ارشيف من : 2005-2008
وزير الخارجية فوزي صلوخ لـ"الانتقاد":نسعى الى استثمار العلاقات مع الدول لجلاء قضية الإمام الصدر

الاتقاد/ ملحق خاص في الذكرى 27 لتغييب الامام السيد موسى الصدر
العلاقة التي جمعت بين وزير الخارجية اللبنانية السفير فوزي صلوخ والإمام السيد موسى الصدر تعود بجذورها الى بدايات الحركة النهضوية التي قام بها الإمام الصدر على الساحة اللبنانية.. حينها كان الوزير صلوخ سفيراً للبنان في سيراليون، وكان للإمام الصدر صولات وجولات في بلاد الاغتراب خطيباً وموجهاً ومحركاً ضمن رؤية تنموية شاملة تهدف الى خدمة المحرومين والمستضعفين أنى أماقوا وحلّوا. ولم يكن صلوخ ـ السفير حينها ـ بعيداً عن هذه الأجواء، بل كان فاعلاً ومتفاعلاً بها.
هنا حوار مع الوزير صلوخ عن علاقته وذكرياته مع الإمام الصدر، وعن متابعته لهذه القضية التي تعني كل الوطن.
ـ لقد كان لافتاً ورود قضية الإمام الصدر في البيان الوزاري للحكومة التي أنتم عضو فيها، وهذا يسجل ربما للمرة الأولى في لبنان، فما هي حيثيات هذه الخطوة؟ وكيف ستترجم عملياً؟
ليس غريباً أن يتضمن البيان الوزاري لحكومة الإصلاح والنهوض فقرة تقول إن الحكومة ستولي الاهتمام اللازم بقضية تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه. ولئن كانت البيانات الوزارية للحكومات السابقة لم تشر الى هذه القضية، فهذا لا يعني أن تلك الحكومات قد تغافلت عن هذه القضية أو أنها تهاونت في معرفة مصير سماحة الإمام ورفيقيه، فالإمام موسى الصدر شخصية فذّة، شخصية لبنانية وإقليمية ودولية، شخصية غنية بالفكر الفقهي والعقل السياسي، شخصية تملك أفقاً واسعاً وفكراً نيّراً تستشف التوقعات بما تتمتع به من نظرة ثاقبة ودراية شاملة.
ـ هل يمكن ان نشهد في الفترة المقبلة تفعيلاً لملف اختطاف الإمام الصدر على الصعيدين السياسي والدبلوماسي؟
لم تهن عزيمة لبنان حكومة وشعباً عن متابعة هذه القضية وسبر أغوارها، وكذلك المطالبة المستمرة بعودة الإمام الصدر ورفيقيه، وبالتالي معرفة مصيرهم. لقد بدأت معالجة الدولة اللبنانية لهذا الملف منذ الأيام الأولى من شهر أيلول عام 1978، تاريخ تغييب سماحة الإمام، وما زالت المطالبة مستمرة. وإن استمرارية المسؤولية تقتضي تفعيل المطالبة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي حتى تتبين معالم هذه القضية التي ما زالت تشغل لبنان واللبنانيين، نظراً للمكانة الروحية والسياسية المرموقة لسماحة الإمام، وللدور التوافقي الوطني الكبير الذي كان يقوم به سماحته. والأمل كبير بأن يؤدي التفعيل بالطرائق السياسية والدبلوماسية المعهودة الى معرفة الحقيقة.
ـ نلاحظ أن دول العالم تربط تطوير العلاقات مع الدول الأخرى بقضايا عالقة، فهل سيعمل لبنان على ربط علاقاته مع دول معنية بقضية الإمام الصدر بمدى تحركها لكشف خلفيات هذه القضية؟
تهدف سياسة لبنان الخارجية الى خدمة المصالح الوطنية، واستطراداً خدمة مصالح المواطنين اللبنانيين. وعلاقة لبنان مع الدول ترتكز على قدر مساعدة هذه الدول للبنان من أجل تحقيق هذه المصالح. أما في ما يتعلق بقضية سماحة الإمام السيد موسى الصدر، فإن لبنان يناشد جميع الدول المعنية بهذا الملف المساعدة بتقديم كل ما تملك من معلومات من أجل التوصل الى كشف حقيقة تغييبه مع رفيقيه. وثمة قنوات دبلوماسية متعددة لا بد من استخدامها، وكذلك استثمار المواثيق والقوانين الدولية المرعية الإجراء التي تحكم في مثل هذه القضايا. كما سيصار الى استثمار العلاقات والروابط السياسية بين لبنان وبعض الدول بهدف جلاء هذه القضية التي لا تخص لبنان فقط، بل تجاوزت مساحة لبنان حتى باتت قضية الإنسانية بكاملها.
ربطتكم بالإمام الصدر علاقة جيدة يختلط فيها الذاتي بالموضوعي، ماذا تخبروننا عن هذه العلاقة، بداياتها، عمقها والاتجاهات التي أخذتها؟
تربطني علاقات وطيدة بسماحة الإمام السيد موسى الصدر منذ أواخر الخمسينيات، (وقد دعته هيئة النضال الاجتماعي برئاسة الدكتور وائل حيدر الى إلقاء محاضرة في مركزها قرب مستشفى الدكتور حيدر في النويري في بيروت)، وأخذت هذه العلاقات تنمو وترقى مع الأيام. لقد كانت اجتماعاتي بسماحته مستمرة ولم ينقطع الاتصال وأنا خارج لبنان، اذ كان التراسل بيننا مستمراً، وكنت كلما عدت الى لبنان بإجازة أتشرف بزيارة سماحته. وكنت أكتسب منه في كل زيارة ما يغنيني، لكونه موسوعة من العلم والمعرفة.
