ارشيف من : 2005-2008
الحلقة الثالثة

بحث من عشر
حلقات يتناول السلفية الجهادية منذ انطلاقتها حتى الآن
الحلقة
الأولى: المقدمة ـ النشأة الأولى
ـ وسطية عزام وبن لادن
الحلقة الثانية:
الجهاد قبل الصلاة ـ لا إذن في الجهاد الفرض ـ فلسطين
وخطأ البنا
الحلقة الثالثة:
مرجعية سيد قطب ـ قواعد من التجربة الحركية ـ التجمع
العضوي الحركي
ينشر بالتنسيق
موقع "إنباء"
الإخباري
أسامة مناصفي
مرجعية سيد
قطب
أما وقد ضاعت فرصة تحرير فلسطين في تلك
الفترة المبكرة، أراد عزام "مجسماً للإسلام فوق طاولة,
فوق بقعة أرض, المجسم هذا دولة إسلامية تحكم بهذا
الدين حتى يراها الناس, أين بقعة الأرض هذه?"
ويقول:"عندما رأيت أفغانستان وقع في قلبي أن هذه الأرض
هي التي نبحث عنها لإقامة دولة إسلامية".
ولماذا أفغانستان؟ "لأن فيها الجبال, والحدود
المفتوحة, ودولاً متعاونة مثل باكستان, وأناساً يمدون
إليك يد المساعدة, ثم هي بقعة واسعة, والشعب كله معك..
والحركة الإسلامية فيها ما طال عليها الأمد, خمس أو ست
سنوات ودُهمت بالأحداث, ولا زالت طاقات الإسلاميين حية
في نفوسهم. لم يأخذوا فترة طويلة في التربية لأن
الأحداث دهمتهم, والشباب كلهم دون الثلاثين والله ساق
لهم قيادة شابة حازمة حاسمة متحمسة تتفجر حيوية وتتدفق
طاقة ..الحقيقة أن الشعب الأفغاني فريد في أصالته, ما
تلطخ بالحضارة الغربية, فطرته وخاصته لا زالت كما هي
ما فسدت, العلم في أفغانستان كالنقش في الحجر, الجهاد
في أفغانستان كالنقش في الحجر, شعب فطرته سليمة, شعب
أصيل, القلعة موجودة... القلعة هي المرأة, قلعة حصينة,
المرأة ما كشفت وجهها حتى الآن, أصيلة ثابتة يضعها
زوجها في البيت يقول لها: أنا أغيب سنة, تثبت في السنة
لا تخرج عن الباب"..
قواعد من
التجربة الحركية
ويتوصل عزام
من تجربته في أفغانستان إلى نظرية مهمة قد تلخص فكر
"القاعدة" فيما بعد، بل قد تكشف سر التسمية نفسها.
يقول عزام: "خرجت من خلال الأحداث الضخمة التي عشتها
في داخل أفغانستان بالقواعد التالية:
القاعدة الأولى: لا يمكن لأي حركة إسلامية وحدها أن
تقيم دولة إسلامية.
والقاعدة الثانية: لا بد من حركة إسلامية حتى تقوم
الدولة الإسلامية على يدها, لكنها لا تستطيع أن تقيم
دولة الإسلام وحدها, فإذن كيف? ثم لا بد أن تعتني هذه
الحركة بأبنائها, فتربيهم تربية ربانية. وهؤلاء
الأفراد قبل أن تربيهم, أصبحوا ناضجين, لا بد أن
يشرعوا السلاح وتبدأ المعركة المسلحة حيث علينا أن
نختار لها بقعة أرض مناسبة, وشعباً مناسباً إن
استطعنا, لكن الحركة الإسلامية في داخل هذا الشعب.
نركز بحيث نقوي الحركة الإسلامية داخل هذا الشعب, ثم
تشعل الحركة الإسلامية الفتيل وتقود المسيرة, الشعب
سيلتف حولها يوما بعد يوم.
سيفجرون عاطفة هذا الشعب وسيجتذبون انتباهه وسيخرجون
أعداءهم, لأن الجهاد لا يستطيع أحد أن يتكلم عليه,
والأولى بالحركة الإسلامية أن تختار عدواً مشتركاً
يتفق الجميع على أن هذا عدو, يعني اليهود عدو مشترك
والأولى بالحركة الإسلامية أن تبدأ بالقتال ضد اليهود.
