ارشيف من : 2005-2008
غياب شارون: تداعيات إقليمية

حتى كتابة هذه السطور، لم يكن مصير رئيس حكومة العدو أريئيل شارون قد اتضح بعد، إلا أن الذي بات من المؤكد انه سيغيب عن الساحة السياسية حتى مع عدم موته، إذ مهما كان مصير شارون، سواء بقي على قيد الحياة ام مات، فقد أصبح انتهاء دوره السياسي امرا محسوما، وبالتالي بدأنا في لحظة ما بعد شارون على كل المستويات، ومن بينها التداعيات الخاصة على الساحة الإقليمية التي ترتبط بالبديل الذي سيأتي من بعده، والذي يمكن المجازفة بالجزم انه محصور بين رئيس حزب العمل عامير بيرتس، ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو.. وكلا الشخصيتين كبديلين عن شارون، تحديد خاص لوجهة الحراك والمقاربة الإسرائيلية تجاه مواضيع الساحة الإقليمية..
فلسطينيا:
سيشكل فوز عامير بيرتس برئاسة الحكومة الإسرائيلية، تزخيما للرهان على تحريك مسار التسوية على المسار الفلسطيني، خاصة ان بريتس نفسه اعلن انه غير ملزم بخارطة الطريق ومراحلها، وانه في حال فوزه في رئاسة الحكومة سينتقل مباشرة إلى مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين (اللاجئين، القدس، المستوطنات والحدود).
لكن في المقابل لا نستطيع القول إلى الآن، على الرغم من الرهانات التي سيرتفع منسوبها والأجواء التي ستثار في حال فوزه، ان بيرتس يستطيع تنفيذ ما يعلنه، إذ ان المسألة مرتبطة أيضا بحجم عدد المقاعد وقوته البرلمانية وقوة الأطراف التي سيأتلف معها.. ما يعني انه سيكون مضبوطا بما يسمى موارد الاجماع القومي الإسرائيلي اليهودي (وحدة مدينة القدس، عدم عودة اللاجئين، عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 67)، مع إمكانية المناورة في بعضها، كالـ"تنازل" عن أحياء عربية في الشطر الشرقي من مدينة القدس، والانسحاب من جزء من المستوطنات دون الكتل الكبيرة منها..
الخلاصة هي انه في حال فوز بيرتس برئاسة الحكومة الاسرائيلية، أي فوزه بأكبر عدد من المقاعد نسبة لمقاعد الأحزاب الأخرى، فإن إمكانية توصله إلى اتفاق مع الفلسطينيين لا ترتبط به كشخص يتولى رئاسة الحكومة، بل ترتبط بحجم أعضاء الكنيست من اليسار عامة، وطبيعة الائتلاف الذي سيشكله، إضافة إلى موقع التيارات الدينية فيه.. الأمر الذي قد يعيد بيرتس إلى واقع ايهود باراك في العام 2000، ما يعني ان اجواء الفشل الذي شهدتها قمة كمب ديفيد قد تتكرر معه.
في المقلب الاخر، وفي حال فوز رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، فسيتميز بمواقفه المتشددة قبالة الفلسطينيين، وفي أحسن الأحوال سيعلن التزامه بخارطة الطريق مع تمسكه الشديد بالتحفظات الـ14 التي تنهيها عمليا... كما انه سيتشدد أيضا في عدم تنفيذ أي انسحابات احادية الجانب إضافية عما نفذه اريئيل شارون (الانسحاب من قطاع غزة)...
فيما خص حراكه السياسي والامني بشكل عام، يمكن القول انه سيعمد إلى ما يسميه بالتبادلية مع الفلسطينيين، والتي ستكون حادة جدا في محاولة لابتزاز السلطة الفلسطينية ودفعها نحو تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها وشل حركتها..
اما لجهة قضايا الوضع الدائم (اللاجئين، القدس، المستوطنات والحدود)، فالمتوقع ان يعتمد نتنياهو موقفا متشددا جدا فيها، إضافة إلى رفضه اصل قيام الدولة الفلسطينية التي كان شارون قد اعلن عن تقبلها، مع التقدير انه في ظرف الضغط الدولي والاميركي تحديدا، قد يشهد حراكه انزياحا ما مقابل تنازلات حادة من الفلسطينيين..
وفي الخلاصة، ستشهد الساحة على المسار الفلسطيني مراوحة سياسية على صعيد التسوية، وتشدداً امنياً واسعاً.. في حال فوز بنيامين نتنياهو برئاسة الحكومة الإسرائيلية.
سوريا:
لا تعتبر مقاربة الطرفين للمسألة السورية مقاربة واحدة، إذ هناك اختلاف بينهما (نتنياهو وبيرتس) اقله من ناحية نظرية، فنتنياهو يرى ان سوريا هي اضعف مما كانت عليه عام 2000، عندما عرضت تسوية كلينتون - باراك في جنيف على الاسد الاب، وبالتالي يرى وجوب الذهاب نحو املاء الشروط السياسية والامنية عليها تناسبا مع قراءته لوضع القوة والقدرة السورية في هذه الفترة.
بيرتس من جهته، اعلن بعيد فوزه برئاسة حزب العمل انه ينوي احياء المفاوضات مع السوريين في حال فوزه برئاسة الحكومة.. لكن يشك كثيرا ان يستطيع تنفيذ رؤيته النظرية وترجمتها عمليا، نتيجة تعقيدات المسألة السورية التي لا تنفرد "إسرائيل" في تحديد الحراك تجاهها، إذ يدخل العامل الأميركي بقوة عليها، ناهيك عن تعقيدات الوضع الداخلي في "إسرائيل" نفسها حيث يجنح الجمهور نحو اليمينية في كل ما يتعلق بالمسألة السورية في الفترة الاخيرة.
إيرانيا:
لم يبرز أي مقاربة لافتة من قبل عامير بيرتس للموضوع النووي الإيراني، لكن يمكن الوقوف على كلام بنيامين نتنياهو الذي هدد بتدمير المنشآت النووية الإيرانية في حال فوزه.. وبالتالي هناك فرصة في حال فوزه في ان يتم التأكيد بأن المواقف التي اطلقها تجاه إيران لم تكن سوى مزايدة انتخابية على مواقف شارون.. لان اصل المسألة الإيرانية في الحسابات الإسرائيلية مرتبط بالقدرات والامكانيات الإسرائيلية، وقدرات الرد الإيراني والموقف والخيارات الاميركية.. وهي مسألة تبقى "إسرائيل" فيها مفردة واحدة بين لاعبين كثر..
لبنانيا:
لا تعتبر الساحة اللبنانية موضع سجال انتخابي إسرائيليا، وبالتالي ستبقى مراهنات الإسرائيلي، اياً كانت الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، محكومة بالسقف الأميركي والتطلع إلى نجاح مقاربة الإدارة الأميركية لمعالجة سلاح حزب الله تحديدا.. وبالتالي لا يتوقع ان تشهد المقاربة الإسرائيلية أي تغيير ملموس على الحلبة اللبنانية.