ارشيف من : 2005-2008

"الديار" تكشف نيات "اسرائيل"، قصة الدولة الدرزية وفق المخطط الاسرائيلي 2-2

"الديار" تكشف نيات "اسرائيل"، قصة الدولة الدرزية وفق المخطط الاسرائيلي 2-2

عملت "اسرائيل" منذ نشوئها على مبدأ "فرق تسد"، وقد حاولت على مدى حكوماتها المتعاقبة ‏على تفكيك الدول المجاورة لتبقي سيطرتها على المنطقة بكاملها. ومن خلال دراستها للطوائف ‏وانتشارها في الدول تبين لها ان الطائفة الدرزية تمثل الاقلية وبالتالي لا يمـكن ان تكون ‏خطرا على دولة "اسرائيل"، ومن هذا المنطلق، كانت لدى "اسرائيل" استراتيجية دائمة باتجاه ‏اقامة دولة درزية تكون وفق المخطط الاسرائيلي في المنطقة، وكان دائماً المعطل لهذا المخطط ‏الاسرائيلي هو عروبة طائفة الموحدين.‏‏

مشروع الدولة الدرزية:‏‏

‏1ـ حدود الدولة الدرزية: تمتد هذه الدولة من جبل الدروز الى الشاطئ اللبناني محيطة ‏بـ"اسرائيل". وتشمل: القنيطرة، وقضاء قطنا، وضواحي دمشق (بعض قرى الغوطة الدرزية)، ‏فقضاءي بلدة الشويفات.‏‏

‏2ـ عاصمة الدولة الدرزية: ومن المقرر ان تكون السويداء او بعقلين عاصمة هذه الدولة. ‏وذلك حسب ايّ من دروز لبنان او سوريا يكونون اكثر تعاونا مع اسرائيل.‏‏

‏3ـ عَلَم الدولة: هو العلم ذات الالوان الخمسة الذي وضعتْه فرنسا للدولة الدرزية بعد ‏تقسيمها لسوريا.‏‏

‏4ـ السكان: يكون المسلمون السنيّون والشيعة في لبنان الجنوبي وكذلك في حوران والبقاع ‏الغربي مخيّرين بين البقاء كأقلية لا شأن لها ضمن الدولة الدرزّية او الرحيل. اما ‏المسيحيون فلا ضير من بقائهم. ويمكن اشراكهم في الحكم كأقلية.‏‏

‏5ـ المقومات الاقتصادية: هي مضمونة من قبل "اسرائيل"، بتعهدات اميركية. يصبح ميناء صور ـ ‏بعد تطويره ـ الميناء التجاري للدولة، ويبقى ميناء صيدا لتصدير النفط.‏‏

ورصدت اميركا 30 مليون دولار للبدء بتهيئة الاجواء للتنفيذ.‏‏

طريقة التنفيذ:‏‏

‏1- تحت ستار مقاتلة الفدائيين الفلسطينيين تقوم القوات الاسرائيلية باقتحام واحتلال ‏المناطق التي يتواجد فيها الفدائيون. ثم تقوم قوات اخرى باحتلال جنوبي لبنان حتى صيدا. ‏وتتوجه في الوقت ذاته قوات مدرعة اسرائيلية خارقة الجبهة السورية على محور درعا - أزرع ‏‏- السويداء، وعلى محور القرى المتاخمة للحدود السورية الاردنية.‏‏

‏2- تقوم حركات «سلبية» ضد الجيش الاسرائيلي المحتل، فيشجعها اليهود سرّاً ولا يقمعونها ‏بعنف، الى ان تبلغ من القوة ما يكفي ظاهريا لنشوب معارك بين الفريقين، يكون النصر فيها ‏للدروز المحتلة مناطقهم.‏‏

‏3- في تلك الاثناء يكون الاتفاق قد تمّ مع عدد من زعماء الدروز على الصمود في مناطقهم ‏والمحافظة عليها، كي لا تعاد الى سوريا ولبنان، تمهيدا لانشاء كيان سياسي مؤلّف من هذه ‏المناطق «المحرّرة» يتمتّع باستقلال تام.‏‏

‏4- تتكفّل أميركا بحماية هذا الكيان عن طريق اسرائيل، كما تتكفّل اميركا بالاعتراف فورا ‏بهذا الكيان السياسي، وبأن تدفع الامم المتحدة والدول الغربية السائرة في فلكها للاعتراف ‏به. وتكون اسرائيل بذلك قد كسبت «حزاما واقيا لها» (حسب تعبير يعقوب)، يقيها شرّ ‏الاعتداءات العربية، ان من الجيوش النظامية او الفدائيين.‏‏