روسيا عدو مشترك لا يستطيع أحد أن يسمي الذي يقاتل
الروس خائناً, بل الوطني سينظر إليك من ناحية وطنية
فيكبرك ويجلك ويحترمك ويعجب بشخصك, أولاً, ثم يعجب
بمبدئك ثانياً, والمسلم كذلك سيكبرك لأنك تمتشق حسامك
وتشرع هامتك للنار, وتبحث عن الموت وتدافع عن الشعب,
فالشعب سيقف معك, أعداء الإسلام سيخرسون، لا يستطيعون
أن يجابهوك في هذا الميدان المشترك. المعركة ستطول
وكلما طالت المعركة كلما استفادت الحركة الإسلامية
وكلما اختارت العناصر وكلما برزت القيادات, وكلما طالت
المعركة دفعت بالنماذج إلى القمة, لأن طول المدة سيسقط
الناس, سيضعف الذي ليس له صلة وثيقة بالله عز وجل. من
لم يتركز الإيمان في قلبه سيسقط, لأن هنالك أولاداً
ومزرعة ووظيفة وهنالك وهنالك, هذه كلها جواذب ستجذبهم
للخلف.
وبعد معركة طويلة مع أعداء الله عز وجل ستكون النتيجة
واحداً من اثنين, إما أن ينتصر الكفار وإما أن ينتصر
المسلمون. إن انتصر المسلمون قامت الدولة الإسلامية,
وإن انتصر الكفار لم تخسر الدعوة الإسلامية, لم تخسر
لأنها كونت رصيداً ضخماً من الناس, الناس أحبوها ثم
حفظت لها تراثاً مجيداً, وصفحات مشرقة تسكت الذين
يثرثرون أو الذين يلهون أو يعبثون بأصحاب المبادئ". (سلسلة
الهجرة والإعداد).
هذه الآلية المعقدة التي توصل إليها عبد الله عزام، هي
خلاصة التجارب والنكسات التي تعرضت إليها الحركات
الإسلامية في صراعها مع الأنظمة ابتداء من الإخوان
المسلمين بقيادة المؤسس حسن البنا. وهي تنم أيضاً عن
مدى تأثره بسيد قطب لا سيما في كتابه المهم "معالم في
الطريق".
التجمع
العضوي الحركي
إن قطب يؤكد
في "المعالم" أن "الإسلام لم يكن يملك أن يتمثل في
"نظرية" مجردة، يعتنقها من يعتنقها اعتقاداً ويزاولها
عبادة، ثم يبقى معتنقوها على هذا النحو أفراداً ضمن
الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم فعلاً.
فإن وجودهم على هذا النحو - مهما كثر عددهم - لا يمكن
أن يؤدي إلى "وجود فعلي" للإسلام، لأن الأفراد
"المسلمين نظرياً" الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع
الجاهلي سيظلون مضطرين حتماً للاستجابة لمطالب هذا
المجتمع العضوية .. وسيتحركون - طوعاً أو كرهاً، بوعي
أو بغير وعي- لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا
المجتمع الضرورية لوجوده، وسيدافعون عن كيانه،
وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه، لأن الكائن
العضوي يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم
لم يريدوا .. أي أن الأفراد "المسلمين نظرياً" سيظلون
يقومون "فعلاً" بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون
"نظرياً" لإزالته، وسيظلون خلايا حية في كيانه تمده
بعناصر البقاء والامتداد، وسيعطونه كفاياتهم وخبراتهم
ونشاطهم ليحيا بها ويقوى، وذلك بدلاً من أن تكون
حركتهم فـي اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة
المجتمع الإسلامي!"
إن تشخيص سيد قطب للمشكلة يعني ابتداء أن المصالح
الشخصية والنزعات الوطنية والعنصرية يمكن أن تقف
عائقاً أمام الحركة الإسلامية التي تريد إقامة الدولة
وتطبيق الشريعة، وهنا التمييز دقيق بين المسلمين
التقليديين والإسلاميين الحركيين وإن لم يرد صراحة في
نص قطب.
