ارشيف من : 2005-2008
في رسالة يوم الحرية، سمير القنطار: تحييد قضيتنا من النقاش الدائر هذه الأيام خيانة وطنية

في الذكرى الثانية لتحرير دفعة من الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الاسرائيلي وجه عميد الاسرى سمير القنطار رسالة الى اللقاء التضامني مع الاسرى الذي اقيم في دار نقابة الصحافة حيث تلا شقيق عميد الاسرى بسام الرسالة والتي جاء فيها:
ألتقي معكم بعد سنتين على عملية تبادل الأسرى، هذه العملية التي نتج عنها إطلاق سراح مجموعة من الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب. ألتقي معكم وأنا أستعيد في مخيلتي كافة الظروف التي عشتها منذ لحظة اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرار استثنائي من هذه الصفقة حتى هذه اللحظة.
لقد شهدت هذه المرحلة الكثير من التغيرات على كافة المستويات، فعلى المستوى الشخصي شكلت هذه المرحلة نقطة تحول جذرية في مسيرة اعتقالي الممتدة منذ العام 1979 حيث شهدت ارتفاع نسبة الضغوط النفسية والمعنوية تجاهي من قبل إدارة السجون وهو أمر مرده ارتفاع حملة التحريض الإعلامي الواسعة ضدي قبل وأثناء وعقب عملية التبادل. كما تخللتها مشاركتي في الإضراب التاسع عن الطعام الذي دام 19 يوماً مارست خلاله مديرية السجون سلسلة من الإجراءات القمعية منذ لحظة بدء الإضراب، حيث عمدت إلى عزلي في سجن أوفيك في زنازين انفرادية تفتقر إلى شروط الحياة الإنسانية إلى أن تم نقلي إلى سجن الجلمة ومن ثم استقر بي الامر في معتقل هداريم حيث أنا اليوم. كل ذلك عزز من قناعتي بأن رحلة نضالي داخل المعتقل كواحد من رعيل الحركة الأسيرة يجب ان تستند الى المزيد من الاستعداد النفسي والمعنوي وتصليب الإرادة ورفض خضوعي أمام السجان مهما تعرضت للضغط والتهديد والعزل والتجويع والتعذيب. لكنني أيضاً اود ان اشير الى ان هذه الفترة قد شكلت مناسبة لتعرف الناس على مسيرتي النضالية عن كثب جراء الخطوة الإسرائيلية المتمثلة برفض إطلاق سراحي.
انني اشعر اليوم بأني اسكن في عقول وقلوب كل الشرفاء وهو امر أعتز وأفتخر به، ولكنني في نفس الوقت أؤكد انني كنت ولا ازال جزءاً لا يتجزأ من الحركة الأسيرة التي تضم العشرات من المناضلين خصوصاً رفاقي وإخوتي الأسرى القدامى الذين امضوا في المعتقلات فترات طويلة من الزمن.
أما على المستوى السياسي فلقد شهدت هذه الفترة تحولات جذرية على المستوى الوطني شهدنا آخر فصولها مع مطلع العام الحالي بحيث باتت قضية الأسرى والمعتقلين في مهب الرياح والقرارات الدولية كجزء لا يتجزأ من النقاش الدائر حول المقاومة وجدوى استمرارها. وهنا لا بد لي أن اطرح سؤالاً بغاية البساطة والوضوح. هل من البراءة او السذاجة او سوء النية أن يتم عزل وتحييد قضية الاسرى عن هذا النقاش أو المرور عليها مرور الكرام؟ أعتقد ان الاجابة عن هذا السؤال ترتبط بشكل مباشر بالغاية والهدف من النقاش الدائر هذه الأيام حول موضوع المقاومة وسلاحها. لقد بات واضحاً ان تجاهل وتحييد قضية الاسرى من النقاش من قبل العديد من الاطراف والقوى يستند الى عدم وجود نقاط ضعف فيها، لأن النقاش اليوم لا ينطلق عند البعض من الحرص الوطني على المقاومة بل هو يسعى لاهثاً للبحث عن نقاط الضعف كمرتكز لتبرير المواقف الملتبسة من المقاومة وجدوى استمرارها وهؤلاء يجدون في قضية مزارع شبعا ضالتهم بحيث تتغطى على هذه القضية مسائل مرتبطة بالاعتراف والترسيم وإثبات لبنانيتها وبالتالي يجري استغلال هذه النقاط لشن حملة شعواء على المقاومة كمقدمة لبحث موضوع نزع سلاحها. لذا أجدني اليوم مضطراً لأن اقول ان تجاهل قضية الاسرى وتحييدها من النقاش الدائر هذه الأيام هو خيانة وطنية لن اقبلها. نعم إن التجاهل في الماضي ربما كان يصنف في خانة التقصير أو الهفوة لكن اليوم فإن التجاهل لهذه القضية عن سبق الإصرار والتصميم هو جريمة وطنية وإنسانية ترتكب بحق الذين ضحوا بأجمل سنوات العمر من اجل الوطن ومن اجل ان يعيش انسان هذا الوطن بعزة وكرامة وحرية في أرضه.
في هذه المناسبة أجدد التأكيد على ضرورة التمسك بثوابتنا الوطنية والتي أساسها عروبة ووحدة وديموقراطية لبنان واستمرار مقاومته للمشروع الصهيوني للمنطقة وبقاؤه القلب النابض للعروبة، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة استمرار المقاومة كجزء من حركة النضال الوطني لتحقيق الأهداف الوطنية التي يأتي في مقدمتها تحرير الأسرى وتحرير ما تبقى من ارض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وحماية لبنان من العدوان الإسرائيلي المستمر منذ لحظة إنشاء هذا الكيان عام 1948.
أغتنم هذه المناسبة لأوجه إلى الشعب الفلسطيني تحية المحبة والتهنئة بعرس الديمقراطية التي لا يمكن الا ان تكون صنو المقاومة وشريكها في معركة النضال من اجل بناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأتوجه الى الاخوة في حركة حماس بالتهنئة على النجاحات التي حققوها مجددا دعوتي جميع القوى الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح الى التضامن والتكاتف من اجل مواجه جميع الأخطار المحدقة بفلسطين ومواجهة الصلف والعنجهية الإسرائيلية التي اعتقد أنها ستشتد في قادم الأيام.
ختاماً أجدد ثقتي بالمقاومة الباسلة التي تعمل ليل نهار من اجل حريتي وحرية رفاقي، ودماء الشهداء ملحم سلهب ومحمد الموسوي وعلي فرحات ووسام بواب ويوسف بركات دليل ساطع على جدية الالتزام بالعهد والوعد، وإنني واثق أن يوم الحرية وعودتي إلى ارض الوطن التي لونتها دماء شهدائنا الإبرار حتمي، لكنني أتطلع إلى هذا اليوم وكلي أمل بأن يكون لبنان قد تعافى من عضال الطائفية التي تنخر جسمه، وان تعزز الوحدة الوطنية بين جميع أبنائه على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات وبناء الدولة، وان يعيد إنتاج نظامه السياسي وفق قواعد الكفاءة والنزاهة والشفافية ورفض كل أشكال الفساد والمحسوبية.
تحية الحرية في يوم الحرية
أطيب تمنياتي
معتقل هداريم، فلسطين