ارشيف من : 2005-2008
عجز إسرائيلي عن تدمير المشروع النووي الإيراني(*)

الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1119 ـ 22 تموز / يوليو 2005
المعلومات عن المشروع النووي الإيراني ضئيلة جداً.. سلاح الجو غير قادر على قصف المفاعلات النووية هناك.. أميركا لا تريد قصفها.. من الصعب الاعتماد على أوروبا.. الرئيس الجديد لطهران ليس من جماعتنا.. لا يوجد لدى "إسرائيل" في الواقع قدرة على ضربة ثانية، وهي غير قادرة على البقاء اذا تعرضت لهجوم نووي.. إلا أن الأخبار الجيدة: لا يعني هذا الكلام أننا بلغنا نقطة اللاعودة.
هنري كيسنجر قلق جداً.. توقعاته تجاه الآثار التي ستترتب على المشروع النووي الإيراني قاسية وسوداوية بما فيه الكفاية، حيث سُمع في شهر نيسان خلال لقاء ضم في محادثات غير رسمية قادة دول سابقين ومدراء شركات دولية وخبراء مختلفين.. كيسنجر قال إن التفكير بما هو مطلوب من الغرب ان يفعله من أجل كبح ايران ومنعها من الحصول على سلاح نووي قض مضجعه..
وفقاً لكيسنجر، إضافة إلى الآثار التدميرية على الشرق الأوسط، أيضاً الآثار على العالم الغربي ستكون غير محتملة، باعتباره داعماً بحماسة للدبلوماسية المعتمدة على القدرة العسكرية، يعتقد انه على الغرب الاتحاد بهدف إيجاد ضغوط ناجعة على إيران.. ولكن وفقاً لتقديره فإيران لن ترتدع بالضغوط الدبلوماسية، وينبغي اتخاذ ضغوط اقتصادية، بما فيها الحظر النفطي، ضدها. الانتظام لمسار كهذا ـ وفقاً لمنهجه ـ كان ينبغي ان يحصل سابقاً.
لا يوجد توازن رعب
انتخاب رئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد ممثل الدوائر المحافظة، عزز المخاوف في "إسرائيل" والغرب من ان تملك ايران خلال سنوات معدودة سلاحاً نووياً.. يقول الدكتور عوزي أراد الذي يجد صعوبة في فهم لماذا في الوقت الذي من الممكن أن يحصل فيه الإيرانيون على سلاح نووي تُسخر الحكومة كل مواردها من أجل فك الارتباط! يقول أراد: "بالطبع ينبغي أن ننظر بخطورة كبيرة إلى إمكانية أن تحصل إيران على سلاح نووي.. التاريخ سيحدد إذا كان سلّم الأولويات صحيحاً أو أنه هفوة استراتيجية عميقة".. كما يقول من كان في الماضي المستشار السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس شعبة الدراسات في الموساد، وحالياً مستشار لجنة الشؤون الخارجية والأمنية التابعة للكنيست ورئيس معهد السياسة والاستراتيجية في المركز المتعدد المجالات في هرتسيليا: "تقديري نابع ليس فقط من كوني إسرائيلياً، وإنما كشخص يُحلِّل ويدرس المسارات الاستراتيجية في العالم والمنطقة".
ما الذي يمكن ان يحدث في المنطقة اذا حصلت ايران على سلاح نووي؟
"بعيداً عن التحدي الاستراتيجي البارز الذي تمثله إيران النووية أمام "إسرائيل"، سيؤدي الأمر الى تصليب المواقف الفلسطينية والعربية، وسيمس بفرص التوصل إلى تسويات".
في الواقع هذا هو الرأي السائد وسط الخبراء.. في حين أن هناك رأياً لأقلية من الخبراء الذين لا يتجرأون على كشف أسمائهم، وفقاً لفهمهم، في حال وجود ايران نووية سيتحقق في المنطقة مساواة ردعية في مقابل "إسرائيل".. بالمصطلحات المستمدة من نظرية الاستراتيجية النووية التي ارتكزت على شبكة العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في ذروة الحرب الباردة، وضع محتمل كهذا يُسمى "توازن رعب".
