ارشيف من : 2005-2008
التظاهرة النقابية في الصحافة(2)

غريب: ارفعوا الغطاء عن الفاسدين والمهدرين ولا تطبقوا اصلاحاً على الفقراء
التظاهرة الحاشدة "قوس قزح سياسي" والهتافات خرقت جدران السرايا
كتب رضوان عقيل:
بعيدا من تصريحات زعماء القوى السياسية ومواقفهم اليومية في بيروت والعواصم، وبعيدا من حسابات الربح والخسارة في الملعب اللبناني المشرعة شباكه على العواصف المحلية والخارجية، نجحت هيئة التنسيق النقابية في تظاهرتها امس، علما ان ابرز القوى المشاركة من "حزب الله" الى "التيار الوطني الحر" وحركة "امل" لم يقرع جرس الانذار ولم تتخذ "التدبير رقم واحد" في حشد الصفوف والنزول الى الشارع.
اقتصر التحرك امس على جمهور النقابيين من اساتذة وعمال وموظفين ومزارعين، وكان الطلاب عصب التظاهرة.
شارك مزارعون يعملون في سهول الزهراني وعكـار وعرسال، لم توفر الدولة لهم اسواقا لتصريف انتاجهم، كما شارك صيادون من ميناء الناقورة وصولا الى بحر صيدا، وهؤلاء لا يجرأون على التوغل بمراكبهم في المياه الاقليمية اللبنانية خوفا من نيران الزوارق الاسرائيلية التي تنتهك السيادة اللبنانية على مدار الساعة.
حضر معلمون يخافون على تعويضات نهاية خدمة اعوامهم المرة.
جاء عمّال من المصانع والشركات الخاصة لم يفوزوا بعد بنعيم دخول "جنة" الضمان الاجتماعي، ولا يعرفون متى يطردون من دون ان يحضروا لاطفالهم ربطة خبز وعلبة دواء.
شارك تلامذة وطلاب يكفرون كل يوم بخطابات السياسيين والردود المتبادلة في ما بينهم لانها لا تطعم خبزا ولا توفر كتابا.
من مكتبه في السرايا الحكومية، سمع رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة اوجاع هؤلاء وصرخاتهم، ولم يحضر بعضهم تلبية لدعوات حزبية فحسب بل لخوفهم من المستقبل الذي يهددهم اذا استمر الوضع الاقتصادي على هذا المنوال.
"حزب البطالة"
وهل يعلم القيمون واصحاب الشأن ان "حزب البطالة" هو الاقوى في لبنان؟ فهو موزع على جمهور 8 آذار و14 منه، وهؤلاء من جميع الطوائف والمناطق ولا يعارضون كشف قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وترسيم الحدود مع سوريا وتحرير ما تبقى من مزارع شبعا، ولا يضيرهم وقف مزاريب الهدر والفساد والتوصل الى قانون انتخاب عصري.
وصل رئيس "حركة الشعب" النائب السابق نجاح واكيم قبل موعد الانطلاق يرافقه كوادر حركته لينضم الى انصاره الذين رفعوا اكثر من لافتة كتب على احداها: "هيدا اللي باقي بدكن اياه خذوه"، ووضع فوقها قطعة ثياب داخلية.
وانتعل النائب السابق زاهر الخطيب حذاء رياضيا وكان يسير بخطى سريعة، والى جانبه الوزير السابق عصام نعمان واعضاء "منبر الوحدة الوطنية". وشارك نواب حاليون وسابقون وقادة احزاب ونقابات.
انطلقت التظاهرة من جسر البربير قبل نصف ساعة من موعدها المقرر في الثالثة بعد الظهر، بسبب كثافة الحشود التي حضرت من الضاحية الجنوبية وبعبدا والمتن وزغرتا ومن خارج العاصمة.
ورغم التعليمات المعطاة للمشاركين بعدم رفع الشعارات والاعلام الحزبية، خرق بعض الشباب المتحمسين هذا "الاتفاق" ولم يخفوا تأييدهم للرئيس نبيه بري والنائب العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله.
وترددت اسماء هذا "الثلاثي" مرات على ألسنة المشاركين، والى جانبهم الشيوعيون والقوميون والناصريون.
وتولى شبان من "حزب الله" الاشراف الميداني واللوجيستي على التظاهرة من نقطة انطلاقها وصولا الى ساحة رياض الصلح، ارتدوا ثيابا خاصة واعتمروا قبعات رمادية واضعين على صدورهم عبارة "انضباط". واكتفت عناصر قوى الامن الداخلي بالمراقبة ولم تحرك ساكنا. وكان الضباط يزودون مكتب وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت آخر الاخبار والتفاصيل.