‏5- بعد انشاء الدولة الدرزية تقوم أميركا بالعمل لجعل لبنان وطنا قوميا مسيحيا، وتقيم ‏دولة علوية في اللاذقية، ودولة كردية في شمال سوريا تتعاطف فيما بعد مع حركة البرزاني، ‏فتقلص الجمهورية العربية السورية الى سوريا الداخلية وتشل قدراتها.‏‏

ونفذ كمال ابو لطيف المهمة، فتم ابلاغ كمال جنبلاط وشوكت شقير والسلطات اللبنانية ‏والسورية. ونقلت المعلومات الى الجمهورية العربية المتحدة (الى عبد الناصر مباشرة)، وكلف ‏عبد الناصر الضابطين : اكرم صفدي وهيثم الايوبي بنقل هذه المعلومات الى السلطات ‏العراقية بغية حثها على تكوين الجبهة الشرقية، ثم استدعي ابو لطيف الى بغداد للاستفسار ‏منه عن بعض التفصيلات.(2)‏‏

ولكن، اثر اكتشاف هذا المشروع، قطع ابو لطيف اتصالاته بالمخابرات الاسرائيلية خوفا على ‏سلامته، والقي القبض على كمال الكنج، وحكم عليه بالسجن ... واستمر عضو الكنيست ‏الدرزي جبر معدى يعمل باتجاهه، فعقد يوما اجتماعا صحفيا بمفرده، دعا فيه الى ضمّ هضبة ‏الجولان لاسرائيل. واعترف ان امنيته هي ان تقوم دولة درزية تضم كل الدروز، وتكون ‏عاصمتها السويداء» وعندما استهزأ الصحافيون باقواله، اعلن : ان اليهود ايضا ارادوا ‏قبل مئة سنة ان تكون لهم دولة، واذ ذاك ضحك منهم ايضا. (3).‏‏

وبعد مدة، طالب «جبر معدى»، وكان نائبا لوزير الاتصال، بقيام «وكالة درزية» على غرار ‏الوكالة اليهودية، تهتم بالهجرة والتوطين، وتجمع النقود من ثمانين ألف درزي يعيشون في ‏المهجر للبدء بإنشاء دولة درزية مستقلة (4).‏‏

الاّ ان «جبر معدى» لم يكمّل شوطه، فقتله أحد عربان فلسطين في أوائل شهر شباط سنة 1981... ‏وكمال جنبلاط ايضا لم ير لجهوده ثمرة، فقتل هو الآخر في 16/3/1977 ... وكمال الكنج قطعت ‏عنه، بعد خروجه من السجن، كل زيارة من أي درزي... وكمال ابو لطيف فرّ بنفسه من ملاحقة ‏الاستخبارات العاملة لـ"اسرائيل"... وشوكت شقير عزل من منصبه... وسليمان الكنج يدلي ‏بشهاداته على المضايقات الاسرائيلية (5).‏‏

من كان وراء كل هذه الملاحقات؟ لم يعد في الامر سرّ. ولماذا استمرار حرب لبنان؟ الاختلاف بين ‏طوائفه؟ أم لأجل انشاء دولة فلسطينية على ارض لبنان؟ أم لاجل امتيازات مسيحية ‏مارونية؟ أم لأجل غبن يلحق بسنّة الاسلام؟ أم لاجل حرمان عند الشيعة؟ في ظنّنا ان كل هذه ‏فقاقيع تطفو على سطح المياه، ومواضيع تمويه طمسا للحقيقة... اما الحقيقة فهي في مخطط لم ‏يحك عنه بعد كفاية.‏‏

إبحث عما يريح "اسرائيل" وقل مع ارشييد: اوريكا، أي «وجدتها».‏‏

هذا المشروع الاسرائيلي هو استمرار لمحاولات عديدة سبقته في التاريخ. وكلها تضرب على وتر ‏‏«ان الدروز لا يمكنهم ان يتعايشوا مع المسلمين».‏‏

ففي مخيم عكا 20/3/1798 اعلن الامبراطور نابليون بونابرت للأمير بشير: ان «رغبتي المخلصة هي ‏ان اقيم للدروز استقلالهم، واعطيهم مدينة بيروت ذات المرفأ كمركز تجاري لهم».‏‏

الامضاء نابليون‏

واجاب الامير بشير، لا برسالة بل بـ«قوة من الخيالة الدروز لنجدة نابليون بينما كان يحاول ‏اخضاع عكا، تحت امرة الشيخ عمر الظاهر. وكان ذلك في آذار سنة 1799 (7).‏‏

