ارشيف من : 2005-2008

دراسة هارفرد حول "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" (6 من7) :التحريض على غزو العراق والتلاعب بالمعلومات

دراسة هارفرد حول "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" (6 من7) :التحريض على غزو العراق والتلاعب بالمعلومات

صدر مؤخراً عن جامعة هارفرد الاميركية، دراسة بعنوان "اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية الاميركية"، أعدها أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، بالاشتراك مع أستاذ الادارة في جامعة هارفرد ستيفان والت.‏

تنشر "السفير" ملخصات ومقتطفات عن هذا البحث الاكاديمي الشامل وزعتها على حلقات سبع: المنظمات والافراد والولاء لإسرائيل؛ التأثير على الكونغرس والحكومة؛ التأثير على الاعلام ومراكز الدراسات واستغلال معاداة السامية؛ دور الولايات المتحدة التاريخي ك"منقذ" لإسرائيل؛ اسرائيل وعناصر استدرار العطف الدولي؛ الحرب على العراق؛ وسوريا وإيران.‏

وفي الآتي الحلقة السادسة من هذه السلسلة.‏

فيما يعتقد بعض الأميركيين بأن غزو العراق كان "حرباً من أجل النفط"، يرى آخرون أن حماية أمن إسرائيل في المنطقة شكل أهم الحوافز الكبرى للحرب. ويتضح هذا في قول العضو السابق في "المجلس الاستشاري الاستخباري الرئاسي"، والرئيس التنفيذي ل"لجنة 11 أيلول"، والمستشار الحالي لوزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، فيليب زيليكو، أمام طلاب جامعة فيرجينيا في أيلول العام 2002، أن "التهديد الحقيقي" الآتي من العراق لم يكن موجهاً ضد الولايات المتحدة، بل كان "تهديداً غير معلن" ضد إسرائيل، إلا أن "الحكومة الأميركية لا تريد أن ترتكز بقوة لهذه الفكرة لأنها غير شعبية".‏

الترويج للحرب‏

بدأت حملة ترويج اللوبي للحرب على العراق منذ أواخر التسعينيات، حين شرع المحافظون الجدد يناقشون مسألة تغيير النظام في العراق، من خلال إسقاط صدّام وتحويل العراق إلى ديموقراطية نشطة، وإطلاق عملية طويلة الأمد للتغيير في كل منطقة الشرق الأوسط. واشتهر في العام 1996 تقرير "الانفصال التام" الذي روج لمشروع "الشرق الاوسط الكبير"، مركزاً على إسقاط صدام كخطوة أولى.‏

وفي آب العام 2002، ألقى نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، خطاباً محرضاً أمام قدامى المحاربين في الخارج، قال فيه "إن إسرائيل تحث المسؤولين الأميركيين على ألا يؤخروا الضربة ضد عراق صدام حسين"، وذلك بعيد إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي، أرييل شارون، أن التنسيق الاستراتيجي بين إسرائيل وواشنطن بلغ "أبعاداً غير مسبوقة"، وأن الاستخبارات الإسرائيلية أعطت واشنطن عدداً من التقارير الإنذارية حول برامج العراق لأسلحة الدمار الشامل.‏

في هذا الوقت، كتب رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود باراك، في "نيويورك تايمز"، يحذر من أن "الخطر الأعظم يكمن الآن في عدم التحرك"، ونشر سلفه بنيامين نتنياهو مقالة مشابهة في "وول ستريت جورنال" حملت عنوان "الحاجة إلى تقويض صدّام"، قال فيها إنه "يتحدث باسم الأكثرية العظمى من الإسرائيليين في دعم ضربة استباقية ضد نظام صدام". ونقلت "هآرتس" في شباط العام 2003 بأن "القيادة السياسية والعسكرية (الاسرائيلية) تتوق للحرب في العراق". وبمعزل عن الكويت التي اجتاحها صدام في العام 1990، كانت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي رحب سياسيوها ومواطنوها على حد سواء بالحرب.‏

اللوبي والحرب‏

عملت عصبة صغيرة من المحافظين الجدد كقوة رئيسية محرضة على الحرب داخل الولايات المتحدة، والعديد من هؤلاء كانوا على صلة بالليكود. وسعى المحافظون الجدد لتقويض نظام صدّام حتى قبل أن يصبح بوش رئيساً. ووجه عدد منهم مثل إليوت أبرامز، جون بولتون، دوغلاس فايث، ويليام كريستول، برنارد لويس، دونالد رامسفيلد، ريتشارد بيرل وبول وولفويتز، رسالتين مفتوحتين إلى كلينتون، في العام 1998، يدعونه فيهما إلى عزل صدّام عن السلطة. لكن هؤلاء كانوا بحاجة لمساعدة ما تدفع بأهدافهم قدماً.‏

