ارشيف من : 2005-2008
خيارات "إسرائيل" في مقابل إيران النووية(*)

ملاحظة: ما يرد في المقالة هو جزء دراسة أوسع تتناول التهديد الإيراني بحسب عنوانها المعتمد، آثرنا ترجمته من دون أي تدخل في المضمون سوى الاختصار في بعض الأحيان، على أن لا يؤثر ذلك على المضمون، وبالتالي يُلاحظ أن الفرضية التي بُنيت عليها الدراسة: سعي إيران لامتلاك سلاح نووي مع ما يشكله ذلك من تهديد وجودي على الكيان الإسرائيلي، وبناء على ذلك ما هي الخيارات الماثلة أمام إسرائيل إزاء هذا التهديد المفترض، برغم إعلان إيران أن مشروعها النووي هو مشروع سلمي...
تزود إيران بسلاح نووي سيفرض تغييرا جوهريا في سياسة الأمن القومي (الإسرائيلي)، التهديد النووي من قبل دولة معادية ينبغي التعامل معه كتهديد وجودي، وهكذا فإن الأمر يحتاج إلى استعداد مختلف من قبل إسرائيل، سواء على المستوى العملياتي، وليس أقل من ذلك، أو على المستوى المفاهيمي.
دراسة الخيارات الماثلة أمام إسرائيل تكشف أن أمامها سبعة بدائل:
1 - عملية عسكرية.
2 - التمسك بالسياسة القائمة (الغموض النووي).
3 - الارتكاز على الدفاع الكامن في مظلة نووية أميركية.
4 - مفاوضات مع ايران حول تفكيك الأسلحة واتفاقات الرقابة.
5 - الدفاع السلبي.
6 - الدفاع الفعال.
7 - الردع النووي العلني.
ومن الممكن بالطبع انتقاء خيار واحد كأساس للسياسة الإسرائيلية أو الدمج بين خيارين أو أكثر.
عملية عسكرية:
هدف المؤيدين للخيار العسكري هو تنفيذ ضربة وقائية، أي مهاجمة مواقع المشروع النووي الايراني قبل ان ينتهي مسار تطوير السلاح النووي. النموذج الذي يشير إليه مؤيدو العملية العسكرية هو مهاجمة المفاعل العراقي في العام 1981. ووفقا لكلامهم: كما ان تدمير المفاعل قرب بغداد أوقف المشروع النووي العراقي فترة متواصلة كذلك ينبغي العمل بالضبط أيضا في الحالة الايرانية. غير ان الفرق بين الحالة العراقية والحالة الايرانية كبير، فالايرانيون استخلصوا العبر من مهاجمة سلاح الجو في بغداد ووزعوا أنشطة تطوير السلاح النووي في مواقع كثيرة من أنحاء دولتهم. وليس كما كان في الحالة العراقية الذي جمَّع أنشطة التطوير كلها في مفاعل واحد ووحيد.. إحدى العقبات التي تقف أمام أي عملية عسكرية تستهدف المواقع النووية الإيرانية هو فقدان المعلومات الاستخبارية.. إذ ليس واضحا هل لدى الاستخبارات الإسرائيلية معلومات عن كل المواقع النووية في ايران..
عقبة أخرى هي تحصين المواقع النووية التي من شبه المؤكد ان جزءا منها موجود على عمق كبير تحت سطح الأرض، لذلك من غير الممكن تدميرها عبر القصف من الجو، حتى لو استُخدمت القنابل التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة المسماة "كاسحة التحصينات"، التي هي غير ناجعة إزاء أهداف مدفونة في أعماق كبيرة.
أمام هذه العقبات في تنفيذ الخيار العسكري ينبغي دراسة الثمن الذي من الممكن ان تدفعه إسرائيل لدى تنفيذ عملية عسكرية. أولا الثمن السياسي.. لكن النتيجة الأكثر سلبية هي انه من الممكن أن تؤدي هذه العملية إلى إيقاف تام للضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي على إيران حول المشروع النووي. في مجال آخر يمكن أن يكون الثمن على شاكلة تصعيد عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وسيكون للإيرانيين مبرر لمهاجمة أهداف في إسرائيل عبر صواريخ باليستية.. إضافة إلى انه من الممكن افتراض أن يؤدي رد إيران أيضا إلى زيادة النشاطات الإرهابية ضد أهداف إسرائيلية وأهداف يهودية في العالم.
