ارشيف من : 2005-2008

الاعتداء على مرقد الإمامين العسكريين (ع): تعزيز مواقف العراقيين من الإرهاب والاحتلال

الاعتداء على مرقد الإمامين العسكريين (ع): تعزيز مواقف العراقيين من الإرهاب والاحتلال

كتب: عادل الجبوري ـ بغداد‏

في ساعة مبكرة من صباح يوم أمس الأول (الأربعاء) كان العراقيون، وبالخصوص أبناء الطائفة الشيعية الذين يشكلون الغالبية الكبرى من المجتمع العراقي، على موعد مع حدث مأساوي جلل، تمثل بقيام مجموعة إرهابية مسلحة باقتحام مرقد الإمامين العسكريين ـ علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام ـ في مدينة سامراء (130 كم شمالي بغداد) وزرع قبته بالعبوات الناسفة وتفجيرها ليتحول جانب كبير من ذلك المكان المقدس إلى كومة أنقاض.‏

وما هي إلا سويعات قلائل حتى ضج الشارع العراقي بمختلف مكوناته الاجتماعية والسياسية والطائفية والمذهبية ليعلن استنكاره وتنديده الشديدين بذلك الاعتداء الصارخ الذي وقع، ولما تهدأ بعد ثورة الغضب العارم على الإساءات والتجاوزات الشنيعة ضد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، من قبل صحيفة بولاندز بوسطن الدانمركية وصحف أوروبية أخرى.‏

المرجعية الدينية .. سرعة المبادرة‏

ولعل المرجعية الدينية كانت السباقة إلى التعبير عن مواقفها وتوجيه أنصارها وأتباعها بالشكل المناسب. وكانت الخطوة الأولى قد تمثلت باجتماع ضم مراجع الدين الكبار الأربعة في مدينة النجف الأشرف، وهم آية الله العظمى السيد علي السيستاني، وآية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وآية الله العظمى الشيخ بشير النجفي، وآية الله العظمى الشيخ إسحاق يحيى الفياض. حيث تمخض الاجتماع عن الإعلان انه إذا لم تتمكن الحكومة العراقية من حماية الأضرحة والمراقد الدينية فإن المرجعية قادرة على أن تقوم بتلك المهمة بمساعدة ومناصرة الناس المؤمنين. وكانت تلك رسالة واضحة للحكومة بضرورة أن تتخذ الإجراءات الحازمة والسريعة حيال ما حصل، اضافة الى انه تعبير عن استعداد المرجعية لان تمسك بزمام المبادرة متى كان ذلك ضروريا وملحا.‏

وفي سياق آخر أصدر مكتب المرجع الديني الكبير السيد السيستاني بيانا أدان فيه بشدة الاعتداء على مرقد الإمامين العسكريين، وكذلك اصدر فتوى واضحة وصريحة حرّم بموجبها الاعتداء على الأضرحة الدينية والمساجد التابعة لابناء الطائفة السنية.‏

واعتبر المرجع السيستاني "ان الكلمات قاصرة عن ادانة هذه الجريمة النكراء التي قصد التكفيريون من ورائها ايقاع الفتنة بين ابناء الشعب العراقي ليتيح لهم ذلك الوصول الى اهدافهم الخبيثة".‏

واكد بيان المرجع الديني ان الحكومة العراقية مدعوة اليوم اكثر من أي وقت مضى الى تحمل مسؤولياتها الكاملة في وقف مسلسل الاعمال الاجرامية التي تستهدف الاماكن المقدسة، وإذا كانت اجهزتها الامنية عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة فإن المؤمنين قادرون على ذلك. في ذات الوقت اعلن السيد السيستاني العزاء العام لمدة اسبوع.‏

كذلك اصدر كل من اية الله العظمى السيد سعيد الحكيم، والشيخ بشير النجفي، والشيخ اسحاق الفياض، بيانات منفصلة اكدوا فيها على نفس المضامين.‏

استنكار حكومي‏

وعلى صعيد آخر فإن الحكومة العراقية سارعت الى اعلان استنكارها وتنديدها بالجريمة النكراء التي ارتكبتها مجموعة من الارهابيين الذين لا يمتون بما قاموا به من فعل شنيع الى القيم والاعتبارات والمعايير الانسانية والدينية والاخلاقية بأية صلة.‏

فرئيس الجمهورية جلال الطالباني اصدر بيانا قال فيه "ان ما يزيد من بشاعة هذه الجريمة إنها ارتكبت في شهر محرم الحرام، ما يؤكد أن الجناة لا يراعون المقدسات ولا يقيمون وزنا للأعراف، وهم بذلك يؤكدون مرة أخرى كونهم تكفيريين زنادقة".‏