وصلت هذه المساعدة مع أحداث "11 أيلول"، التي جعلت بوش وتشيني تحديداً يعيدان ترتيب أولوياتهما، بحيث أصبحا مناصرين قويين للحرب الاستباقية. وفي اجتماع مع بوش في كامب دايفيد في 15 أيلول العام 2001، دافع وولفويتز عن ضرورة مهاجمة العراق قبل أفغانستان. وفي 21 تشرين الأول من العام ذاته، أمر بوش جهاز التخطيط العسكري بتطوير خطط منيعة للغزو.‏

وقد لعب مفكرون كبرنارد لويس من برينستون، وفؤاد عجمي من جامعة "جونز هوبكنز"، أدواراً مهمة في إقناع تشيني بأن الحرب هي الخيار الأفضل، بالاضافة إلى محافظين جدد من فريق موظفي تشيني كإريك إدلمان، جون هاناه، سكوتر ليبي. وفي مطلع العام 2002 أقنع تشيني بوش بالحرب، وبوجود بوش وتشيني في الفريق نفسه، أضحت الحرب مسألة محتومة.‏

وفي 20 أيلول من العام ذاته، نشرت مجموعة من رموز المحافظين الجدد وحلفائهم رسالة مفتوحة أخرى تقول "حتى إذا كان الدليل لا يربط العراق مباشرة بالهجمات، فإن أية استراتيجية تهدف إلى استئصال الإرهاب ورعاته يجب أن تتضمّن جهوداً حثيثة لإزاحة صدام حسين عن السلطة في العراق". وذكّرت الرسالة بوش أيضاً بأن "إسرائيل كانت وستبقى حليف أميركا الأشد وفاء ضد الإرهاب الدولي".‏

ووصل اللوبي لحد التغلغل في الداخل العراقي، حيث دعم المحافظون الجدد "المنفي العراقي عديم الضمير" الذي يرأس المؤتمر الوطني العراقي، أحمد الجلبي، قبل حرب العراق. وذلك لأنه أنشأ روابط قوية مع مجموعات يهودية أميركية، وتعّهد بأن يرعى علاقات جيدة بإسرائيل حال وصوله للسلطة.‏

التلاعب بالمعلومات‏

لقد احتل التلاعب بالمعلومات الاستخبارية بطريقة تظهر صدّام بأنه يشكّل تهديداً وشيكاً، جزءاً مهماً من الحملة المروجة للغزو. وأخذ سكوتر ليبي يضغط على محلّلي ال"سي أي أيه" لإيجاد حجة تدعم قرار الحرب. وساعد كولن باول في إعداد تقريره الملفّق الذي قدّمه في مجلس الأمن. وكان "فريق تقييم سياسة مكافحة الإرهاب" في الكونغرس قد اتُّهم بأنه أوجد روابط بين القاعدة والعراق لا يملكها جهاز الاستخبارات.‏

وأوكل للمحافظين الجديدين دايفيد وورمسر، واللبناني الاميركي مايكل معلوف، القريب من ريتشارد بيرل، مهمة الكشف عن الأدلة التي قد تستخدم لتبرير الحرب على العراق في ما يعرف ب"مكتب الخطط الخاصة" في الكونغرس، والذي ترأسه المحافظ الجديد وصاحب الروابط الوثيقة بوولفويتز، أبرام شولسكي. وكانت التقارير ترسل مباشرة إلى دوغلاس فايث، المحافظ الجديد الملتزم بقوة بإسرائيل، ككل المحافظين الجدد، والذي يحظى بروابط قديمة بالليكود.‏

ويعرف فايث مع بيرل وورمسر، بإصدارهم التقرير الشهير "انفصال تام"، الذي أوصى نتنياهو "بالتركيز على إزاحة صدام حسين من السلطة في العراق ك"هدف إسرائيلي استراتيجي مهم يصب في مصلحتها"، وأخذ الخطوات اللازمة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. وولفويتز ملتزم بالمستوى ذاته بإسرائيل، وهو الذي وصفته "جيروزاليم بوست" ب"الموالي المخلص لإسرائيل"، وصنفته "رجل العام" 2003.‏

صحيفة السفير‏

2006-10-28