ارشيف من : 2005-2008

إلى الفضاء الكوني على متن مقاتلة

إلى الفضاء الكوني على متن مقاتلة

بقلم: فيكتور ليتوفكين(*)‏

وقعت حكومة كازاخستان مع معهد التقنيات الحرارية في موسكو عقدا حول تطوير مشروع النظام الجوي – الفضائي الصاروخي "إيشيم" لإطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة الحجم المدنية إلى المدارات الأرضية. وذاع صيت معهد التقنيات الحرارية في العالم بأسره كصانع للأنظمة الصاروخية الإستراتيجية الروسية الجديدة من نوع "توبول – م" التي ترابط تحت الأرض أو على المنصات المتجولة والنظام الصاروخي البحري الإستراتيجي المعروف باسم "بولافا" والذي تكلل اختباره الأخير بنجاح غداة حلول السنة الجديدة.‏

والآن يتضافر المعهد جهوده مع مكتب ميكويان الشهير لتصميم طائرات "ميغ" ليعكف معه على مشروع غير مألوف الى حد ما بالنسبة إليه بالإضافة الى كونه مشروعا مدنيا.‏

يتلخص مشروع "إيشيم" في نقل أقمار صناعية صغيرة نسبيا الى الفضاء بواسطة مقاتلات "ميغ – 31" المطورة التي بلغ عددها في كازاخستان على أثر تفكك الاتحاد السوفيتي عدة عشرات من الطائرات أو بالأدق 43 مقاتلة، حسب معطيات دليل "The Military Balance".‏

وطبقا للمصدر نفسه تملك آستانة بالإضافة الى ذلك 16 مقاتلة من طراز "ميغ – 25" تعتبر "جدات" – إن جاز القول – لجيل طائرات "ميغ – 31". ويتطلب هذا الأسطول من الطائرات العسكرية صيانة متواصلة مع العلم بأنه نادرا ما يستعمل لغرض حماية المجال الجوي للبلد. خاصة وأن هناك ما يكفي من الوسائل الأخرى لحمايته عدا هذه المقاتلات الثقيلة التي يبلغ وزنها عند الإقلاع نحو 50 طنا. والآن رأت القيادة الكازاخية إمكانية الاستفادة من فكرة استخدامها كطائرة – معجلة للأجهزة الفضائية.‏

لقد شهدت السنوات الأخيرة في العديد من بلدان العالم تطوير طرائق تكنولوجية تتيح "تعبئة" أجهزة جرى تركيبها سابقا على الأقمار الثقيلة البالغة كتلتها ما بين 500 و3000 كغ، في أقمار صناعية مدمجة تتراوح كتلتها بين بضعة كيلوغرامات وعدة عشرات أو مئات الكيلوغرامات. وفي مقدور تلك الأقمار الصناعية أن تؤمن عمل أنظمة المعلومات والأرصاد الجوية على الأرض وأن تؤدي مهمات استشعار الأرض عن بعد والتنبؤ بالأعاصير الاستوائية وشواذ طبقة الأوزون ومراقبة تلويث الجو بما في ذلك ظاهرة الدفيئة. ويستفاد من تلك الأنظمة في متابعة حرائق الغابات وتوفير خدمات الملاحة ومراقبة أنابيب الغاز والنفط. وأخيرا يمكن استعمالها كوسيلة لتنفيذ برامج التعليم عن بعد عبر الاتصال الفضائي في مدارس وجامعات روسيا والبلدان الأجنبية وفي أغراض البحوث العلمية النظرية والتطبيقية.‏

ويعتبر العلماء استخدام المقاتلات العصرية من أجل إطلاق هذه الأجهزة "الصغيرة" أسلوبا أرخص وأكثر فعالية بكثير مقارنة باستخدام الصواريخ الحاملة الثقيلة التي يكلف إطلاقها عشرات بل ملايين من الدولارات. أضف الى ذلك حاجة الصواريخ الى القواعد الفضائية الخاصة التي يكلف إنشاؤها وتشغيلها وصيانتها ثمنا باهظا أيضا.‏

أما إطلاق الأجهزة الفضائية الصغيرة فيكفي لها – حسب اعتقاد العلماء والمصممين – ما يتوفر حاليا من مطارات وطائرات تقدر على دفع الصاروخ الحامل حتى يبلغ السرعة المطلوبة.‏