وفي زمن الانتداب قسمت فرنسا بر الشام الى خمس دول «ذات سيادة كاملة»: دولة لبنان، دولة ‏دمشق، دولة حلب، دولة جبل الدروز، دولة جبل العلويين. وعرفت «ان هذه الدول تتألف من ‏شعوب مختلفة، لا جامع بينها. لا تشدها اواصر واحدة، ولا تجمعها اية مصلحة مشتركة (8)‏‏

لقد عرف دروز اسرائيل هذه الحقيقة واعترفوا بها واعلنوها على صفحات الجرائد. فقال «شريف ‏مهنا» ــ من البقيعة ــ :نعيش نحن ابناء الطائفة الدرزية اقلية صغيرة ذات عقيدة، ‏دينية وطقوس وعادات تختلف عمّا لدى الشعوب والطوائف الاخرى (9). وينقل سلمان فراج عن ‏لسان فلاح عجوز هذه الحقيقة: اسمعوا يا شباب: صحيح انني فلاح بسيط، لكن بودي ان ابدى ‏رأيي: «لقد كان دروز سوريا هم الذين اشعلوا الثورة على الفرنساويين وخسروا، وضحوا في ‏سبيل استقلال بلادهم اكثر من غيرهم بكثير. ولكن، عندما جاء الاستقلال، خسروا ثمرة تضحياتهم ‏وخسروا مركزهم واحترامهم، لانهم لم يدركوا انهم اقلّية، وانهم رضوا ام ابوا فهم دروز، يعني ‏دروز، لا يحق لهم اكثر مما يسمح به وزنهم العددي». (10)‏‏

ويعلق احد الباحثين الاجتماعيين الاسرائيليين على هذه الظاهرة الاقلية: ان الدروز هم ‏اقلية صغيرة، حتى انهم طيلة تاريخهم كان همّهم الاساسي تقرير مَنْ هي القوة الاكبر ليتحالفوا ‏معها. وينقل رأي احد مشايخ العائلات الدرزية الذي يبلغ الرابعة والتسعين من سنّيه، قال ‏له: في رأيي، كل مَنْ يتركك تعيش، وموجود في السلطة، يجب ان ينال دعمكَ. (11).‏‏

هذا الوعي الدرزي عرفته "اسرائيل" وادركته، وهي تسعى لتساعده كالام الرؤوم، اقلية ‏مقهورة ظلمها العالم باسره واضطهدها كل صاحب سلطان أسرائيل تعرف، والدروز سوف يعرفون ‏بأن سرّ حكمتهم لن يدوم الى الأبد سراً. فأصحاب المطابع يقتنصون المخطوطات من تحت الأرض، ‏وأصحاب دور النشر يسيّرونها الى أقطار الدنيا. والعلم لم يعد احتكارا على اصحابه ‏ومستحقيه. فلا ذريعة، بعد اليوم، أن ليس بمقدور أحد، غير بني معروف، معرفة مضامين الحكمة ‏وأسرارها وألغازها وألوانها ونقطها وتآويلها ورموزها..‏‏

قبْلهم، عرفت "اسرائيل" ذلك، وراحت تعمل لأجلهم، بالرغم عنهم، أحياناً، وبرضاهم، أحياناً ‏أخرى. تعمل لمصلحتهم، كما تعمل مصلَحتها. ومصلحتها الكبرى أن تتعاون مع هؤلاء. وهي ‏تعمل. هي تعرف أن أفضل جار لها هم الدروز. هؤلاء، ان اكتشفت حقيقتهم، لن يكون لهم عون ‏الا من اسرائيل. فهم، كجيران لها، أقل خطراً من المسلمين والفلسطينيين والمسيحيين والعرب ‏والعجم.. لأنهم محدودو العدد، لا يتكاثرون ولا يتزاوجون مثنى أو ثلاث أو رباع، ولا مصلحة لهم ‏فيما وراء البحار أو مع سكان البوادي. يكتفون بما لهم. ويصبرون. ويتحمّلون. وينامون. ‏ويبقون كهم حيث هم ومن حيث هم.‏‏

وفي الختام، نريد أن تسمع صوت الشهيد كمال جنبلاط الذي قال بنظرية‏

"تتمتع بها كل أقلية ‏مذهبية أو اتنية في أن تراجع الامم المتحدة بشأن كيانها ومصيرها، استناداً الى الحق الطبيعي ‏والحق الدولي وشرعة حقوق الانسان".(12)‏‏

2006-10-28