ولكن عضو الكنيست إفرايم سنيه (نائب وزير الدفاع إيهود باراك سابقاً) من حزب العمل يرفض إمكانية تحقيق نموذج توازن الرعب في الشرق الأوسط.. "لا يمكن أن يكون هناك ردع استراتيجي حقيقي بين "إسرائيلط وإيران، لأنه من المطلوب لردع كهذا أن يكون هناك تناسب.. ولا يوجد بين الدولتين تناسب.. لا على مستوى المساحة ولا على مستوى السكان ولا في طابع أجهزة اتخاذ القرارات.. قدرة امتصاص إيران ـ كما قال رفسنجاني نفسه في إحدى المناسبات ـ لا تقاس بما لدى "إسرائيل". وعندما يكون من السهل النيل منا لا يوجد ردع حقيقي".
كيف سيؤثر السلاح النووي على الوضع الاستراتيجي لـ"إسرائيل"؟
1 ـ "ستجد إسرائيل صعوبة في إدارة مفاوضات حرة على مصالحها الحيوية مع الدول العربية، لأنه في مقابلها سيكون هناك قوة ابتزاز إيرانية. على سبيل المثال مع سوريا في هضبة الجولان، الإيرانيون سيقولون للسوريين لا تتنازلوا وسنقف خلفكم بقدراتنا النووية.
2 ـ "في أي توتر سيفضل إسرائيليون كثيرون أن لا يكونوا هنا.. الخوف سيدفعهم إلى ترك "إسرائيل".. "مسارات صناعة القرارات في "إسرائيل" ستتأثر بالتهديد الإيراني، حتى لو أن رئيس الحكومة أو الحكومة كلها لم يعترفوا بذلك.. ليس لدي أدنى شك في أنه لن يكون لدى الحكومة حرية عمل تامّة في ظل التفكير بأن لدى إيران قنبلة (نووية). حالياً هذا يحدث بصورة مصغرة في شمال البلاد. حقيقة أن حزب الله نشر 12.000 صاروخ كاتيوشا موجهة باتجاه "اسرائيل" أوجد ما يشبه توازن رعب معطَّلاً يصعّب علينا اتخاذ القرارات. عندها تصوروا كيف ستُتخذ قرارات عندما يكون موجهة نحو إسرائيل صواريخ نووية".
ويقول عوزي أراد: "اذا تحولت إيران الى دولة نووية فإن لذلك أبعاداً أوسع تتجاوز تأثيراتها النزاع الإسرائيلي ـ العربي. إيران ستتحول إلى الدولة المهيمنة في الأوبك، وستتخذ خطاً متصلباً وصقورياً في موضوع أسعار النفط. ارتفاع أسعار النفط سيضر باقتصاد الغرب.. وهذا هو الحلم المرعب للمستهلكين الكبار للنفط.
لا يوجد ذراع طويلة
الخوف من سحق قدرة الردع حرَّك "اسرائيل" منذ أكثر من عقد للبحث عن حلول جديدة، ولكن في ما يتعلق بالاستراتيجية النووية في العالم من الصعب إيجاد العجلة، وأغلب الأفكار مصدرها الحرب الباردة. بعيداً عن توازن الرعب يوجد أيضاً "القدرة على الضربة الثانية".. تطوير وسائل للرد بضربة ثانية حتى بعد تلقي ضربة أولى.. من أجل ذلك ينبغي ضمان بقاء السلاح النووي، أو عبر مخزون من الصواريخ والقنابل في مخازن تحت الأرض محصنة من هجوم نووي، أو عبر المحافظة عليها في أماكن مخفية من غير الممكن كشفها. وفقاً لمنشورات أجنبية تحتفظ "إسرائيل" برؤوس حربية نووية تُركب على صواريخ "أريحا ـ 2" في منطقة سرية في منطقة جبال القدس قرب مستوطنات زخريا وسدوت ميخا وبواخا وبيت شمش.
أيضاً هناك طريقة مقبولة في العالم لضمان المحافظة على الأسلحة النووية عند التعرض لهجوم نووي، هو في تحويل غواصات إلى منصات إطلاق صواريخ نووية، لأنه من الصعب اكتشاف غواصة مختبئة تحت الماء. ووفقاً لمنشورات أجنبية، فإن أحد أسباب امتلاك "إسرائيل" غواصات حديثة من نوع "دولفين" من ألمانيا وتطوير صواريخ بحرية ترتكز على نموذج "أريحا" و"شابيط"، هو الرغبة في تطوير القدرة على توجيه ضربة ثانية. ولكن خبراء بحريين أجانب يشككون في أن تنجح "إسرائيل" في الحصول على قدرة كهذه، وأن تكون ناجعة في تحقيق التفوق الردعي. ووفقاً لكلام الخبراء أنفسهم: من أجل توفير القدرة على ضربة ثانية بشكل يوازي الاستمرار في مهمات الأمن الجاري والقتال التقليدي في البحر، يوجد حاجة على الأقل لتسع غواصات.. ويوجد شك كبير في أن تتمكن "اسرائيل" التي تعتبر مواردها ضئيلة ـ في هذه الأيام تتوسل إسرائيل من ألمانيا تزويدها بغواصة أخرى من طراز دولفين ـ ذات يوم من الوصول إلى القدرة المطلوبة.