"تحيّاتي الى السيد"
وثمة فتاة عونية "مطبوعة" بالبرتقالي من شعرها الى قدميها لم تكفّ عن الهتاف بافتداء لبنان والدفاع عنه. وتقدّم منها شاب وناولها علم "حزب الله"، فخاطبته: "ارفعه بافتخار، وتحيّاتي الى السيد".
ورافق اطفال آباءهم حاملين الاعلام اللبنانية. وعندما سألت مراسلة تلفزيونية استاذا في العقد الخامس: من أين حضرت؟ اجابها ممازحاً: "جئت من ريف دمشق. انا من صيدا، هل تريدين ان ابرز بطاقتي؟".
و"تنفست" التظاهرة بعض الشيء عند وصولها الى ساحة الرئيس بشارة الخوري التي غطتها الرايات واللافتات التي تدعو الى حفظ حقوق المعلمين والعمال ووقف الفساد.
ورفع شابان علم ايطاليا، وسألنا احدهما: لماذا هذا العلم؟ فاجاب: "لاننا نتعلم الايطالية وسنتابع دراستنا في روما، ونعارض (رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني من الآن، وسنهاجر لان لا مستقبل لنا في جمهورية السنيورة".
وسارت مجموعات من جمهور نادي النجمة مطلقة جملة من الموشحات.
وردّد شبان من القوميين والزوبعة تغطي صدورهم عبارات: "يا محمد ويا مسيح أكلونا التماسيح". ولم يتوان بعضهم عن الاشادة برئيس الجمهورية اميل لحود.
"الى اين"؟
وحمل طالب لافتة كتب عليها" التعاقد الوظيفي الى اين؟" مستعيرا العبارة الاخيرة من قاموس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
وفي كل تظاهرة يشارك الباعة انفسهم، ولا تعنيهم هوية المتظاهرين، وكان احدهم يهتف بأعلى صوته ليجذب المتظاهرين: "اهلا، كعك الجنرال وقهوة السيد ومياه الاستاذ".
وكان شبان من "امل" والحزب يهتفون بحياة الجنرال كلما التقوا مجموعات عونية. ولم تحتل خطابات البعض من شعارات مذهبية ومن اتهام "14 شباط بالاكثرية الاسرائيلية في لبنان" فضلا عن اطلاق عبارات نابية في حق السنيورة وجنبلاط.
اما انصار "تيار المردة" فاطلقوا الاغاني التي ترمز الى التحدي والمواجهة، ولهجتهم الزغرتاوية تدل عليهم.
وارسل الآخرون تحياتهم الى "البلوك" الارسلاني المجاور لهم.
"الورقة التخريبية"
وقبل القاء الكلمات واطلاق النشيد الوطني، كان العريف يخطب من على منبر متحرك: "نحن لسنا من ريف دمشق... ونحن لا نخرب لبنان". ووصف الورقة الاصلاحية بـ"التخريبية".
وأضفى الشيوعيون كعادتهم نكهة خاصة على التظاهرة، وهم يصرخون "شيوعي". وارتدوا قمصانا تتوسطها صور تشي غيفارا. وخاطبهم شاب طرابلسي: "أين (النائب) الياس عطاالله يا رفاق؟" فردوا عليه: "لا نعرفه".
غريب
وألقى رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب كلمة هيئة التنسيق النقابية:
"من كل لبنان ولكل لبنان أتيتم تحت السقف النقابي والمطلبي الذي جمعنا لنقول معا: كلمة واحدة وصفا واحدا.
نعم لالغاء مشروع التعاقد الوظيفي نهائيا وفي كل الفئات الوظيفية وليس فقط سحبه من التداول لكي يعودوا مرة اخرى ويطرحوه مجددا كما فعلوا بنا مرارا وتكرارا.
نعم لالغاء الزيادة في دوام العمل. نعم للحفاظ على قانون التناقص في ساعات التدريس. نعم لحماية الحقوق المكتسبة في تعويض نهاية الخدمة وفي معاشات التقاعد التي يجري الانقضاض عليها والاقتطاع منها مرة أخرى. نعم لحماية الحقوق المكتسبة في الاستشفاء والطبابة والرعاية الاجتماعية في تعاونيات موظفي الدولة وصندوق التعاضد لأساتذة الجامعة اللبنانية وسائر المؤسسات الضامنة وفي مقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
نعم لالغاء زيادة الضرائب والرسوم التي يحاولون فرضها على شعبنا: زيادة الرسوم الجامعية على طلابنا، زيادة الضريبة على القيمة المضافة، تحرير أسعار المحروقات، زيادة الرسوم على الكهرباء، زيادة الضريبة الموحدة على الدخل. وماذا بعد؟ اللائحة تطول وتطول تجميدا للتوظيف وتجميدا للرواتب.