وفي مجال آخر يمكن لإيران أن ترد وتجبي ثمنا كبيرا عبر حزب الله الذي تصل صواريخه إلى الخضيرة.. عملية عسكرية إسرائيلية في إيران ستعطي الشرعية للإيرانيين باستخدام حزب الله ضد إسرائيل.
التمسك بسياسة الغموض النووي:
أحد الخيارات التي أثبتت نفسها حتى الآن هو الارتكاز على سياسة الغموض النووي، فنجاح هذه السياسة في ردع الدول العربية كان مثيرا.. ففي حرب يوم الغفران عندما خططت مصر وسوريا لحرب شاملة كان ذلك لأهداف محددة من ناحية جغرافية. الفرضية هي ان الاهداف المحددة كانت بسبب الخشية من الرد النووي الإسرائيلي.. إذا اقتربت جيوش مصر وسوريا إلى حدود الخط الأخضر أو تجاوزته. ويبدو انه أيضا في حرب الخليج في العام 1991 ارتدع صدام حسين من إطلاق صواريخ تحمل رؤوسا كيميائية خوفا من رد نووي إسرائيلي.
غير انه برغم نجاح سياسة الغموض حتى الآن يبدو ان إسرائيل لن تستطيع الارتكاز عليها إذا كان لدى ايران سلاح نووي، وذلك لأن سياسة الغموض ستبقي المزيد من المساحات الرمادية.. الغموض يمكن ان يكون سياسة ناجحة في مقابل تهديدات غير نووية، لأنه حتى لو فشل ردع الغموض فالثمن الذي سيُدفع من قبل إسرائيل سيكون محمولا.
الارتكاز على مظلة نووية أميركية:
الهدف هو منح إسرائيل مكانة مشابهة لدول حلف "الناتو" التي كان يرتكز استعدادها الردعي في مقابل خصومها النوويين على المظلة النووية الأميركية. لكن المشكلة في هذا الخيار مزدوجة: أولا: الولايات المتحدة ينبغي ان توافق على منح إسرائيل مكانة كهذه، وبشكل عام ليس واضحا ان كان هناك استعداد لالتزام كهذا من جانب الإدارة الأميركية. ثانيا: بالارتكاز على الخبرة التاريخية لإسرائيل حول الاعتماد على أجانب في الدفاع عن مصالحها الأمنية يوجد شك إن كان هناك قيادة إسرائيلية مستعدة لتأسيس سياسة ردع في مقابل أسلحة نووية حول تعهدات أميركية.
مفاوضات مع ايران حول اتفاقات الرقابة وتفكيك السلاح:
هذا الخيار بالطبع جذاب، لكن فرص نجاحه معدومة. ما دامت قنوات محادثات مباشرة بين إسرائيل وإيران غير موجودة، وما دام هناك إصرار إيراني على استكمال تطوير السلاح النووي.
الدفاع السلبي
الهدف من هذا الخيار هو بناء ملاجئ ذرية لكل السكان في إسرائيل أو أغلبهم. وهو موقف غير واقعي، سواء بسبب الكلفة الكبيرة أو بسبب عدم صلتها بالاستعداد لتهديد نووي حقيقي. فالهجوم النووي سينفذ بشكل مفاجئ من أجل عدم تمكين جزء بارز من السكان من الوصول إلى الملاجئ، ولذلك سيُصابون.
الدفاع الفعال
المؤسسة الأمنية في إسرائيل اتخذت قرارا بتبني هذا الخيار، وهي ترتكز على منظومة دفاعية ضد الصواريخ: حيتس..