كان خطيباً صاحب كاريزما يجذب اليه المستمعين الذين يرجون المزيد من الطروحات المتعددة والأفكار النيّرة، كما كان مواكباً للعصر، مطلعاً على الحداثة، محللاً للأحداث، صاحب قرار موضوعي عقلاني رصين، ورأي نيّر سديد.
ـ بودّنا أن تحدثونا عن بعض لقاءاتكم بالإمام الصدر ومجالسكم وبعض خواطركم؟
قام الإمام الصدر في العام 1967 بزيارة الى بلدان الانتشار في غرب أفريقيا مبتدئاً من نيجيريا، فزار غانا وشاطئ العاج والسنغال، وكانت سيراليون حيث كنت قائماً بأعمال لبنان فيها، المحطة الأخيرة في الرحلة. شاركت في تنظيم هذه الرحلة وبعثت برسائل للعديد من الإخوة المغتربين في هذه البلدان، وخاصة المغتربين في ليبيريا، أحثهم فيها على إقامة استقبالات تليق بالضيف الكبير. وكان كلما زار بلداً استقبلته رسائلي.
للمغتربين في قلبه محبة، وللمغتربين في عقله تقدير واحترام، وقد بادله المغتربون هذه المودة وهذا التقدير باستقبالات رائعة.. كما استقبله الرسميون في البلدان المضيفة استقبال الرؤساء والملوك.
كانت سيراليون كما أشرت المحطة الأخيرة في رحلته، وقد دامت إقامته فيها حوالى شهر، زرنا خلالها المغتربين في مختلف المدن والبلدان السيراليونية. وقد صادف وجود رئيس مجلس الإنقاذ (المجلس العسكري الذي كان يحكم البلاد عقب الانقلاب العسكري على النظام المدني) الجنرال جاكسون سميث في مدينة ماكيني التي كنا نقوم بزيارتها، وكانت الزيارة يوم جمعة، وقد طُلب الى سماحته ان يؤم المصلين.. وما إن تناهى الخبر الى علم الجنرال سميث (المسيحي) حتى حضر الى المسجد وشارك في الصلاة واستمع الى الخطبة التي كان يتولى أحد الأئمة ترجمتها الى اللغة الإنكليزية. وبمجرد أن انتهينا من أداء الفريضة تقدم الجنرال من سماحة الإمام وطلب مني أن أترجم له عبارات التقدير والاحترام والمحبة والغبطة والسرور. كما وجه دعوة لسماحته من أجل الحضور الى سيراليون خلال شهر رمضان من كل سنة لإلقاء مثل هذه المحاضرة القيّمة التي تدعو الى المحبة والتسامح والحوار وقبول الرأي الآخر والمؤاخاة بين البشر وعبادة الإله الواحد الأحد ربّ العالمين جميعاً.
وقعت حرب حزيران 1967 وسماحته في سيراليون، فأبرق الى رئيس الجمهورية (المغفور له) الأستاذ شارل حلو شاجباً هذه الحرب. كما تضمنت البرقية استشارة الرئيس بالعودة، فكان جواب الرئيس أن يستمر برحلته، لأن في ذلك فائدة وتعريفاً بالعدوان الإسرائيلي، ومطالبة الحكومات الأفريقية بدعم الحق العربي. كذلك أبرق الى الرئيس جمال عبد الناصر شاجباً وواضعاً نفسه في تصرف القضايا العربية.
لقد شاركت سماحته في المعتصمين في جامع الأمين ضد الحرب اللبنانية، وشاركت المعتصمين في البناء الذي أصبح الجامعة الاسلامية في لبنان عقب تغييبه ورفيقيه، وما زلت أحمل الهم كسائر المواطنين اللبنانيين حتى جلاء الحقيقة.
لا يتسع المجال لسرد الكثير من الأخبار والروايات والأحداث، ولكن لا بد من ذكر رواية قصيرة تعبر عما كان يكنه هذا الإمام الكبير من محبة للكبير والصغير على حد سواء. كانت ابنتي زينة في السنة الرابعة من عمرها لدى زيارة سماحته لسيراليون، وكانت العادة ان أصطحبها ووالدتها في نزهة الى شاطئ المحيط كل مساء. لكن وجود سماحته وانهماكنا بالاجتماعات والزيارات والمحاضرات حال دون ذلك، وكنت أجيب ابنتي في كل مرة تسألني عن تأخري في الحضور الى المنزل او مغادرته، ان لدينا اجتماعاً، حتى جاء يوم وقد نفد صبرها فسألتني وأنا أحضر نفسي لمغادرة المنزل: الى أين أنت ذاهب (كل ذلك بلغة الكريول)؟ فأجبتها: الى الاجتماع، عند ذاك صرخت بي: أما حان الوقت كي يغادر هذا الاجتماع سيراليون؟ التقيت بسماحته ورويت له ما جرى بيني وبين زينة، فغمره الضحك وأجابني: إنها على حق، وقد أطلق عليها اسم "الاجتماع"، فكان يسألني عن "الاجتماع" وأحوالها المدرسية كلما التقيت بسماحته. وكانت قد توطدت صداقة متينة بينه وبينها أثناء إقامته في سيراليون.
تركت زيارته الى المغتربين في بلدان أفريقيا أثراً طيباً، حيث دعا الى وحدة الصف وجمع الكلمة، كما دعا الى اللحمة بين جناحي لبنان المقيم والمغترب. لقد كانت زيارته بمثابة قارورة من العطر، نفد العطر من القارورة، لكن شذاه بقي عابقاً في الأجواء.
جرى تغييب الإمام، لكن حضوره قائم في عقولنا وقلوبنا.
حاوره: حسين رحال
حسن نعيم