ارشيف من : 2005-2008

دراسة هارفرد حول "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" (3 من 7) :التلاعب بالإعلام الأميركي وتكوين رأي عام موالِ

دراسة هارفرد حول "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" (3 من 7) :التلاعب بالإعلام الأميركي وتكوين رأي عام موالِ

صدرت، مؤخراً، عن جامعة هارفرد الاميركية، دراسة بعنوان "اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية الاميركية"، أعدّها أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، بالاشتراك مع أستاذ الادارة في جامعة هارفرد ستيفان والت.‏

وتنشر "السفير" ملخصات ومقتطفات عن هذا البحث الاكاديمي الشامل وزعتها على حلقات سبع: المنظمات والافراد والولاء لاسرائيل؛ التأثير على الكونغرس والحكومة؛ التأثير على الإعلام ومراكز الدراسات واستغلال معاداة السامية؛ دور الولايات المتحدة التاريخي ك"منقذ" لإسرائيل؛ اسرائيل وعناصر استدرار العطف الدولي؛ الحرب على العراق؛ وسوريا وإيران. وفي الآتي الحلقة الثالثة من هذه السلسلة:‏

التلاعب بالإعلام‏

تنعكس وجهة نظر اللوبي تجاه اسرائيل، بشكل كبير في وسائل الاعلام الاميركية الرئيسية، لان معظم المعلقين ومقدمي البرامج، هم موالون لاسرائيل. ويقول الصحافي اريك الترمان إن مناقشة قضايا الشرق الاوسط في هذه الوسائل "يتولاها اشخاص لا يمكن ان يطيقوا انتقاد اسرائيل". وفي مقابل 61 معلقا مؤيدا لاسرائيل، وجد الترمان خمسة معلقين فقط ينتقدون اسرائيل، بشكل منتظم، ويظهرون مواقف موالية للعرب.‏

ويظهر التحيز الكبير للاعلام الاميركي تجاه اسرائيل، في افتتاحيات الصحف الرئيسية، ومن بينها "وول ستريت جورنال"، و"جورنال"، و"شيكاغو صان تايمز"، و"واشنطن تايمز"، و"نيويورك تايمز"، اضافة الى مجلات مثل "كومانتري" و"نيو ريبابليك"، و"ذي وويكلي ستاندرد".‏

والى جانب افتتاحيات الصحف، يسيطر اللوبي ايضا على عملية نقل المستجدات المتعلقة باسرائيل. وللحوؤل دون نقل أخبار معادية، فإنه ينظم حملات مكثفة من الرسائل والتظاهرات، ويدعو الى مقاطعة وسائل الإعلام التي قد تنقل اخبارا يعتبر محتواها معادياً لاسرائيل. ويقول أحد المدراء التنفيذيين في شبكة "سي إن إن"، إنه يتلقى احياناً 6 آلاف رسالة عبر بريده الالكتروني في يوم واحد، تزعم أن مضمون قصة وردت كان معادياً لاسرائيل.‏

مراكز الدراسات والتفكير في اتجاه واحد‏

تسيطر الجماعات الموالية لاسرائيل على مراكز الدراسات الاميركية، التي تؤدي دورا مهما في تكوين النقاشات العامة والسياسات الحالية. وقد أسس اللوبي مركزه الخاص للدراسات في العام 1985، عندما ساعد مارتن انديك على تأسيس "وينيب". وبرغم أن المؤسسة تدّعي أنها تقدّم نظرة متوازنة وواقعية حول قضايا الشرق الاوسط، فإنها تدار من قبل اشخاص مرتبطين بشكل مباشر في عملية دفع البرنامج الاسرائيلي إلى الامام.وخلال ال25 سنة الماضية، اوجدت القوة الاسرائيلية حضورا اساسيا لها في عدد من الؤسسات المهمة مثل "مركز السياسة الامنية" و"معهد الابحاث حول السياسة الخارجية" و"معهد هادسون". واصبحت هذه المراكز نادراً ما تتضمن انتقادات للدعم الاميركي للدولة اليهودية.‏

ومن الامثلة الاخرى على ذلك، التحول الذي طرأ على "معهد بروكينغز". وبعدما كان يعتمد المعهد في ما يتعلق بشؤون الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي على ويليام كوانت، اصبح يعتمد على "مركز سابان لدراسات الشرق الاوسط"، الذي يموله حاييم يابان، رجل الاعمال الاسرائيلي الاميركي، والصهيوني.‏

