ارشيف من : 2005-2008

نهاية عهد شارون تفتح مرحلة جديدة من التشكيك

نهاية عهد شارون تفتح مرحلة جديدة من التشكيك

كتب توفيق المديني‏

مع إحتمال غياب رئيس الحكومة أرييل شارون من المسرح السياسي بعد أن تعرّض لأزمتين دماغيتين في فترة زمنية قصيرة خلال أسبوعين ونصف ،أعيد إدخاله على أثرهما إلى المستشفى لتلقي العلاج، سيجعل من الصعب عليه العودة إلى منصبه حتى وإن تجاوز بسلام العلاج الطبي واستعاد عافيته.‏

وأكثر من ذلك، حتى وإن شُفي، سيجد صعوبة بالغة في اقناع الجمهور بقدرته على أدائه مهامه لأربع سنوات أُخرى.‏

فهل إن نهاية عهد شارون الذي وصل إلى نهايته المأساوية، سيفتح مرحلة جديدة من التشكيك عند العرب حول مستقبل عملية السلام؟‏

ليست هذه المرة الأولى، التي يتعرض فيها مسلسل عملية السلام الذي انطلق منذ عام 1991، إلى أزمة حقيقية، بالنظر إلى التعقيدات البنيوية الملازمة له.فعندما صعد شارون إلى سدة رئاسة الحكومة الصهيونية، في فبراير عام 2001، اعتقدت السلطات العربية أنه من الصعب أن يوجد محاورا أسوأ منه في الكيان الصهيوني.‏

بيد أن المفارقة الآن تكمن، أنه مع غياب شارون من المسرح السياسي ، أصبحت الحكومات العربية متخوفة من عودة جديدة لرئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة ، وهي العودة التي سوف يسعى من خلالها زعيم الليكود لتحريك الحزب إلى ناحية يمين الوسط.‏

وبالمقابل ، ليس شارون في نظر الحكومات العربية رجل سلام ،فهو يظل الرجل الذي أمر وأشرف على ارتكاب مذابح صبرا و شاتيلا عام 1982. و هو الرجل أيضا الذي قام بزيارة استفزازية للحرم القدسي الشريف في شهر سبتمبر عام 2000، الأمر الذي أشعل شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية .‏

ويظل شارون في الذاكرة الجمعية العربية، الرجل الذي وضع الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات في عزلة تامة في المقاطعة برام الله، ونجح في جعله منبوذا من القوة العظمى الرئيسة الفاعلة في الشرق الأوسط ألاوهي الولايات المتحدة الأمريكية.‏

بعد خمس سنوات من ترؤسه الحكومة الصهيونية محققا قدرا كبيرا من الاستقرار، استطاع آرييل شارون أن يحظى خلالها بشعبية كبيرة في أوساط المجتمع الصهيوني، التي أحبته، و أرادت الحفاظ عليه لولاية اضافية، بحسب كل الاستطلاعات،أن يقوم بعملية انسحاب أحادية الجانب من قطاع غزة. وبعد أن تعززت مكانة شارون على المستويين الداخلي والدولي ، في أعقاب التنفيذ الناجح لفك الارتباط أصبح قادة العالم، و حتى بعض القادة العرب الذين تحفظوا عنه في السابق، مقتنعين أنه الرجل الوحيد القادر على تحقيق التسوية السياسية أو تنفيذ انسحاب آخر من المناطق الفلسطينية. لكن تغيير القيادة سيحول السياسة الصهيونية إلى لغز كبير، وسيثير بالطبع قدراً كبيراً من القلق والإرباك في العالم، لا سيما عند مجمل البلدان العربية وكذلك عند الفلسطينيين، الذين يتساءلون الآن إن كانوا سيدفعون الثمن عبر توسع المستوطنات في الضفة الغربية، ووأد إنشاءالدولة الفلسطينية.‏

