ارشيف من : 2005-2008
قراءة في شخصية الإمام السيد موسى الصدر

الانتقاد/ ملحق خاص في الذكرى 27 لتغييب الامام السيد موسى الصدر
إن الحديث عن شخصيات القادة والعظماء ليس من الأمور السهلة، حيث يحيط به الكثير من الصعوبات، بالأخص اذا كان الباحث قليل المعلومات قصير الباع غير محيط بجوانب الشخصية التي يتحدث عنها، وتزداد الصعوبة عندما يكون الحديث عن شخصية من الطراز الفكري والعلمي الأول، اجتمعت لديها المقومات والركائز الكمالية، فكلما عظمت الشخصية بمقوماتها كانت الإحاطة صعبة بجوانبها. وهذا لا يعفينا من مهمة الايفاء ببعض الحق الذي تحمله هذه الشخصيات في أعناقنا على مستوى البحث عنها، والتدقيق في سيرتها، وتبيين النقاط الهامة في حياتها، وهنا في محاولتنا للاقتراب من شخصية الإمام السيد موسى الصدر نجد أنفسنا مضطرين للوقوف طويلاً عند ما امتازت به هذه الشخصية في مكنوناتها، وما احتوته في دواخلها من مسائل جعلتها الشغل الشاغل لفترة كبيرة. ان الإمام الصدر شغل العالم بقيادته وفكرة وسلوكه وأسلوب تعاطيه مع القضايا، وبالتالي فإن ما أفرزته هذه الشخصية كان يتوقف بشكل دقيق على طبيعة مكوناتها.
لا يمكن الوقوف على نشاط السيد الصدر على مستوى العالم الخارجي او الاحاطة بأهمية ممارساته العملية من دون التدقيق في شخصيته، حيث تتجمع مجموعة من العناصر الهامة التي شكلت هذه الشخصية، فهو في البداية عالم تربى في بيت متوغل في التدين والتعمق والتأمل في العلم والمعرفة، وطالب حوزة وجامعة درس على كبار الاساتذة والمحققين حتى لمع نجمه بين أقرانه، وغدا محط أنظار الجميع، فهو الذي نهل المعرفة والعلم وأكبّ على السعي والاجتهاد والمثابرة ليكوّن لنفسه بذلك شخصية شاهدنا بعض أبعادها، وأخذنا نتطلع اليه من خلالها.
لقد طبعت المرحلة الاولى من حياة الإمام الصدر شخصيته بأشكال جعلت منه الانسان العالم والمفكر والعارف الذي يعرف كيف يوظف هذه الشخصية، ويعرف بدقة المسؤوليات الملقاة على عاتقه، حيث كانت حركته العملية في المراحل اللاحقة امتداداً لهذه الشخصية، وتعبيراً عن مكنونها.
وبنظرة مجملة الى شخصية الإمام الصدر تصادفنا عناوين كثيرة نقتطف منها بعض النقاط:
ـ التدين: وهو الظاهرة الأبرز في شخصية الإمام الصدر حيث لم يكن هذا التدين عنده عبارة عن مجموعة من المفاهيم والقضايا الذهنية يقبلها تارة ويتركها تارة أخرى، بل هو فهم عميق وإيمان راسخ بأحقية هذه التعاليم وبتبنيها.
ـ الوعي واستشراف المستقبل، وقد تشكلت هذه الملكة في إطار السيرة العملية والعلمية للإمام، فكان منطقي الطرح، هادئ التفكير، تنم تحركاته عن أنه أعد العدة لكل أمر، وحسب نتائجه وثماره، وبالتالي كان يمتلك قدرة عالية على استشراف مستقبل الأمور التي كان يتعاطى بها.
ـ الجد والمثابرة، وهو نتيجة حتمية لوعيه وثقافته وفهمه للمسؤوليات الملقاة على عاتقه.
ـ التنبه للمسؤوليات والمهام على عاتقه، أمام ما كان الإمام الصدر يضطلع به من وعي وتدين وركائز شخصية وجدت لديه ملكة تحمل المسؤوليات والاقدام على بناء مجتمع اسلامي أصيل، والتصدي للقضايا الهامة والاساسية في الحياة السياسية والاجتماعية.
