ارشيف من : 2005-2008

سياسة التصفيات الإسرائيلية:تاريخها، أهدافها،أساليبها ومشاكلها(*)

سياسة التصفيات الإسرائيلية:تاريخها، أهدافها،أساليبها ومشاكلها(*)

يلقي هذا الموضوع نظرة متكاملة على سياسة الإرهاب الصهيونية بحق المقاومين الفلسطينيين والآثار السلبية التي تتركها على الكيان الصهيوني نفسه قبل حركات المقاومة التي بقي استمرارها في العمل برغم ضرب قادتها، لغزاً لم يستطع قادة العدو حلّه.‏

"الانتقاد" تقدم هذا الموضوع لقرائها مع التحفظ الدائم على التعابير والمصطلحات المستخدمة من قبل الكاتب الصهيوني.‏

نال الإحباط المركز من الجو أهمية عملياتية كبيرة وبشكل خاص منذ الانسحاب من المدن الفلسطينية، وبشكل أساسي منذ فك الارتباط الذي خرج بموجبه الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة كلها.. وهكذا نُفذ خلال عام 2005 أكثر من خمسين هجوما من طائرات "أباتشي" و"كوبرا" التي كان هدفها إحباطا مركزا.‏‏

مر وقت طويل إلى أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها بشكل رسمي بأنها تستخدم سياسة التصفيات كسياسة مضادة للعمليات الإرهابية.‏‏

بنظر جزء من الجمهور في البلاد والعالم، تبدو هذه السياسة ممارسة للإرهاب المضاد، ومن أجل تليين الطابع اللفظي لها غيّرت المؤسسة الأمنية مصطلح "التصفية" وأوجدت بدلا منه مصطلح "الإحباط المركز"، الذي من المفترض ان يغيّر طابعها بهدف تقديمها كفعل له أسباب دفاعية، بدلا من الصورة التي ينطوي عليها العمل المبادر إليه.‏‏

خلاصة تاريخية عن التصفيات‏‏

بدأت سياسة الرد الإسرائيلي الفعال في التبلور خلال فترة التمرد العربي (1936 ـ 1939). فبمساعدة ضابط الاستخبارات البريطاني تشارلز اورد فينغيت أُنشئت "سرايا الليل" التي خرج معها فينغيت في الليالي لاستهداف بؤر تجمع العصابات المشاغبة أو أماكن سكنهم. وهكذا تشكلت سياسة الخروج من السياج التي تثقفت عليها أجيال من مقاتلي قوات الدفاع عن الاستيطان قبل إقامة الدولة.‏‏

بعد إقامة الدولة انتقل تراث الرد الفعال إلى وحدة الـ101 التي أورثتها بدورها الى وحدات المظليين والجيش الإسرائيلي كله.‏‏

خلال سنوات الـ70 وجهت رئيسة الحكومة آنذاك غولدا مائير، رئيس الموساد تسافي زمير للقيام بمطاردة دموية لنشطاء أيلول الأسود الذين كانوا مسؤولين عن مجزرة الرياضيين الإسرائيليين في الأولمبياد في ميونيخ (1972) واستهدافهم في أنحاء أوروبا.‏‏

أساليب عمل الموساد كانت مبتكرة وجريئة. جزء من المخربين جرت تصفيتهم عبر مسدسات من مسافات قريبة، وجزء عبر غلافات مفخخة، وجزء آخر عبر عبوات زُرعت في منازلهم وفُجرت، ومن ضمنها عبر رنين الهاتف. ذروة المطاردة كانت مع تصفية علي حسن سلامة، ضابط عمليات أيلول الأسود في 22 كانون الثاني 1979 في بيروت.‏‏

بموازاة ذلك عمل الجيش الإسرائيلي على تصفية البنية التحتية الإرهابية في قطاع غزة عام 1971.. حيث أنشأ الجيش الإسرائيلي فرقة القنابل اليدوية التي اعتمد عليها في تنفيذ مهمات (مع عناصر الشاباك) تصفية الإرهابيين في قطاع غزة، التي ترأسها آنذاك ضابط جريء وخلاق هو المقدم مئير دغان، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للموساد (وما زال حتى الآن) في ظل تولي آرييل شارون رئاسة الحكومة الذي كان آنذاك قائده وقائد المنطقة الجنوبية،‏‏

على بركات النظرية القتالية لفرقة القنابل، التي ترتكز بشكل أساسي على المطاردة التي لا هوادة فيها لنشطاء الإرهاب داخل (التجمعات العربية)، جمع معلومات استخبارية مدققة للعملية وعمليات جريئة داخل مخابئ وقواعد المخربين.. أُنشئت في فترة الانتفاضة الأولى فرقة دوفدفان (قيادة المنطقة الوسطى) وشمشون (القيادة الجنوبية). وشارك في وقت لاحق مع تصاعد القتال، ومع كثرة الأهداف وحدات نخبة إضافية.‏‏