الادعاء الأساسي ضد الارتكاز على الدفاع الفعال أنه بالنسبة لإسرائيل ثمن إصابة تل أبيب بصاروخ نووي أمر لا يُحتمل. ويمكن لمنظومة دفاع فعالة مثل "حيتس" أن تكون مفيدة لدى توفير دفاع محكم. غير انه من غير الممكن تكنولوجيا ضمان تحقيق إغلاق محكم أمام محاولات اختراق صواريخ مهاجمة.. ومن الواضح ان صانعي القرار السياسي الإسرائيلي غير مستعدين لتعريض الجبهة الخلفية لإسرائيل لخطر اختراق صواريخ نووية.. في حال كهذه سيتم بالضرورة بلورة سياسة ردع إسرائيلية جديدة في مقابل التهديد النووي، عبر الإيضاح له بأنه في مقابل الثمن الذي لا يُحتمل سيكون عليه دفع ثمن محاولة استهداف إسرائيل نوويا، وبالتالي فالردع هو الطريق الوحيد لمواجهة التهديد النووي.. وفي هذا الإطار ستتحول بالطبع منظومة حيتس غير ذي صلة على الإطلاق. أضف إلى ذلك ان منظومة الدفاع الفعالة يمكن ان تمس بالردع الإسرائيلي في مقابل ايران، إذ إن جزءاً بارزاً من نجاح السياسة الردعية مرتبط بصورتها في عيون العدو، حيث ستكون فرص نجاحها كبيرة اكثر عندما يؤمن الخصم بعزم الرادع على استخدام وسائله العسكرية من اجل الرد على المس به، وليس مجرد اعتراض صواريخه.
ردع نووي علني
هذا هو الخيار المعقول والأكثر نجاعة الذي ينبغي على إسرائيل ان تتبناه.. وهكذا ستضطر إسرائيل أيضا لتبني هذا النهج. ويبدو ان الطريق الأنجع لردع محددي السياسة في ايران عن استخدام السلاح النووي في المستقبل سيكون عبر توضيح الثمن الذي سيضطرون لدفعه إذا ما قرروا إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.
من أجل ذلك ينبغي على إسرائيل ان تتخلى عن سياسة الغموض النووي والانتقال إلى الردع النووي العلني، التي ستُحدد ضمن إطارها قواعد اللعب الجديدة في مواجهة ايران. وينبغي تضمين هذا الردع توضيحات تجاه الخطوط الحمراء التي يعرض تجاوزها الإيرانيين لخطر رد نووي إسرائيلي.. وبالتالي على إسرائيل إظهار القدرة على توجيه ضربة ثانية موثوق بها من أجل دفع الإيرانيين لاستبعاد إمكانية مفاجأة إسرائيل بضربة نووية عبر صواريخ باليستية موجودة في مناطق محصنة.. أو عبر مواصلة تحليق طائرات مزودة بسلاح نووي.. أو عبر غواصات مزودة بصواريخ نووية.
بالطبع مسار التخلي عن الغموض النووي والانتقال إلى الردع النووي العلني ينبغي ان يتم بالتنسيق وبموافقة الولايات المتحدة.. مشكلة أخرى تطرح في هذا السياق هي مدى عقلانية قادة ايران.. المعارضون للردع النووي العلني يدعون انه بسبب عدم عقلانية القيادة الإيرانية من غير الممكن ردعهم، ولذلك لا يمكن الاعتماد على ان الردع النووي سيمنعهم من إطلاق سلاح نووي باتجاه إسرائيل.
لكن التجربة التاريخية تشير إلى ان القيادة الإيرانية تتصرف بشكل عقلاني تام عندما تتعلق المسألة بثمن كبير جراء استخدامهم القوة العسكرية.. (توقيعها وقف إطلاق النار مع العراق في العام 1988 بعد ثماني سنوات من الحرب).
في كل الأحوال يبدو ان إسرائيل ستضطر لتبني خيار الردع النووي العلني اذا واصلت ايران تطوير السلاح النووي والتزود به.
(*)مجلة نتيف/ مركز أريئيل للدراسات السياسية والاجتماعية/ د. روبن بدهستور/ محاضر في الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب.
الانتقاد/ عين على العدو ـ 1165 ـ 9 حزيران/بونيو2006