هذا هو اصلاحهم الذي يعملون لتطبيقه علينا نحن الفقراء، هذه هي سياستهم التي اوصلت البلاد الى المديونية الخيالية (...)".
وأضاف: "اذهبوا الى كبار المتمولين الاثرياء، اذهبوا الى الذين خطفوا المال العام هدرا وفسادا وتسلطا على الاملاك العامة البحرية والنهرية. اذهبوا الى تحسين الجباية وتحسين عائدات الدولة ومواردها، اذهبوا في اتجاه الاصلاح الاداري الحقيقي الذي يبدأ بمنع التدخل السياسي في الادارة العامة، اذهبوا الى سحب الغطاء السياسي عن المتسببين بحالات الفساد والهدر، أوقفوا الواسطة وخرق القوانين، طبقوا قانون من أين لك هذا؟ عززوا أجهزة الرقابة والتفتيش ومجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والمجلس التأديبي، اعتمدوا الكفاءة والجدارة والمباراة المفتوحة لدخول الوظيفة العامة، أوقفوا سياسة المحاصصة والمحسوبية، لماذا لا تطرقون هذه الابواب؟ انكم عاجزون عن السير في هذا المسار، والكل يعرف ذلك. فما ذنبنا نحن حتى ندفع ثمن عجزكم من خلال هذه السياسة التي يتساوى فيها الصالح بالطالح؟
يقولون ان الظروف تغيرت والاحوال تبدلت، لكن أحوالنا نحن لم تتغير ولم تتبدل، فهي ما زالت على حالها نحو مزيد من التراجع والتردي، والسبب ان مواقف المسؤولين ومنطقهم من مطالب الحركة النقابية والتحركات الاقتصادية الاجتماعية ومن الحريات الديموقراطية ومن حقوق الفقراء والعمال وذوي الدخل المحدود أساتذة ومعلمين وموظفين ومتقاعدين وطلاب ما زالت على حالها، فالكلمات ذاتها والممارسات ذاتها تتكرر رافضة الحفاظ على حقوقنا.
كانوا يقمعون التحركات الشعبية والعمالية والتربوية بحجة اساءتها الى الامن الوطني والقومي والاقتصادي والاجتماعي، وأحيانا عبر اتهامها بتلقي التعليمات من الخارج. واليوم، هم هم انفسهم يتهموننا بتلقي التعليمات ممن كانوا يتلقون الامر منهم لقمعنا في السابق".
وتابع: "نحن كهيئة تنسيق نقابية أكدنا ونؤكد، مرة أخرى، اننا لن نخضع لارهاب الاتهامات، وسنبقى مصرين على الدفاع عن حقوقنا ومطالبنا في وجه الشروط التي تحملها الحكومة الينا، وهي شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ان هذه التظاهرة اقرت باجماع أعضاء هيئة التنسيق والجمعيات العامة، ويكفي ان نشير الى ان طلب التظاهرة وقعه جميع ممثلي هيئة التنسيق بمن فيهم منتمون الى من يتهمنا اليوم بتسييس القضية. وقمنا بجولة على مختلف الكتل النيابية لدعم مطالبنا، سواء تلك المنتمية الى 8 آذار أو الرابع عشر منه، وما هو خارجهما. ولقد تلقينا وعوداً علنية منها بدعم مطالبنا ودعم تحركاتنا. فما الذي حدث؟ ولماذا هذا الاستفسار السياسي علينا؟
فها هما وزيرا المال والاقتصاد يجولان على كل الجهات السياسية طالبين الدعم لمشاريعهم بما فيها تلك التي تتهمها الحكومة اليوم بمحاولة تخريب التظاهرة. لقد ماطل المسؤولون في الحوار معنا، بعدما عطلوا المجلس الاقتصادي الاجتماعي المفترض به ان يكون مكاناً للحوار الهادئ والمسؤول، فمن الذي عطل الحوار وكان سبباً لهذا التحرك؟
لقد ووجهنا بسياسة استعلاء ومماطلة، أدت بنا الى اعلان الاضراب التحذيري، باجماع مؤسسات هيئة التنسيق وداخل كل هيئة. رغم كل ذلك اعطينا مهلاً للانذار بعد الاضراب، غير ان سياسة المماطلة عادت لتمارس في وجهنا، وحتى اللقاء الاخير مع رئيس الحكومة لم يأت باقتناعات منه بالحوار بقدر ما جاء تحت ضغط الاضراب التحذيري والتدخل السياسي، ورغم ذلك حاولوا ضرب التحرك عبر سياسة المناورة التي مارسوها علينا على مدى السنوات الاربع الماضية واستعمال منطق المقايضة السياسية على حقوق الموظفين والمعلمين والاساتذة، ولم نسمع الا كلاماً غامضاً وموقتاً حتى على مشروع التعاقد الوظيفي، وكلاماً سلبياً على المشاريع الاخرى بما فيها محاولة وضع حقوقنا المكتسبة وضماناتنا الاجتماعية قيد الحوار والمقايضة.