خمس اتجاهات معلنة لعمليات الإحباط المركز:‏‏

1 – المنع: إحباط عملية مخرب على وشك تنفيذ عمليته، "قنبلة موقوتة".‏‏

2 ـ المعاقبة: استهداف المسؤولين عن العمليات الإرهابية ومن يترأسها.‏‏

3 ـ الردع: دفع المخربين بشكل عام والمسؤولين عنهم بشكل خاص للعيش في حالة خوف دائم بسبب قوات الأمن، وتقييد حركتهم وحرية المناورة لديهم.‏‏

4 ـ الإضرار: ضرب البنية التحتية للإرهاب، وعرقلة تطورها ومنع إنتاج قيادة موحدة ومركزة عليها.‏‏

5 ـ أسباب سياسية داخلية: إرضاء الرأي العام الإسرائيلي الذي يهتز في أعقاب العمليات، من ناحية "دم مقابل دم".‏‏

أساس الإحباط المركز يرتكز على كونه وسيلة دقيقة يدفع من خلالها المسؤول عن العمليات التخريبية الثمن بدلا من قصف التجمعات السكانية المدنية أو القصف غير المركز الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا بشكل مباشر أو بشكل عرضي..‏‏

... حول عملية الإحباط المركز يوجد عدة أسئلة:‏‏

1 ـ ينبغي ان يُتخذ القرار حول النيل من هدف عبر عملية إحباط مركز من خلال منتدى رفيع (مدني! عسكري!).. على هذه الخلفية ما هي القرارات التي تتخذ؟ أي مادة تُقدم لصناع القرارات؟ ماذا يحدث اذا وجدت خلافات في الآراء؟‏‏

2 ـ هل حكم عملية تستهدف جنودا أو قوات أمنية مثل حكم عملية تستهدف هدفاً مدنيا؟ ألا يوجد حاجة لردع اكثر إيلاما في الرد على استهداف قوات الأمن؟‏‏

3 ـ هل حكم العملية غير الناجحة ولم يسقط فيها قتلى كحكم عملية سقط فيها إصابات كثيرة؟ وهل المعيار الوحيد هو عدد القتلى؟‏‏

4 ـ دور السلطة الفلسطينية في منع العمليات: هل ننقل معلومات عن عمليات "ساخنة" إلى أيدي السلطة أو نحاول استهداف "القنبلة الموقوتة" بقواتنا نحن؟ ما هو دور السلطة في مسار تحمل المسؤولية الأمنية عن حياة أمنيين إسرائيليين؟‏‏

5 ـ كيف نحافظ على "طهارة السلاح" خلال الإحباط المركَّز؟ هل هو على حساب أمن المنفذين؟.. هل يعطى الإذن بتنفيذ عمليات الإحباط في حال كان يرافق الضحية عائلته (كما حصل مع القيادي في حركة حماس صلاح شحادة في غزة)؟‏‏

6 ـ حدود التوقف (سقف التصفيات): المؤسسة الأمنية كما المؤسسة السياسية التي تتخبط في مجموعة من الأسئلة حول الحدود التي ينبغي التوقف عندها في الإحباط المركز.. هل ينبغي التوقف عند استهداف القيادات العسكرية للمنظمات التخريبية وإبقاء القيادة السياسية محصنة من أي استهداف برغم أن الحدود بين المجموعتين مطموسة؟ المعروف على سبيل المثال أن الشيخ (أحمد) ياسين و(عبد العزيز) الرنتيسي عقدا جلسات لإعطاء تعليمات للقيادة العسكرية وتوجيهها فيما يتعلق بالأهداف المنتخبة وتوقيت عملياتها.‏‏

وسائل عملياتية لتنفيذ الإحباط المركز‏‏

أعدت المؤسسة الأمنية نفسها للعمل اليومي إلى حين صدور قرار بتنفيذ عملية إحباط مركز وأعدت "بنك أهداف". يشمل هذا "البنك" أهدافا وأساليب عملياتية لتصفيتهم. في هذه الحال يبقى للمؤسسة الأمنية الاقتراح على القادة عبر سلسلة من الأهداف يؤتى بها من "الرف" بهدف تقصير الفترة الزمنية بين القرار وتنفيذ العملية.‏‏

يمكن تقسيم عملية الإحباط المركز إلى أربعة أنواع:‏‏

1 ـ تصفية مباشرة: تصل الوحدة إلى الهدف وتصفيه.. الإشكاليات الكامنة في هذا الأسلوب هو الخطر الذي تتعرض له الوحدة التي تصل إلى الهدف الموجود في منطقة معادية أو المحاط بإجراءات دفاعية.‏‏

2 ـ تصفية غير مباشرة: تفخيخ آلية المخرب أو أي وسيلة أخرى (الهاتف ليحيى عياش) يُشغل عن بعد. والمطلوب لهذه العملية استخبارات دقيقة وفي لحظة الحقيقة.. ميزة هذه العملية تكمن بالطبع في تقليل الخطر على المنفذين. ويمكن في هذا النوع من التصفية استخدام مساعد (عميل) لنقل العبوة القاتلة إلى المخرب.‏‏

