ارشيف من : 2005-2008
فشل التقديرات الاستراتيجية للإستخبارات العسكرية الإسرائيلية

الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1121 ـ 5 آب/أغسطس 2005
ليس الهدف من نشر ترجمة هذا المقال محاولة الاستهانة بقدرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وانما يمكن تلخيص الهدف بأنه محاولة لوضع الشيء في نصابه وعدم المبالغة في قدرات العدو التي ثبت خلال تجربتها في مواجهة المقاومة الإسلامية في لبنان أنها تمتلك الكثير من نقاط الضعف.
ما ينبغي الالتفات إليه هو أن الفشل المُشار إليه في هذا المقال مرتبط بالتقديرات الاستراتيجية وليس التكتيكية، ولكن على الرغم من حالات الفشل هذه لم نلحظ في العديد منها أي محاولة من قبل الأنظمة العربية لتثمير هذه الرؤى والأخطاء لمصلحة القضايا العربية والإسلامية، بل ان الدولة التي ارتكبت هذا القدر من الأخطاء كانت في غالب الأحيان هي المنتصرة في صراعاتها مع الجيوش النظامية.
سبق أن تم الرد على هذا المقال من قبل رئيس وحدة الأبحاث السابق اللواء "افيعزر يعري" ولكنه لم ينكر بشكل عام اغلب ما ورد على انه أخطاء استراتيجية لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وانما تم تناولها على أنها أخطاء طبيعية كونها محاولة تقدير للمستقبل الذي من الصعب الجزم به..
ينبغي نقل المسؤولية حول تقدير الاستخبارات القومية من شعبة الاستخبارات العسكرية "امان" إلى جهاز مدني.
"امان" هي جهاز استخبارات عسكري لا يوجد له مثيل له في أي دولة أخرى في العالم. وهو جهاز مكلِف وغني بالموارد. لديه منظومة جمع معلومات لا شائبة فيها وناجحة، تم بناؤها خلال سنوات، ومرة تلو الأخرى اثبت هذا الجهاز نفسه كصاحب قدرة جيدة وفعالة في مجال الاستخبارات التكتيكية. ولكن جوهرة تاج عمل "امان" هي التقدير الاستراتيجي ـ تقدير الاستخبارات القومية لإسرائيل. في هذا المجال فشلت "امان" مرة تلو الأخرى، ويكفي الإمعان في سجل هذا الجهاز من اجل فهم إلى أي مدى كان فاشلاً، والى أي مدى ينبغي إجراء تغيير عنيف في الوضع.
في الخمسين سنة الأخيرة من الممكن أن نُشخِّص اكثر من 12 تطوراً إقليمياً أثرت بشكل جوهري على مستوى الأمن الوجودي لإسرائيل بشكل سلبي أو إيجابي.
هذه هي التطورات التي كان من المفترض على "امان" أن تقدم الانذارات حولها لصناع القرارات. والتاريخ يُظهر انه باستثناء حالة واحدة كان هناك فشل دائم.
- في العام 1955 لم تُقدم "امان" أي إنذار حول تبلور صفقة السلاح بين مصر والكتلة الشرقية، وهي صفقة كان يكمن فيها تهديد أساسي على أمن إسرائيل.
- في بداية العام 1960، تجمع اغلب الجيش المصري على حدود النقب بدون أي إنذار استخباري. ولو أن "عبد" الناصر حرَّك جيشه لكان باستطاعته فصل دولة اسرائيل عن بعضها البعض من دون ان يتمكن الجيش الإسرائيلي (الذي لم يكن يحتفظ بقوات له في تلك المنطقة) إنقاذها.
- في تموز عام 1962 نفذت مصر عملية اطلاق علنية لصاروخين باليستيين بدون أن تتمكن "امان" من أن تُقدِّم أي إنذار حول تشكل تهديد صاروخي باليستي على إسرائيل.
- في السنوات التي سبقت حرب الأيام الستة قدَّرت "امان" بشكل واضح أن "عبد" الناصر لن يبادر إلى إحداث أزمة طالما جيشه غارق في اليمن.
- في شباط العام 1967 أوضحت شعبة الاستخبارات العسكرية "امان" أن الحرب غير متوقعة قبل عام 1970. إذ قدَّر رئيس قسم الدراسات في "امان" آنذاك قبل عدة اشهر من نشوب الأزمة بأن مصر لن تتمكن من تعريض أمن إسرائيل للخطر عبر شن حرب خلال السنوات الخمس القادمة.
