ارشيف من : 2005-2008

السيدة رباب الصدر تتذكر الإمام المغيب في أسرته: أب الجميع الساهر على راحتهم

السيدة رباب الصدر تتذكر الإمام المغيب في أسرته: أب الجميع الساهر على راحتهم

الانتقاد/ ملحق خاص في الذكرى 27 لتغييب الامام السيد موسى الصدر‏‏

منذ صغري وأنا أسمع عن الإمام المغيب السيد موسى الصدر، جملاً وعبارات لطالما ترددت على مسامعي وجعلتني أعي حقيقة واحدة هي أن "هذا الرجل غير عادي".‏‏

قيل الكثير فيه على الصعد السياسية والاجتماعية والدينية، وفي قدرته على استشراف المستقبل والمخاطر التي تحدق بالمنطقة، والتماهي بين قضايا الوطن وحياة القائد.‏‏

كل ذلك لم يكن كافياً، فكان لا بد من محاولة التسلل إلى زوايا الحياة الشخصية لهذا القائد والإضاءة على جوانب العلاقات الإنسانية التي كانت تربطه بالمحيطين به من عائلته.‏‏

وللولوج إلى هذه الحياة الخاصة كان لا بد من دليل، فكانت السيدة رباب الصدر شقيقة الإمام المغيب التي رافقته طوال سني حياته قبل اختفائه ذلك الدليل، فتحدثت عن الإمام المميز في جميع مراحل حياته وفي تعاطيه مع أفراد عائلته، فكان كما وصفته "الابن البارّ"، "الأخ الحنون"، "الزوج المتفاني"، و"الوالد العطوف".‏‏

"والدتي كانت تقول إنها كانت تقرأ الكثير من سور القرآن والأدعية حين كانت حاملاً به"، بهذه الكلمات استهلت السيدة رباب الصدر حديثها عن شقيقها علّها تفسر هذا التميز وهذا الذكاء اللذين رافقاه في حياته، طفلاً وشاباً ورجلاً.‏‏

تابعت قائلة في إشارة إلى ذكائه منذ صغره: "إنه حين قدم امتحان الشهادة الابتدائية كان يجلس في قاعة فيها حوالى 400 تلميذ، فكان أول من ينهى المسابقة.. وينجح بامتياز". ومن الأمور التي تميز بها الإمام موسى الصدر متابعة دراسته الجامعية إلى جانب الدراسة الحوزوية، فكان "أول عمامة تدخل إلى جامعة طهران" حيث تخصص في الاقتصاد والسياسة.‏‏

عاش الإمام موسى الصدر في كنف والديه السيد صدر الدين ووالدته السيدة صفية ابنة المرجع الديني السيد حسين القمي. كان ابناً باراً بوالديه، فعمل ممرضاً لوالده في فترة مرضه. تقول السيدة رباب الصدر: إن "الإمام كان يواظب على إعطاء الدواء للوالد في الوقت اللازم، وكان برغم أشغاله ودراسته يدأب على أن يكون متفرغاً لخدمة أبيه".. وتتابع قائلة: "في أيام الصيف كان المناخ في مدينة قم حاراً وجافاً، وكان على الوالد أن يذهب إلى المصيف، فكان الإمام المرافق الدائم له لتأمين راحته أينما كان يترك كل شيء خلفه".‏‏

وتعود السيدة رباب بالذاكرة إلى الوراء دون صعوبة، فحياة الإمام بتفاصيلها ورواياتها كافة، حتى تلك التي يخبرها بها البعض، حاضرة دائماً في كيانها.‏‏

ومن تلك الروايات التي تدل على الروح الإنسانية لدى الإمام المغيب، "انه في كل مرة كان يذهب مع والده إلى المصيف حيث كان يعاني أولاد القرى من أوجاع في عيونهم نتيجة عدم الاهتمام الكافي بالنظافة، كان الإمام يحضر معه الأدوية والوسائل لمعالجة عيون الأولاد، فكان هؤلاء يقفون طابوراً في صبيحة كل يوم قبل استيقاظ الإمام بانتظار أن يعالج عيونهم".‏‏

العلاقة مع الوالدة لم تختلف كثيراً عن العلاقة بالوالد لجهة الرعاية والاهتمام، فكانت السيدة صفية تعتمد على ابنها في أمورها، الخاصة وفي أمور العائلة عموماً.‏‏

ومن الصور التي تؤكد عمق هذه العلاقة أنها ظلت تبكي عشرة أيام متواصلة حين سافر الإمام الصدر إلى النجف للدراسة. هذه الوالدة التي استصعبت فراقه حين غادر الى النجف، ظلت تنتظر اتصاله حين اختفى، وهو الذي تعوّد ان يتصل بها دائماً أينما كان، فطال الانتظار ورحلت الوالدة..‏‏

وكما كان موسى الصدر "الابن البار"، كان "الأخ الحنون" و"الخال والعم المحب والمرشد".. تقول السيدة رباب الصدر عن العلاقة التي كانت تجمع الإمام بإخوته: "إنها كانت قائمة على طبيعة كل واحد من إخوته، فكان الإمام يتعاطى معهم بحسب تلك الطبيعة وتفاصيلها".‏‏

وكان لا بد لتلك العلاقة الفريدة من نوعها أن تنتج عنها علاقة إرشاد وتوجيه ودعم بين الإمام وأولاد أشقائه وشقيقاته، فكان يتبناهم ويوجههم للاختصاصات، ويعمد الى إيصالهم لمراتب عليا.‏‏

