ما يبدو، مبادرات اكثر سوءاً على إسرائيل.
ج ـ الانتشار العسكري حول القطاع اكثر راحة مما كان في داخله.
د ـ نالت إسرائيل في هذه المرحلة تعاطفا دوليا.
في المقابل التكلفة:
أ ـ سلَّمت إسرائيل ورقة احتفظت بها لمدة حوالى 38 سنة والقصد كان استخدامها تحت عنوان "الأرض مقابل السلام" (مبدأ إشكالي بحد ذاته). وفي الواقع تنازلت إسرائيل عنه بدون أن تتلقى أي مقابل من السلطة الفلسطينية وبدون أي التزامات على السلطة الفلسطينية. حيث تشكلت هنا سابقة إشكالية من ناحية دولة إسرائيل للفترة اللاحقة.
ب ـ تنازلت إسرائيل، بدون اي مقابل، عن مبدأ "الرقابة على الحدود" الذي كان حتى تنفيذ فك الارتباط، من المبادئ الهامة لأمن دولة إسرائيل.
ج ـ تنازلت إسرائيل، بدون أي مقابل، عن "مبدأ تجريد المناطق من السلاح" الذي كان مبدأ هاما إضافيا لأمن دولة إسرائيل.
د ـ انسحبت إسرائيل بشكل تام، بما فيها إخلاء مستوطنات، بدون أي مقابل، وبذلك أوجدت سابقة اشكالية وغير ضرورية.
هـ سمحت إسرائيل للقوات المصرية بالانتشار في سيناء بما يتعارض مع الملحق العسكري لاتفاقية السلام مع مصر، وبذلك أوجدت سابقة سلبية إضافية لدولة إسرائيل.
و ـ وافقت إسرائيل على وجود قوة دولية على معبر رفح، وبذلك أوجدت سابقة سلبية إضافية للمستقبل. وكان عرفات يطالب دائما بتدخل ووجود دولي وعملت اسرائيل وفق مبدأ التجربة، انطلاقا من تجربتها المرة، مع القوات الدولية.
ز ـ على الرغم من حقيقة أن إسرائيل أخلت كل قطاع غزة وفتحت ايضا للفلسطينيين معبرا بريا الى مصر، لم يعفِ المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، إسرائيل من المسؤولية عن مصير الفلسطينيين في القطاع.
ح ـ لم يدفع الفلسطينيون ثمنا سياسيا كبيرا جراء ابتدائهم بالحرب في أيلول عام 2000 وانما على العكس: فقد تلقوا قطاع غزة مجانا. وبذلك تم تفويت فرصة تاريخية وزُرعت بذرة لاستمرار المواجهة المسلحة.
أي محاولة لشرح فوز حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية على أنه رد على فساد سلطة فتح هي استمرار لطمس الحقيقة ووضع الرأس في الرمل. صحيح انه فازت حماس في الانتخابات بسبب الفساد وغياب دور قيادة السلطة الفلسطينية، لكن لولا فك الارتباط، بالتأكيد لم تكن حماس لتنال فوزا كهذا. وبالطبع ينبغي أن نضيف إلى أسباب الفوز التعليم الفلسطيني، ثمار تراث عرفات، الذي لم يكف للحظة ـ حتى في فترة نشوة اوسلو ـ واعداد الجيل الفلسطيني الشاب للجهاد ضد إسرائيل.
الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد1151 ـ 03/03/2006