- نجاح وحيد سُجِّل لمصلحة "امان" في نهاية العام 1968، عندما قرَّر رئيس هيئة الاركان انذاك بار ليف بناءً على تقديراته، إعداد الجيش الإسرائيلي للحرب في الربيع، وفي الواقع بدأت حرب الاستنزاف بعد عدة أيام من الموعد الذي استُكملت فيه عملية الإعداد تمهيدا لذلك.
- ولكن خلال (حرب الاستنزاف) فشلت "امان" فشلا ذريعا في تقديم إنذار عن أن الاتحاد السوفياتي من الممكن أن يرسل قوات عسكرية لمساعدة المصريين، الامر الذي ساهم في تشكل المواجهة الخطرة بين الجيش الإسرائيلي والقوات السوفياتية.
- ولا يوجد حاجة للحديث عن الفشل في العام 1973 (حرب يوم الغفران).
إذا كان حتى عام 1973 مال تقدير الاستخبارات العسكرية لتطور التهديدات باتجاه التقدير الناقص (أي بمعنى الميل نحو استبعاد خطر نشوب حرب ابتدائية ضد إسرائيل) إلا انه بعد الصدمة (عام 1973) انتقلت الاستخبارات العسكرية إلى التقدير باتجاه ترجيح الأخطار. وكان لذلك أيضا ثمن كبير. فبين نهاية عام 1973 وعام 1975 صدرت عدة إنذارات كان يفتقد جزء منها إلى أي أساس، حول نيات مصرية أو سورية باستئناف النار. ولاحقاً أُضيف التقدير بأن مصر ما زالت غير ناضجة للسلام وساهم ذلك بعدم الاستعداد لدى صناع القرارات (وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان العامة موطي غور) لمبادرة السلام التي قام بها السادات عام 1977. تقديرات "امان" كانت القاعدة الأساسية لبلورة مفهوم تهديد "الجبهة الشرقية" وللموارد الضخمة التي بذلتها إسرائيل في بناء الوسائل لمواجهتها. في نهاية الأمر، مع نشوب الحرب الإيرانية - العراقية في العام 1980، وعندما اتضح أن الجبهة انهارت، استُبدل تهديد "الجبهة الشرقية" بتهديد "التوازن الاستراتيجي" مع سوريا، الذي ايضا لم يكن فيه الكثير من الواقعية.
في العام 1987 اتضح أن "امان" لم تُشخِّص بشكل صحيح التطورات في المناطق والنتيجة كانت (على الرغم من أن “امان” ليست مسؤولة عن ذلك حصريا) إلا أن المفاجأة كانت في اصل الانتفاضة.
في نهاية سنوات الثمانينات فشلت "امان" في تشخيص بناء القدرة النووية في العراق، وفي العام 1990 لم تقدِّم "امان" إنذاراً حول غزو العراق للكويت. وطوال سنوات التسعينات منعت التقديرات التهويلية والعنيفة لـ"امان" من تنفيذ انسحاب من الحزام الأمني في لبنان. وفي نفس الوقت الذي اتضح انه لم يكن لها أي أساس، وكلفت دماء كثيرة، وعلى ما يبدو من دون حاجة إلى ذلك.
والتقدير النابع من مدرسة عاموس غلعاد (الذي كان رئيس وحدة الأبحاث في "امان") حول الدور الشيطاني لعرفات في إشعال وادارة الانتفاضة الثانية هيأ المستند الاستخباري لبلورة السياسة الفاشلة التي اتبعتها إسرائيل خلال مواجهة الأربع سنوات. حاليا اصبح من الواضح انه كان من الممكن العمل بشكل مختلف. والان بعد سقوط آلاف القتلى والجرحى والمعاقين في صفوف الطرفين ـ وكثيرون منهم بدون أي ذنب ـ أتى هذا الإقرار متأخراً بما فيه الكفاية.
اسرائيل تواصل العيش في بيئة استراتيجية غير مستقرة. وأمنها وأمن مواطنيها سيكون مرتبطاً ايضا في المستقبل بالتقديرات الاستراتيجية للإستخبارات. وكون سجل "امان" كان بائسا بهذا القدر لم يعد مهما ما هي أسباب ذلك.
الاستنتاج واضح: آن الاوان لنقل المسؤولية عن تقدير الاستخبارات القومية من شعبة الاستخبارات إلى جهاز مدني، وابقاء المسؤولية عن المجالات الاخرى التي لها فيها إسهامات جيدة، ضمن صلاحية الاستخبارات العسكرية. ومن المعقول الافتراض لو ان تغييرا كهذا تم قبل سنوات، لكان وضعنا اليوم افضل.
هآرتس/اوري بار يوسف/ محاضر في كلية العلاقات الدولية في جامعة حيفا/11/7/2004