السيدة رباب الصدر حين أردناها دليلاً للبحث في حياة الإمام المغيب، كان ذلك لأنها كانت دوماً إلى جانبه وعلى تواصل مستمر معه، فكان لا بد لنا من التوقف عند هذه العلاقة التي تربط السيد القائد بشقيقته الصغرى رباب، التي وجدت نفسها على مدى سبعة وعشرين عاماً تناضل من أجل قضية بدت كأنها في آخر اهتمامات المسؤولين العرب.‏‏

وترد السيدة رباب قوة العلاقة التي تربطها بشقيقها إلى سنوات الطفولة والشباب، حيث كان الإمام موجوداً إلى جانبها يحل لها مشاكلها.. فقد "كان مرشدي" على حد تعبيرها. هذه العلاقة التي بدأت في سنوات الطفولة استمرت وتوطدت مع وجود السيدة رباب في لبنان إلى جانب شقيقها في العمل الاجتماعي في مؤسساته الاجتماعية والتربوية والرعائية.‏‏

وتخبرنا عن هذه المرحلة فتقول: "لقد كان لي الشرف أن أعمل معه، لقد كنت إلى جانبه أرى كيف يفكر وكيف يخطط وكيف يقرر. لقد كان يخطط على المدى الطويل، وكان همه الأكبر خلال الأحداث اللبنانية كيفية توسيع الخدمات لتشمل أكبر عدد ممكن من الناس". وتتابع السيدة رباب متحمسة لدى الحديث عن رفقتها لأخيها فتقول: "كنت معه ليلاً ونهاراً، كنت أعرف تفاصيل حياته، الأمور الجيدة والأمور السيئة، كنت أعرف الأخطار التي تحيط به، كنت أعيش معه حالة الحذر التي كان يعيشها، وكنت أراه كيف يسامح".. وتضيف بتنهيدة: "يا لطيف شو كان عندو روح المسامحة".‏‏

هكذا كانت ترى السيدة رباب الصدر شقيقها، وهكذا لا تزال تراه حينما تواجه أي صعوبة في عملها، وتعبر قائلة: "كل دقيقة أتذكره، وأنا أعمل أراه أمامي، في أي صعوبة أواجهها أراه أمامي، في أي مسألة تحتاج إلى حل وجهد أراه أمامي، في الصعوبات وأوقات الفرح، حين تحل المشاكل أراه أمامي، أراه بعيني وأحس بوجوده".‏‏

إذا كان هذا تعاطي الإمام مع أهله وإخوته، فكيف هي الحال مع الزوجة ومع صدر الدين وحميد وحوراء ومليحة، الأولاد الأربعة للإمام الصدر الذين يعيشون على أمل لقائه.. حتى ان مليحة البنت الصغرى تعيش على أمل التعرف الى الأب الذي اختفى وكان لها من العمر ست سنوات.‏‏

وفي معرض الحديث عن الإمام الصدر الزوج والوالد الذي يعطي لكل إنسان حقه، تؤكد السيدة رباب الصدر أن "الإمام كان يساعد زوجته في أعمال المنزل وفي المطبخ وفي الاهتمام بالأولاد، خصوصاً في مرضهم حين كانوا يحتاجون إلى الرعاية".‏‏

فالإمام بمجرد دخوله إلى المنزل كان يضع وراء ظهره كل شيء ليكون الوالد المستعد لخدمة أولاده وزوجته. وإذا كانت علاقة الإمام بجميع أولاده مميزة، فإنه كان يخص البنات برعاية أكبر. وتقول السيدة رباب الصدر: إن الإمام كان يقول عن ابنته حوراء: "حين تكبر ستصبح أمي وستهتم بي كما تهتم الأم بولدها"، لكن الإمام رحل وحوراء التي كانت تبلغ 13 سنة حين اختفائه.. كبرت ولم تسنح لها الفرصة لتؤكد لوالدها ما كان يتنبأ به.‏‏

"اخترب بيتهم"، بهذه العبارة تلخص السيدة رباب الصدر ما أصاب عائلة الإمام باختفائه.. ثم ما تلبث أن تخنقها الغصة لتكمل قائلة: "تعذبوا بكل الأشكال، في دراستهم تعذبوا، في غربتهم تعذبوا، وهم في لبنان تعذبوا..". وتسكت عن الكلام لتترك المكان لدموع لم تستطع حبسها، وبعد أن تهدأ تلح على عدم الدخول في الجوانب العاطفية قائلة: "إن الكلام فيها يمرضني". وتكمل: "برغم كل الألم الذي خلفه اختفاء الإمام الصدر في عائلته، إلا أن الأمل بالله كبير، فالعائلة صبرت ولم تتعاطَ مع القضية بحس شخصي، فكان الإمام الصدر للجميع، وليس فقط لعائلته".‏‏

اليوم وبعد مرور سبعة وعشرين عاماً على اختفاء الإمام الصدر، تقول السيدة رباب الصدر: "قصة الإمام ليست عادية، يومياً نتذكره، نتألم ونسأل: لماذا؟ لماذا حصل ما حصل مع هذا الإنسان الكبير؟ وأكثر من ذلك، لماذا لا أحد يسأل عنه ويتابع قضيته"؟‏‏

قصة الإمام الصدر ليست عادية.. نعم، فهي قصة شخص غير عادي، وهي ليست قضية شخصية، إنها قضية كل الوطن.‏‏

ميساء شديد‏‏

2006-10-28