ارشيف من : 2005-2008
من كلام الإمام الصدر... "الاغتيال"

الانتقاد/ ملحق خاص في الذكرى 27 لتغييب الامام السيد موسى الصدر
الاغتيال أسوأ الأساليب وأكثرها فشلاً في خدمة الهدف، كان رسول الله (ص) يقول: "الايمان قيد الفتك"، ويقول: "المسلم لا يغدر، مهما كان عوض الغدر". ان مسلم بن عقيل امتنع في الكوفة عن اغتيال عبيد الله بن زياد، برغم أنه كان بإمكانه اغتياله في بيت ليس فيه أحد، امتنع مسلم عن الاغتيال، وتحمّل مسؤوليات كثيرة ونتائج فظيعة، بما فيها قتل الحسين. ان الغاية لا تسوّغ الوسيلة مهما كانت الغاية عظيمة.
الغدر جريمة في الدين، جريمة عند الضمير، جريمة في منطق السياسات.
الاغتيالات تعكس على المجتمع نتائج خطيرة لا يمكن حصرها، فالخلافة الاسلامية التي كانت رسالة نور ورحمة وخدمة، وتفاعلاً مع الشعب، وتحملاً للمسؤوليات كافة، هذه الخلافة النيّرة الموجهة، ضعفت بعد الاغتيالات التي أصيب بها رجالها الكبار، وفي مقدمتهم الإمام علي (ع) في محرابه. هذه الاغتيالات بدّلت وجهة الخلافة عن الطريق السليم.
لقد دخل الخليفة الى المقصورة واحتجب عن الناس، فتحولت الخلافة الى ملك عضوض، وتحول الحاكم الى مالك، وتحول بيت مال المسلمين الى خزانة الحاكم، وتحوّل الجيش المدافع عن الوطن الى الحرس الخاص بالحاكم، فالاغتيال يبعد الحاكم، ويبعد القادة، ويبعد المخلصين من الشعب، وفي هذا الاحتجاب يكون الخطر الأساسي على المجتمع، لأن الحاكم لا يطلع الاطلاع المباشر على الناس، ولا يسمع شكواهم، ولا يهدي ضالهم، ولا يقوّم معوجّهم، فيقع في حاشية يتملقون له، ويصبح سجيناً لهم، ويبتعد عن الذين يمحصون أخطاءه فينحرف ويطغى ويستبد.
هذا الاحتجاب يخلق جواً من الأوهام في نفوس الشعب، فيظنون الحاكم من بضاعة غير بضاعتهم، ويسيئون الظن به، أو يجعلونه صنماً يعبدونه من دون الله، وفي كلا الحالين تكون الثقة معدومة، وفي ذلك تحقير للمواطنين، واعتبار أنهم محكومون، وان الحاكم هو السيد، وفي كلا الحالين انحراف، وجميع هذه المآسي وردت في عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر حينما منعه من التحجب عن الناس.
الاغتيال، ايها الاخوة، ظاهرة اجتماعية خطرة، لأنها تمنع الشعب من التفاعل مع قادته، وهي ظاهرة خطرة لأن المحاكمة والحكم والتنفيذ تكون في يد شخص واحد، قد يكون مخطئاً ، فإذا انفتح هذا الباب لا يمكن للمجتمع ان تسوده العدالة.
وان من الواجب على حماة المجتمع ـ لو كان في المجتمع حماة ـ ان يعالجوا ظاهرة الاغتيال علاجاً قطعياً جذرياً.
مقطع من خطبة للإمام الصدر عقب اغتيال كامل مروة بتاريخ 31 ـ 5 ـ 1966.