ورغم ذلك اعطينا فرصة للتفاوض والوساطات تحت عنوان عدم المساس بالحقوق المكتسبة للمعلمين والاساتذة والموظفين، واكدنا النقاط الآتية:
- ديمومة العمل ورفض التعاقد الوظيفي واجراء مباريات مفتوحة لاختيار الموظفين والاساتذة من ذوي الكفاية.
- رفض زيادة ساعات العمل وتجميد الاجور، وتأكيد قانون التناقص في ساعات التدريس، ورفض المساس مجدداً بالمعاشات التقاعدية التي تقتطع من رواتبنا شهرياً، ولست منة علينا من احد.
- رفض المساس بالتقديمات الاجتماعية والعمل على تحسين الصناديق الضامنة لصحة الاساتذة والمعلمين والموظفين والمتقاعدين.
أما القضايا الاخرى المطروحة فيمكن الحوار حولها، ويا للأسف نقول لم تنجح هذه الوساطات، حتى ان رئيس الوزراء صرح من لندن بما هو تمسك مبدئي بمشروع التعاقد الوظيفي، حين قال: ان هذا المشروع سينفذ ولو بعد عشرين عاماً (...)".
غصن
في هذه الاثناء ظن المشاركون ان التظاهرة انتهت، ليسمع بعد دقائق صوت رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، وحاول البعض منعه من اعتلاء المنبر.
وقال في كلمته "خسئ الذين ظنوا أن الحركة النقابية باتت من الماضي، ها هم عمال لبنان يقفون بجانب الحركة النقابية، والاتحاد العمالي العام، الى فقراء لبنان ومعلميه والاساتذة والموظفين، والعاملين المنتجين بعرق الجبين، انها كرة الثلج تكبر.
ومن اليوم نقول، لا للضرائب والرسوم التي تستنزف جيوبنا وتسرق لقمة العيش من افواه اطفالنا، وتحرمنا حق التعليم وحق البطالة التي تتعامل على الضمان الاجتماعي وصناديق التعاضد، التي تحرم الاساتذة والمعلمين حقهم كالتعليم الاكاديمي العالي وحقهم في تنشئة اطفالنا وأولادنا.
أجورنا التي باتت لا تسد جوعاً دمرتها الضرائب وفحش التجار والغلاء المتزايد، ولن نرضى بعد اليوم ان يباع حق العامل وحق الموظف والاستاذ والمعلم، وحق المرأة، لن نرضى بأن نخرّج عاطلين عن العمل، لن نرضى بأن تجف اسواقنا وينضب انتاجنا لأن اجورنا لا تسد الحاجة.
مطلبنا اليوم، قانون للايجارات عادل وخطة نقل لا تكوي جيوبنا باسعار البنزين التي ترتفع يوماً بعد يوم، وان كان من مناقشة لورقة الحكومة الاصلاحية فلتكن موازنة من اجل الشعب والعمال والفقراء وذوي الدخل المحدود، ومن اجل المعلمين.
لن نرضى بأن تخصص قطاعاتنا وتباع بأبخس الأثمان ليستغلها رأسمال متوحش. لن نرضى بأن تباع المياه والكهرباء وتهضم حقوق العمال والموظفين في القطاعات. الجامعة اللبنانية جامعة اولاد الفقراء، جامعة أبناء ذوي الدخل المحدود، هذه الجامعة الوطنية الكبرى نريد استقلاليتها، ونريدها مصونة. لن نرضى بأن يكون فوق الاكاديمي اي وزير او اي وصاية (...)".
وفي ختام التظاهرة سار غصن وقيادة الاتحاد العمالي في اتجاه ساحة الشهداء وهو يقول لـ"النهار": "نسأل الرئيس السنيورة هل سمع صرخات الناس؟ ان هدف هذه التظاهرة هو الدفاع عن حقوق العمال. وسنقوم بخطوات اخرى".
المصدر: صحيفة النهار 11أيار/مايو 2006