واشار الطالباني الى ان هذه الجريمة تفصح عن الغايات الدنيئة لمرتكبيها الذين يرومون إثارة الفتنة الطائفية والدفع نحو اقتتال الأخوة وزج بلادنا في أتون احترابات تعيق مسيرتنا نحو الديمقراطية".‏

ويشير توقيت الجريمة الى أن أحد أهدافها يتمثل في تعطيل العملية السياسية وعرقلة مسيرة المفاوضات الرامية الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي إعاقة مساعي تحقيق الاستقرار، وتنفيذ مشاريع الاعمار والبناء الاقتصادي.‏

وكان الطالباني قد اجتمع مع رئيسي ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني، ودعاهما الى اصدار بيان مشترك يدين جريمة سامراء، في ذات الوقت اعلن رئيس الجمهورية استعداده لتحمل تكلفة اعادة بناء ضريح الامامين العسكريين.‏

الى ذلك اعلن مجلس الوزراء الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة ايام، حيث صرح رئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري "ان الحكومة العراقية اعلنت الحداد ثلاثة ايام بسبب الاعتداء على مقام الامام علي الهادي على امل ان يجسد هذا الحادث الوحدة الاسلامية والوحدة العراقية الوطنية ووحدة الصف العراقي ويغلق الطريق على من يتصيدون في الماء العكر".‏

ودعا الجعفري جميع المراكز الإسلامية في الأزهر والفاتيكان من اجل الوقوف مع الشعب العراقي وإغلاق الطريق أمام أعداء الشعب العراقي، وناشد في كلمة متلفزة العراقيين "التحلي بالصبر وتجسيد وحدة الصف العراقية".‏

اما رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وزعيم كتلة الاغلبية في مجلس النواب العراقي السيد عبد العزيز الحكيم فقد اصدر بيانا ادان فيه بشدة الجريمة البشعة التي ادت الى تهديم ضريح الامامين العسكريين قائلا "ان هذه الجريمة الكبرى النكراء أراد منفذوها ان يؤكدوا فيها على بعدين، الاول عداؤهم السافر لاهل البيت (عليهم السلام) وحقدهم الدفين على كل ما يتعلق بهم، والثاني انهم يؤكدون عدم استعدادهم بل ومقاومتهم للتعايش مع اتباع اهل البيت في العراق، بل استعدادهم لسفك الدماء والتدمير وإدخال العراق في حرب طائفية تحرق الاخضر واليابس".‏

وخلال مؤتمر صحافي لكتلة الائتلاف العراقي الموحد عصر يوم الأربعاء وجه السيد الحكيم انتقادات للسفير الأميركي في العراق زلماي خليل زاد معتبرا انه لم يتصرف من خلال تصريحاته الأخيرة كسفير لبلاده.‏

وفي نفس الوقت اشاد الحكيم بأهالي مدينة سامراء وحث الجميع على العمل لاحتواء الازمة وتفويت الفرصة على اعداء الشعب العراقي.‏

وفي بيان صحافي له اكد الائتلاف العراقي الموحد الذي يعد اكبر الكتل البرلمانية في الجمعية الوطنية الحالية وفي مجلس النواب الجديد، انه ينبغي ان لا تكتفي بقية الاحزاب والهيئات السنية بالشجب لما حصل، بل ان تعمل على ان توحد يدها بأيدينا لان الارهاب يستهدف الجميع". واشار الائتلاف في بيانه الى انه "على الحكومة ان تقوم بواجبها الوطني وتعمل على حماية العتبات المقدسة وزوارها". ودعا البيان العالمين العربي والاسلامي الى "دعم الشعب العراقي في معركته ضد الارهاب، وكذلك على قوى الامن العراقية ان تعمل على ضرب الارهاب وتخليص العراق من شروره"، ودعا الائتلاف العراقي الموحد الى "الاستمرار بالشجب والابتعاد عن الاساءة الى المساجد لانها بيوت الله".‏

من جانبه اعرب رئيس الجمعية الوطنية الانتقالية (البرلمان) الدكتور حاجم الحسني عن "استنكاره وادانته الشديدة لهذا العمل الاجرامي الجبان، مبينا ان الهدف من هذه الاعمال الارهابية التي يرفضها ويدينها جميع ابناء الشعب العراقي بات واضحاً ومعلوماً لجميع العراقيين، وهو محاولة لشق صف الوحدة الوطنية وجر البلاد الى حرب طائفية لا تبقي ولا تذر"، واشار الحسني الى ان صمود ووعي ووحدة الشعب العراقي قد ازعج وافشل مخططات اعدائه الذين استخدموا جميع الوسائل والطرق من اجل ايقاع اشد الاذى بالعراقيين وعرقلة مسيرتهم نحو الديمقراطية والحياة الكريمة الامنة"، وشدد "على ضرورة التزام الشعب العراقي بأقصى درجات الوعي والهدوء، وعدم الانسياق خلف مخططات الاعداء الذين لجأوا في الاونة الاخيرة وبشكل سافر الى استهداف المدنيين الابرياء في الاسواق والاماكن العامة واستهداف الاماكن المقدسة بغية ايقاف العملية السياسية والتأثير على المباحثات الجارية بين قادة الكتل والقوى السياسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل جميع اطياف الشعب العراقي، وتعمل على تحقيق امال وطموحات ومصالح جميع ابنائه دون استثناء".‏