إن المقاتلة تنقل صاروخا يبلغ وزنه الإجمالي مع الحمولة على شكل قمر أو عدة أقمار صناعية نحو 10 أطنان الى ارتفاع 15 – 20 كم. وفي هذه الأثناء يجب أن تفوق سرعتها سرعة الصوت عدة مرات لكي تتمكن من إكساب الصاروخ سرعة تزيد على 2000 كم/ساعة عند انفصاله عن الطائرة. وهي سرعة يبلغها الصاروخ من ثلاث أو أربع مراحل الذي ينطلق من الأرض في ختام عمل مرحلته الأولى مما يكفيه للخروج الى الفضاء.‏

وقد تبين أن مقاتلة "ميغ – 31" تلبي بالتمام والكمال كل هذه الشروط، حيث يبلغ وزنها عند الإقلاع 50 طنا وسرعتها القصوى حوالي 3000 كم/ساعة ويزيد ارتفاعها الأقصى على 20 كم. وفي مقدورها أن تقلع من أي مطار عمليا وأن تطلق، بالتالي، الأقمار الصناعية إلى المدار حول الأرض في أي منطقة من الكرة الأرضية. وهو أمر ذو منفعة بالغة سواء من الناحية العلمية – التطبيقية أو من الناحية التجارية الربحية.‏

بيد أن تنفيذ هذا المشروع يتطلب تطوير الطائرة – المهمة التي يضطلع بها حاليا صانع هذه المقاتلة الأصلي مكتب ميكويان لتصميم الطائرات. كما يقتضي المشروع تطوير صاروخ خاص يعمل على الوقود الصلب ويستطيع بلوغ السرعة الفضائية بعد الانفصال عن الطائرة وهو يحمل على متنه العدد المطلوب من الأقمار الصناعية الصغيرة. ويعكف على هذه المهمة معهد التقنيات الحرارية الذي تتوفر لديه تجربة العمل المشابه. ففي نهاية المطاف سيكون الصاروخ الجديد عبارة عن نموذج مصغر من صاروخ "ستارت – 1" يزود بالمحركات الجديدة. وإن كان هذا الوصف لن يروق للمصممين في المعهد لأنهم يعتبرون أن كل نموذج جديد – مثله مثل الطفل – يختلف عن سابقه.‏

وأكد نائب كبير المصممين لمعهد التقنيات الحرارية ليف سولومونوف لمعلق نوفوستي العسكري أن العمل على تنفيذ مشروع "إيشيم" يجري طبقا للجدول المقرر. ومع حلول عام 2007 ستكون طائرات "ميغ – 31" المطورة جاهزة للاختبارات. وفي نفس ذلك الوقت سوف ينجز العمل على تطوير الصاروخ. وحينئذ يبدأ إطلاق الأقمار الصغيرة الى المدارات حول الأرض التي تتصف بزوايا انحناء مختلفة تتناسب مع طبيعة المهمات الجيوفيزيائية والميتيورولوجية والبيئية والمعلوماتية.‏

وعلمت نوفوستي أن المشروع الذي قد تم عرضه في معرض المستحدثات العلمية في ألما-أتا حظي بالدعم الكامل من جانب رئيس كازاخستان نور سلطان نزاربايف وجذب اهتمام تلك الشركات الأجنبية مثل "Surrey Center" البريطانية و"Israel Aircraft Industry" و"Rafael" الإسرائيليتين و"Finmeccanica" الإيطالية. وتستمر المفاوضات بين الحكومة الكازاخية والشركات الأجنبية الأخرى التي تتخصص في إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة الى المدارات المنخفضة حول الأرض وتهتم بغزو الفضاء الكوني بهذا الأسلوب الفعال والرخيص نسبيا. ويندمج مشروع "إيشيم" الروسي – الكازاخي على نحو متزايد في نظام تقسيم العمل الدولي.‏

ويدل الاهتمام الصادق بهذا المشروع على أن الأنظمة الجوية – الفضائية المخصصة لاستكشاف الفضاء القريب تستطيع خلال السنوات الـ10 أو 15 القادمة أن تتبوأ مكانة لائقة في سوق عمليات إطلاق الأجهزة الفضائية الصغيرة وأن تغدو في مستوى واحد مع الصواريخ الثقيلة التي تعتبر حتى الآن الوسيلة الوحيدة لنقل الإنسان الى الفضاء الكوني.‏

(*)معلق نوفوستي العسكري‏

المصدر: وكالات ـ "نوفوستي"‏

2006-10-28