وينبع هذا التخوف من الأسباب التالية:‏

اولا:إن تدهور الوضح الصحي لشارون ترك الكيان الصهيوني في وضع حكم غريب وهش، إلى أن يقوم الوزير ايهود أولمرت بمقام رئيس الحكومة الانتقالية. فهذا الرجل القريب من شارون، و البالغ من العمر 60 عاماً يترأس الآن الحكومة الانتقالية عشية الانتخابات التشريعية. وكان وفائه لزعيم اليمين الكلاسيكي الصهيوني، و دعمه غير المشروط لشارون عقب الانسحاب من غزة، قد جعلا منه رجلا سياسيا من الصف الأول.‏

بيد أنه ليس مؤكداً أن تكون له الكاريزما والقوة السياسية الكافيتين لكي يفرض نفسه زعيما لحزب كاديما، عبر تعويضه لشارون.فهو فوق ذلك ، مطالب أن يخوض معركة ضد منافسين محتملين لرئاسة حزب كاديما: وزيرة العدل الحالية تزيبي ليفني، المرأة الأكثر تأثيرا في محيط شارون ، ووزير الدفاع شاوول موفاز، وهما مؤديان للإنسحاب من بعضالأراضي في الضفة الغربية من أجل المحافظة على الطابع اليهودي لدولة "إسرائيل".‏

ثانيا: بصرف النظر عن الزعيم البديل لحزب كاديما، الذي يفتقد للمؤسسات ومن دون جهاز عمل، فإن المعركة لن تكون سهلة..فحزب كاديما تم خلقه كتشكيلة سياسية من قبل رجل واحد ومتمحورة حول شارون، الذي استقطب رجالا و نساء قدموا من آفاق سياسية متنوعة.وغياب شارون، سيظهر على الملأ غياب البرنامج السياسي القادر على تجميع أصوات الناخبين ، المتعاطفين معه. وكان شارون قد تعمد الغموض بشأن مقاصده السياسية في حال تمت إعادة إنتخابه من أجل كسب مزيد من الأصوات من اليمين و اليسار. وفي كل الأحوال فإن الحزب سيشهد هبوطا متواصلا إلى ان ينتخب رئيسه ثم سيقرر البرنامج السياسي الذي سيضعه رئيس الحزب في قوته وشعبيته. ويقف الحزب أمام مهام صعبة لاقناع الجمهور بقدرته على الاستمرار في نهج شارون من خلال برنامج عمل سياسي يواصل طريق شارون وطروحاته الامنية والاجتماعية.‏

ومن المشكوك فيه، أن ينتخب شيمون بيريز الذي جسد القطيعة مع حزب العمل والتحق بحزب شارون، رئيسا لحزب كاديما . هناك كتلة كبيرة من الليكود التي انضمت للحزب تأييدا لشارون وترى بأولمرت المرشح الافضل والمناسب لرئاسة الحزب، أما اذا حصل بيريز على الرئاسة فذاك يعني ليس فقط إضعاف الحزب وتراجع شعبيته انما تفكيكه لانسحاب الكثيرين من اعضائه ممن يريدون اولمرت رئيسا قادما للحكومة الصهيونية.‏

ثالثا:إن الكتلة الانتخابية من اليمين، التي انضمت إلى حزب كاديما، بعد الانشقاق الذي حصل في حزب الليكود، يمكن أن تعود ثانية إليه ،لاسيما أن العديد من عناصر الليكود التي سارعت بالانضمام إلى "كاديما" من المرجح أن تراجع نفسها، وتعود إلى قواعدها. وسيستفيد زعيم حزب الليكود الجديد بنيامين نتنياهو، الذي تراجع إلى المرتبة الثالثة في الخريطة السياسية الصهيونية بعد إنشاء حزب كاديما، من عودة هذه القواعد المحملة بما تعتنقه من أفكار هي في حقيقتها على يسار أيديولوجيات الليكود، ووقتها قد يجد "الليكوديون"أنفسهم أمام مراجعة واقعية لكثير من أفكارهم".‏

ومن جانب آخر، فإن الناخبين من يسار الوسط الذين أيدوا شارون عقب انسحابه من غزة، و انضموا لحزب كاديما، يُخشَى منهم أن يتركوا هذا الحزب الذي أصبح فاقدا لعموده الفقري.و يمكن لحزب العمل أن يستفيد منهم ، لتاجيل سقوطه الحالي، الذي تتنبأ به استطلاعات الرأي.‏

2006-10-28