ارشيف من : 2005-2008
كتاب جديد في تأريخ العرب بالروسية

صدر في موسكو كتاب جديد للمستشرق الروسي الشهير روبرت لاندا تحت عنوان "تأريخ البلدان العربية".
إنّ المؤلّف الذي كرّس أكثر من خمسين سنة لعلم الاستشراق قد حقّق مسألة ليست ببسيطة وهي عرض وتحليل وقائع تأريخ العرب من ظهور الإسلام حتّى بداية القرن الواحد والعشرين في كتاب واحد حجمه 300 صفحة. ويبدأ الدكتور لاندا "رحلته البحثية" بإلقاء نظرة سريعة على العالم العربي المعاصر مشيرا إلى العوامل الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والثقافية المؤثرة على تطوره ومكانته والاهتمام المتزايد به في العالم أجمع. ومن هذه العوامل التنوع الطائفي والديني في المنطقة، والتناقضات المالية والاقتصادية المتعلقة بالنفط والغاز، وتوسع التأثير الإسلامي وتسييس المجتمع العربي، والنزاعات المحلية والإقليمية، وأخيرا المواجهة بين الشرق العربي من جهة والغرب الأوروبي الأمريكي من جهة أخرى. وحسب رأي لاندا فإن الفهم الصحيح لجوهر هذه المواجهة يكمن في معرفة التأريخ.
وينظر الدكتور إلى كل الأحداث والتغيرات والتطورات في المنطقة على ضوء تأريخ الإسلام ونشره وتطوره. ويعير لاندا في الجزء الأول من كتابه اهتماما كبيرا بسيرة الرسول محمد ونشوء العقيدة الإسلامية. ويستعرض المؤلف سير الفتوحات العربية وتعريب السكان في المناطق المختلفة في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
ومن فضائل الدكتور لاندا حماسه بموضوع الثقافة العربية الإسلامية الذي خصص له بابا كاملا حيث وصف تأثيرها العميق على تطور الحضارة الأوروبية والعالمية. ويقول المؤلف أن الأوروبيين اقتبسوا خبرة كبيرة ومبتكرات فنية كثيرة من العرب في مجال الصناعة والزراعة. كما تـأثرت من هذه الاتصالات الفلسفة والرياضيات والطب وفن الملاحة وباقي العلوم وحتى كيفية الحياة في بلاد الغرب.
وفي الجزء الثاني يحلل المؤلف المراحل الأساسية لتأريخ العرب الحديث بدءا بالغزو العثماني وانتهاء بفترة الحرب العالمية الأولى. أما الجزء الثالث للكتاب فيتناول لاندا فيه بالبحث العلمي الفترة التاريخية الممتدة من عام 1919 إلى يومنا هذا.
ويتحدث المؤلف خصيصا عن معاناة العرب تحت نظام الانتداب، وعواقب الحرب العالمية الثانية بالنسبة للحركة القومية التحررية العربية. وينظر لاندا في هذا الصدد إلى الثورات العربية في القرن العشرين مشيرا إلى أن النزاع العربي الإسرائيلي لعب دور المحرك إلى حد ما للتغيرات الجذرية التي طرأت على المنطقة.
ويبدي لاندا إعجابه بثورة يوليو المصرية ويقول إن أهميتها تنحصر في أنها الثورة الأولى التي وضعت مسألة تحويل الاستقلال الشكلي إلى الاستقلال الحقيقي، مما جعلها مثالا يحتذى به للعالم العربي ككل.
ويبحث لاندا بشكل مفصل القضية الفلسطينية حيث يؤكد على دور حركة المقاومة الفلسطينية في تحديث المجتمع العربي. وينتقد الباحث في الوقت ذاته السياسة العدوانية التوسعية لإسرائيل وموقف الولايات المتحدة المساند لها. وعلى حد قوله، فإن النزاع العربي الإسرائيلي ليس نزاعا عسكريا فحسب، بل أنه نزاع ديني وقومي وحضاري. ويلاحظ الكاتب أن العامل الأيديولوجي لهذا النزاع يكمن في المواجهة بين الصهيونية والقومية العربية.
ويقدر لاندا إيجابيا التطورات الجارية في سورية في السنوات الأخيرة لجهة تحرير الاقتصاد وإشاعة الديمقراطية مع الحفاظ على النظام العلماني. وفي القسم المخصص للعراق يقف مؤلف الكتاب موقفا سلبيا من نظام حكم صدام حسين الفاشل، على حد تعبيره. وفي الوقت نفسه يلاحظ لاندا أن العراقيين استقبلوا الأمريكيين ليس كمحررين بل كمحتلين.
ويتناول لاندا بصفته خبيرا بارزا في شؤون المغرب العربي بالبحث التفصيلي أسباب وشكل الحرب الأهلية في الجزائر وتفشي ظاهرة التطرف فيها. وحول نمو الأصولية الإسلامية يقول أن هناك جملة من الأسباب منها إصابة العرب بخيبة الأمل في الأيديولوجيات العلمانية، وتوسع الغرب المتزايد منذ القرن الخامس عشر، وتداعيات عملية العولمة، وتردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بعض الأقطار العربية.
في خاتمة الكتاب يتأمل الباحث في قدرة العرب المتميزة على التكيف مع المتغيرات السريعة الجارية في عالمنا المعاصر، وفي مكانتهم في عالم اليوم والغد.
هذا وخصص الدكتور لاندا كتابه الجديد الذي هو الثاني والعشرون له لجماعة المستشرقين، لكن نتاجه العلمي والفكري هذا سيكون ممتعا ومفيدا، بلا شك، لجميع الذين يهمهم تأريخ العرب.
المصدر:وكالات ـ نوفوستي / بقلم: ليليا كف الغزال.