3 ـ تصفية عن بعد: استخدام صاروخ دقيق يُطلق من طائرة مأهولة أو طائرة بدون طيار. ميزة هذا الأسلوب هو في الأمن المطلق للمنفذين وإمكانية التنصل من المسؤولية، مما يكسب العملية بعد الحرب النفسية. وقد تطور هذا الأسلوب في السنوات الأخيرة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي وتحول إلى نظرية قتالية حديثة اكتسب منه الجيش الأميركي وشكل نموذجا له في عملياته في العراق. وينبغي أن نؤكد أهمية المعلومات المتحركة في الاتجاهين (المنفذين والقيادة الأمامية) المطلوبة في استخدام هذا الأسلوب القتالي.‏‏

4 ـ استخدام مساعدين محليين: يوجد شك في استخدام هذا الأسلوب في أحداث "المد والجزر/ التسمية التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي لانتفاضة الأقصى". ويتطلب هذا الأسلوب مساعدين موثوقين أو عملاء لهم "حساب" سابق مع الضحية المستهدفة.‏‏

مشاكل عملياتية في الإحباط المركز‏‏

... فيما يلي عدد من المواضيع المفتاحية والمشاكل التي تتمثل أمام المؤسسة الأمنية ازاء عملية الإحباط المركز:‏‏

1 ـ الاستخبارات: المفتاح لعملية الإحباط المركز تكمن في التشخيص الاستخباراتي الدقيق والمعدل على الدوام للمنفذ. الاستخبارات الدقيقة الضرورية لتشخيص الضحية (الذي يغير هويته في أغلب الاحيان)، محاور الطرق التي يسلكها، اتصالاته مع عائلته وزملائه في الإرهاب.‏‏

2 ـ الارتباط مع الصف الميداني: من أجل تنفيذ دقيق للعملية مع الامتناع قدر الإمكان عن الإضرار بالأبرياء، يوجد حاجة لإقامة اتصال في اتجاهين بين المنفذين والقيادة الأمامية والشاباك.‏‏

3 ـ تسليح دقيق: يوجد أهمية كبيرة لملاءمة التسليح مع نوع الهدف من أجل عدم التسبب بأضرار فورية في محيط الهدف (والتسبب بانتقادات عامة قاسية). ولكن مع ذلك ان لا يكون تسليحا "رخوا" لأنه في هذه الحال ربما لن ينجح في تدمير الهدف. في الماضي نُفذت احباطات من الجو بمساعدة صواريخ مخصصة بالأساس لتدمير الدبابات.. حاليا بعد عدد من الإحباطات التي فشلت، أُدخل إلى الاستخدام صاروخ جديد ملائم بشكل خاص للإحباطات المركزة للمخربين الموجودين في السيارات، هذا النوع من التسليح لم يُصادق على النشر عنه في حالات كثيرة.‏‏

4 ـ اليوم الذي يلي: واجب مخططي عملية الاحباط ان يأخذوا بالحسبان رد المنظمات الإرهابية في اليوم الذي يلي. من سيكون البديل عمن جرت تصفيته؟ هل سيكون هناك تصعيد في الردود؟ وماذا يمكن ان يكون الرد النوعي للمنظمة التخريبية؟ أهمية هذا الأمر حيوية بشكل خاص على ضوء رغبة المنظمات التخريبية في إنتاج توازن رعب مع دولة إسرائيل.‏‏

5 ـ الإعلان أو الاعتراف: أمام المؤسسة الأمنية تمثل أزمة قاسية: هل ينبغي الاعتراف بالمسؤولية عن عملية التصفية أو المحافظة على الضبابية العملياتية؟ أم يجري تحريض منظمة على أخرى عن طريق التلميح بحرب أهلية هي المسؤولة عن استهداف الناشط الإرهابي.. مع ذلك من المنطقي الأخذ بالحسبان أنه في عالم الاتصالات وفي ظل العولمة اليوم تقريبا، لم تبقَ أسرار، والأسرار التي تبقى لا تمكث سوى بضعة أيام فقط..‏‏

أحد الألغاز التي لم تنجح دولة إسرائيل في حلها هو: كيف لم تنجح في ردع المنظمات الإرهابية عبر ضرب قادتها ونشطائها من خلال التصفية المركزة المرة تلو الأخرى؟ في كل مرة كان يُستهدف مسؤول إرهابي رفيع جريء، أصيل وذي قدرات قيادية، ينشأ بديل عنه، وتعود المنظمة بعد فترة انتقالية إلى ما كانت عليه، وأحيانا بقوى متجددة. ومن المعروف نموذج قائد حزب الله (السيد) نصر الله الذي تنامى وبلغ مستويات عالية جداً بعدما صفى الجيش الإسرائيلي سلفه (السيد) عباس الموسوي.. وهكذا أيضا يحيى عياش..‏‏

(*)د. أهارون يافيه/ باحث في معهد الدراسات حول الإرهاب التابع لمركز هرتسيلياه المتعدد المجالات/ نتيف/ آذار/ ‏2006‏‏.‏‏

الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏‏

2006-10-28