الكيانات السنية تندد بالجريمة‏

اما الكيانات السياسية والدينية السنية فقد سارعت عبر بيانات ومؤتمرات وتصريحات صحافية الى التعبير عن ادانتها واستنكارها للاعتداء الارهابي الذي طال واحدا من الاماكن الدينية المقدسة.‏

وفي هذا السياق فقد اصدرت هيئة علماء المسلمين بياناً دعت فيه ابناء الشعب العراقي على اختلاف انتماءاتهم الى الوحدة والتكاتف والتآزر ورص الصفوف وعدم الانجرار وراء فتنة طائفية يسعى اليها اعداء الشعب العراقي، واعتبرت الهيئة ان هذه الجريمة وكل الجرائم المرتكبة بحق العراقيين ما هي الا نتيجة من نتائج الاحتلال ومسبباته.‏

وفي ذات السياق اصدر الحزب الاسلامي العراقي، الذي يعد اكبر التيارات السياسية السنية بيانا ادان فيه بشدة العملية الارهابية في سامراء، ودعا الى الهدوء وضبط النفس والتوحد.‏

وكذلك اكد رئيس ديوان الوقف السني الشيخ احمد عبد الغفور السامرائي ان ما جرى يعد جريمة بشعة بكل المقاييس، وانها تمثل اعتداءً صارخا على احد المقدسات الاسلامية، ولا يجوز السكوت على ذلك، مشيرا الى ان اهالي سامراء من ابناء الطائفة السنية يكنون كل الاحترام لاهل البيت عليهم السلام.‏

الى ذلك قال القيادي في جبهة التوافق العراقية (تيار سني) طارق الهاشمي "اننا ندين الاعتداء الذي وقع في سامراء .. هذا العمل الجبان جملة وتفصيلا، اياً كانت الجهة التي تقف وراءه، لأننا نعتبر حرمة آل البيت ومراقدهم خطوطا حمراء، وهي في صلب مشروعنا التربوي والسياسي"، وفي نفس الوقت ادان الاعتداءات التي حصلت على عدة مساجد سنية في العاصمة بغداد، واعتبرها جرائم تاريخية لا بد من التصدي لها قبل فوات الاوان.‏

وكانت مساجد تابعة لابناء الطائفة السنية في بعض مناطق بغداد ومدن اخرى قد تعرضت لهجمات وألحق بها قدر من التدمير والتخريب.‏

اما الامين العام لمؤتمر اهل العراق وأحد قياديي جبهة التوافق عدنان الدليمي فقد طالب رئيس الحكومة بإعلان حظر التجوال لمدة 24 ساعة في بغداد لامتصاص ردود الفعل الغاضبة، واشار الدليمي الى بيان صادر عن مؤتمر اهل العراق ادان فيه بشدة "الهجوم على المرقد الشريف"، مؤكدا "ان المؤامرة بدأت تتكشف يوما بعد يوم، وهي تستهدف وحدة العراق وشعبه بجميع أطيافه ومكوناته.. وما زالت اطراف مشبوهة تفعل الافاعيل من اجل زرع بذور الفتنة وإشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر".‏

غضب شعبي عارم‏

وتزامنا مع تواصل ردود الافعال المستنكرة والمنددة من قبل مختلف الجهات الدينية والسياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني فإن تظاهرات ومسيرات جماهيرية حاشدة قد انطلقت في مختلف المدن العراقية بدءا من مدينة سامراء، وما زالت التظاهرات والمسيرات متواصلة، ويتوقع ان تستمر لاسابيع عديدة قادمة، هذا الى جانب مظاهر الرفض والاستنكار الاخرى.‏

الى جانب ذلك فإن معظم الاسواق والمحال التجارية قد اغلقت ابوابها منذ يوم الاربعاء الماضي، وكذلك فإن كل وسائل الاعلام المرئية العراقية قد خصصت الحيز الاكبر من بثها لتغطية ردود الافعال المتواصلة على جريمة تفجير مرقد الامامين العسكريين، اضف الى ذلك أن الصحف الصادرة صباح يوم امس الخميس افردت مساحات واسعة لتناول ابعاد الجريمة البشعة وردود الافعال المترتبة عليها.‏

الانتقاد/ موضو ع الغلاف ـ العدد 1150 ـ 24 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-28