الصعوبات على ما يبدو في توفير القدرة على ضربة ثانية ناجعة ليست هي السبب الوحيد للقدرة المحدودة لـ"اسرائيل" على معالجة التهديد النووي الإيراني.. خبراء عسكريون اسرائيليون في "اسرائيل" وخارجها يقدرون انه ليس لدى سلاح الجو الإسرائيلي القدرة العسكرية المطلوبة لتدمير المواقع الإيرانية عبر ضربة وقائية تحبط عملية التسلح النووي الإيراني.. هذا التقدير مبني على عدة حقائق: الإيرانيون استخلصوا العبر جيداً من قصف سلاح الجو المفاعل النووي العراقي ونشروا منشآتهم النووية في أنحاء الدولة، بما في ذلك الشرق البعيد جداً عن "إسرائيل"، ووضعوا المعامل والمنشآت الأكثر حيوية في مخازن تحت الأرض محصنة على نحو جيد.
قبل حوالى ثلاثة أسابيع ادعت "لوس أنجلس تايمز" أن غرف التحصين في معمل أجهزة الطرد المركزي الغازي لتخصيب اليورانيوم في نتانز الواقعة على بعد حوالى 250 كلم جنوبي طهران، بُنيت في أعماق الأرض ومحصنة بباطون مسلح بسماكة ثمانية أمتار وبطبقات أرضية محصنة من اختراق القذائف والصواريخ. ليس لدى سلاح الجو قدرة استراتيجية حقيقية على قصف أهداف بعيدة.. ومن أجل ذلك من المطلوب عمليات قصف بعيدة المدى قادرة على حمل تسليح من نوع "مدمرات خنادق محصنة" و"كاسحات الأنفاق المحصنة"، تكون ذات قدرة على تنفيذ "قصف ماسح" يُمطر فيها الهدف بقنابل وزن 40 طناً.
أي متحدث إسرائيلي رسمي لن يعترف بذلك.. ولكن أغلب الخبراء متفقون في الآراء على انه لا يوجد في الواقع لدى "إسرائيل" خيار عسكري واقعي وناجع للعمل بقدرتها ووحدها ضد إيران.. هذا الاعتراف يُرعب المؤسسة العسكرية ـ السياسية، وهذا أحد أسباب التغيير الذي اتسمت به السياسة الإسرائيلية. فخلال سنوات وحتى قبل عدة أشهر، كنا نسمع تصريحات ملتهبة لجنرالات قادة سلاح الجو ووزراء حول موضوع "الذراع الطويلة"، وأن لـ"إسرائيل" القدرة على الضرب في أي مكان في ايران.. ولكننا لم نسمع بكلام بهذا المعنى تقريباً..
يقول د. افرايم اسكولاي وهو باحث رفيع في مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، خدم حتى تقاعده في العام 2001 في سلسلة مناصب رفيعة في لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية: "ألحظ تغييراً في الموقف الإسرائيلي.. رأيي الشخصي كان دائماً ان المشروع النووي الإيراني ليس فقط مشكلة لـ"إسرائيل"، وإنما مشكلة عالمية أيضاً"..
في الفترة الأخيرة انخفض استخدام مصطلح "نقطة اللاعودة" التي كانت محبوبة من قبل رئيس "أمان" اللواء أهارون فركش زئيفي.. ويشرح اسكولاي: "التاريخ يعلمنا عن دول وصلت إلى قدرة تكنولوجية تمكنها من الحصول على قدرات نووية ولم تفعل ذلك مثل: السويد واليابان والأرجنتين والبرازيل.. وهكذا ـ حسب رأيي ـ أيضاً ما يُعتبر نقطة اللاعودة من الممكن أن يكون له عودة.. وبالعكس".
(*) هآرتس/ يوسي ميلمان/ معلق الشؤون الأمنية/1/7/2005.