مراقبة أكاديمية‏

واجه اللوبي صعوبة كبيرة في اخماد الجدل حول اسرائيل داخل حرم الجامعات، كون الحرية الاكاديمية قيمة جوهرية، ولانه من الصعب إسكات او تهديد بعض الاساتذة. وقد تصاعدت الانتقادات في هذه الأوساط ضد اسرائيل، بعد انهيار اتفاق اوسلو وعودة ارييل شارون الى الحكم في العام 2001. وقد ازداد هذه الانتقادات بعد استخدام القوة القصوى في وجه الانتفاضة الثانية. وتحرك اللوبي حينها بشكل عدائي من اجل "استعادة حرم الجامعات". وانتشرت جماعات جديدة مثل "كارافان للديموقراطية"، التي وزعت المتحدثين الاسرائيليين على الجامعات. وظهرت في الاطار جماعات مثل "هلال" و"المجلس اليهودي للشؤون العامة"، حاولت التعامل مع الجماعات الاخرى التي تضع اسرائيل في صلب المناقشات في الجامعات.‏

من ناحيتها، ضاعفت "ايباك" من مصاريفها على برامج ادارة نشاطات الجامعات، اضافة الى تدريب جيل شاب من المحامين عن اسرائيل. كما حاول اللوبي مراقبة ما يكتبه ويعلمه الاساتذة. وفي العام 2002، اسس موقعا على الانترنت لنشر ملفات حول اكاديميين مشتبه فيهم، وشجع التلاميذ على نقل التعليقات او التصرفات التي قد تعتبر معادية لاسرائيل.‏

ويحارب اللوبي ايضاً بعض الاساتذة والجامعات التي تعينهم. وقد كانت جامعة كولومبيا التي عمل فيها (المفكر) الفلسطيني ادوار سعيد، هدفا مستمرا للجماعات الموالية لاسرائيل. ويقول رئيس الكلية السابق جوناثان كول "يمكن لأحد ما أن يتأكد بأن أي موقف عام يدعم الشعب الفلسطيني يقوله الناقد الأدبي، المتفوق إدوارد سعيد، سيستدعي مئات الرسائل الإلكترونية، والورقية، والكتابات الصحافية التي تدعونا لنبذ سعيد، أو فرض عقوبات عليه أو طرده".‏

ولعل أهم ما اقدم عليه اللوبي في هذه السياق، الطلب مؤخرا من الكونغرس تبني مشروع قانون، ينص على مراقبة كل ما يقوله اساتذة الجامعات حول اسرائيل.‏

عامل الإسكات الأهم‏

لا شك في ان احد اقوى اسلحة اللوبي، هو الاتهام بمعاداة السامية. فان اي شخص ينتقد اعمال اسرائيل او يقول ان هناك لوبيا اسرائيليا، يخاطر بان يصنف معادياً للسامية ايضا، وذلك برغم اعتراف الاعلام الاسرائيلي بان هناك "لوبياً يهودياً".‏

وقد أظهر الاوروبيون في السنوات الاخيرة، ارادة اقوى من الاميركيين في ما يتعلق بانتقاد اسرائيل. لذلك قام اللوبي بنشر اقاويل في اميركا، تزعم ان بعض الدول الاوروبية معادية للسامية، وهو ما لم يكن صحيحا طبعا (بحسب ما تظهره بعض الاحصاءات).‏

ولهذه الاسباب، فإن الجماعات الموالية لاسرائيل عندما تشعر بضغط ما، تدّعي ان هناك "معاداة سامية جديدة". وبكلام آخر، انتقد سياسات اسرائيل فتصبح عندها معادياً للسامية. ومثال على ذلك ما حدث مع كنيسة انكلترا مؤخراً بعد تصويتها على سحب استثماراتها من شركة "كاتربلير"، التي تصنع الجرافات التي تهدم بيوت الفلسطينيين. وقد دفع ذلك برئيس الحاخامات، الى القول ان لهذا العمل "أكبر النتائج العكسية على علاقات اليهود والمسيحيين في بريطانيا".‏

والانتقادات الموجّهة لاسرائيل، تصنف ايضاً في خانة تبني معايير غير عادلة، او التساؤل حول حق إسرائيل في الوجود. لكن هذه الاتهامات زائفة، لأن الانتقادات الغربية لإسرائيل، نادراً ما تتضمن حقها في الوجود. وبدلاً عن ذلك، فإن الغرب يطرح الاسئلة حول تصرفات اسرائيل تجاه الفلسطينيين، وهو انتقاد شرعي، لأن الإسرائيليين أنفسهم يطرحون الأسئلة حول ذلك.‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية‏

2006-10-28