وإن لم تتم المفاصلة بين المجتمع الجاهلي والمسلمين
فيه حتى يكوِّنوا المجتمع الإسلامي المرتجى، فلن تنجح
الحركة الإسلامية في مبتغاها، لكن خصوم قطب وكثيراً من
أنصاره فهموا من هذه العبارة تكفير المجتمع الجاهلي
الحديث، رغم أن الإخوان المسلمين يتأولون كلامه ولا
يضعونه على محمل التكفير. أما الثمرة الأولى لهذا
الفكر فكانت نشوء جماعة "التكفير والهجرة" في مصر، من
داخل السجون أيام عبد الناصر، ونضوج فكرة الولاء
والبراء للدكتور الظواهري زعيم تنظيم الجهاد، لذلك لم
يتردد الظواهري في الالتحاق بالمجاهدين العرب ببيشاور
عقب قضائه فترة السجن إثر اغتيال الرئيس أنور السادات،
فخلال مشاركته بالوفد الطبي المصري لمساعدة الأفغان
عام 1980 وجد في أفغانستان المحضن الملائم لتنمية نواة
الجهاد وتدريب العناصر وتوجيهها تمهيداً لتغيير النظام
في مصر.
سيد قطب يوضح كذلك أنه "لم يكن بد أن تتمثل القاعدة
النظرية للإسلام (أي العقيدة) في تجمع عضوي حركي منذ
اللحظة الأولى، وأن ينشأ تجمع عضوي حركي آخر غير
التجمع الجاهلي، منفصل ومستقل عن التجمع العضوي الحركي
الجاهلي الذي يستهدف الإسلام إلغاءه، وأن يكون محور
التجمع الجديد هو القيادة الجديدة المتمثلة في رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده في كل قيادة
إسلامية تستهدف رد الناس إلى ألوهية الله وحده
وربوبيته وقوامته وحاكميته وسلطانه وشريعته - وأن يخلع
كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
ولاءه من التجمع الحركي الجاهلي - أي التجمـع الذي جاء
منه - ومن قيادة ذلك التجمع - في أية صورة كانت، سواء
كانت في صورة قيادة دينية من الكهنة والسدنة والسحرة
والعرافين ومن إليهم، أو في صورة قيادة سياسية
واجتماعية واقتصادية كالتي كانت لقريش - وأن يحصر
ولاءه في التجمع العضوي الحركي الإسلامي الجديد، وفي
قيادته المسلمة . ولم يكن بد أن يتحقق هذا منذ اللحظة
الأولى لدخول المسلم في الإسلام ، ولنطقه بشهادة أن لا
إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لأن وجود المجتمع
المسلم لا يتحقق إلا بهذا. لا يتحقق بمجرد قيام
القاعدة النظرية في قلوب أفراد مهما تبلغ كثرتهم، لا
يتمثلون في تجمع عضوي متناسق متعاون، له وجود ذاتي
مستقل، يعمل أعضاؤه عملاً عضوياً - كأعضاء الكائن الحي
- على تأصيل وجوده وتعميقه وتوسيعه، وفي الدفاع عن
كيانه ضد العوامل التي تهاجم وجوده وكيانه، ويعملون
هذا تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي، تنظم
حركتهم وتنسقه، وتوجههم لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم
الاسلامي، ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود الآخر
الجاهلي .
وهكذا وجد الإسلام .. هكذا وجد متمثلاً في قاعدة نظرية
مجملة - ولكنها شاملة - يقوم عليها في نفس اللحظة تجمع
عضوي حركي، مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجه
لهذا المجتمع .. ولم يوجد قط في صورة "نظرية" مجردة عن
هذا الوجود الفعلي .. وهكذا يمكن أن يٍوجد الإسلام مرة
أخرى ، ولا سبيل لإعادة إنشائه في المجتمع الجاهلي في
أي زمان وفي أي مكان بغير الفقه الضروري لطبيعة نشأته
العضوية الحركية ". (معالم في الطريق)
في الحلقة
القادمة:
القاعدة الصلبة
شروط الطليعة المجاهدة
أثر عزام بقطب