وبالعودة الى هذه الشخصية فقد برزت وظهرت هذه الخصائص في الخارج عملاً وسلوكاً، فتجلت في صورة مشروع وضع الإمام الصدر كافة قواه وإمكانياته لايجاده، اذ بنظره كان هذا المشروع باستطاعته ان يبني الوطن والانسان ويحفظ التدين عند المسلمين.
كان الإمام الصدر يقف بدقة على المعاناة الكبيرة التي يرزح تحتها المسلمون واللبنانيون، لا بل والعديد من الشعوب المستضعفة بعد أن وجدت الغدة السرطانية في فلسطين، وكان يرى ان أساس المشكلات والمصائب والتفرقة والتشتت بين أبناء الشعب الواحد الذي يمكنه أن يؤسس بوحدته وتكامله أفضل وطن وأفضل ثقافة يعود الى وجود الصهاينة بما يقومون به في مشروعهم الخبيث، ولا عجب في ذلك اذ ان المسيرة الفكرية والعملية لمجتهدي وعلماء الشيعة كانت تقف بدقة على الخطر الذي يشكله الصهاينة، ليس على جغرافيا الدول الاسلامية فحسب، بل على ثقافة الشعوب الاسلامية وهويتها ووحدتها واستقلالها، وكانت في تلك الاثناء نداءات الإمام الخميني (قده) تعلو الارجاء منددة بالاستكبار، ومنبهة المجتمعات للخطر المحدق بها.
من أجل هذا نهض الإمام الصدر معتبراً أن الحل الوحيد يكمن في بناء مجتمع مقاوم تكون المقاومة والصمود والتضحية من ركائز ثقافته وهويته، لأنه لا يمكن تصور بلد ينعم بالحرية والاستقلال والتكامل بين كافة طاقاته، الا اذا كانت جميع فئاته متوجهة للغدة السرطانية التي تعكر صفو الحياة فيه من أجل اقتلاعها، وهكذا كان الصدر يمتلك مشروعاً ورؤية داخلية للبنان تقوم على التأسيس لمشروع المقاومة، وعلى هذا كانت خطوته اللاحقة التي يمكن اجمالها بالنقاط التالية:
ـ العمل بجد لجمع المسلمين وعدم السماح بوجود أنواع الفرقة بينهم باعتبار أن الفرقة بين المسلمين عامل يضعف تكامل أدوارهم.
ـ الاضطلاع والقيام بدور اسلامي متكامل على المستويات الفكرية والعملية والجهادية، باعتبار ان الاسلام يختزن قوة فكرية عظيمة تؤهله لأن يكون صاحب مشاريع على كافة المستويات.
ـ ايجاد صيغة للتعاون والوفاق بين الطوائف المختلفة في لبنان، بما يؤمّن الحفاظ على وحدة الوطن وصيانة أهله من التشتت والتقاتل والضياع.
ـ ممارسة المسؤوليات الوطنية والمشاركة في اتخاذ القرارات الحساسة التي تساهم في تعزيز السلم والوحدة بين أبناء الوطن الواحد، فكان الإمام الصدر يتصدى بنفسه للمهام التي يعتقد بضرورة القيام بها، لا بل كانت لقاءاته وحركاته بين مختلف التيارات والشخصيات تنم عمّا يتمتع به من رؤية واضحة وبُعد نظر.
وهناك العديد والعديد من النقاط التي يمكن التوقف عندها في مسيرة الإمام الصدر الجهادية، والتي تصب في النهاية في اطار المشروع الذي عمل الإمام الصدر جهده لتكريسه وتعميمه على اللبنانيين، وهو المشروع الذي يحتاجه المجتمع اللبناني المتعدد الطوائف، لأن التعددية تصبح حالة ايجابية في المجتمع بمقدار ما يتمتع به أصحاب التيارات من ثقافة ووعي وإدراك، وبالتالي يمكنهم توظيف طاقاتهم في خدمة المشروع الأكبر.
علي الحاج حسن