ارشيف من : 2005-2008

تونس بعد مصر :احتدام الأزمة بين الحكم و المحامين

تونس بعد مصر :احتدام الأزمة بين الحكم و المحامين

كتب توفيق المديني‏

معركة استقلال القضاء في الوطن العربي عامة هي البوابة الحقيقية للحداثة والإصلاح، حسب رأي الناشط في مجال حقوق الإنسان المختار اليحياوي. فهاهم القضاة في مصر يعتصمون بنادي القضاة بالقاهرة كآخر شكل من أشكال الاحتجاج، كما يعتصم المحامون بدار المحاماة بتونس بعد أن تجاوزت السلطة كل الحدود في عدم إقامة أي اعتبار لشأنهم. لقد تنامى دور السلطة القضائية في البلدين بعد انحسار الأمل في قيام سلطة تشريعية حقيقية، حسب رأي المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان المختار اليحياوي.‏

والملفت للنظر ليس هذا التزامن في حد ذاته ولكن ما يمثله نادي القضاة في مصر والهيئة الوطنية للمحامين من علامات منيرة في عصر الهوان الشامل الذي يمر به كل من بلديهما.فالمؤسستان تختزنان تاريخا حافلا بدأ قبل بداية الدولة الوطنية نفسها وعاصرا حكم الإطلاق في عهد الملوك وصمدا في وجه الاستعمار واستطاعا أن يحافظا على كيانيهما على مدى أكثر من نصف قرن من غوغائية وتقلبات المستبدين في عهد الاستقلال دون أن يمنعهم ذلك من نحت الصورة المهيبة التي يحضون بها اليوم في بلديهما.‏

يقول د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: "إن الدور الذي يلعبه نادي القضاة على المسرح السياسي في مصر الآن رغم إرادته يشبه إلى حد كبير الدور الذي لعبه نادي الضباط في حياة مصر السياسية قبيل اندلاع ثورة 1952."وفي تونس لا يقل الموقع الذي تحتله المحاماة اليوم عن دورها في أحلك الفترات التي مرت على هذه البلاد في عصر الاستعمار حيث أنجبت أغلب رجال دولة الاستقلال بعد أن تبوؤوا مقدمة النضال ضد الاستعمار.‏

لقد واصل عشرات المحامين التونسيين اعتصامهم لليوم السادس عشر مهددين بالإضراب عن الطعام حتى تتم تلبية مطلبهم بإلغاء قانون لا يعطي للمحامين دورًا فعالاً في "المعهد الأعلى المحاماة" الذي أقرته الحكومة مؤخرًا، واصفين إياه بأنه خطير على استقلالية المهنة. فيما لوّحت هيئة المحامين التونسيين بوقف تعاملاتها مع وزير العدل بعد اتهامه لهم بـ"الاستقواء بالأجنبي".‏

وكان عشرات المحامين التونسيين نظموا الثلاثاء 23 أيار/مايو 2006 تظاهرة احتجاجية في ساحة قصر العدالة بالعاصمة، ورددوا شعارات تندد بما قالوا إنه تجاهل من قبل الوزارة لمطالبهم الشرعية مثل "المحاماة حرة حرة"، غير أن عشرات من أفراد الشرطة طوّقوا المكان وأخرجوهم إلى دار المحامي المجاورة.‏

وتطالب هيئة المحامين بدور فعّال ومجلس إدارة منتخب وإشراف فعلي على "المعهد الأعلى للمحاماة" الذي صادق البرلمان التونسي على تأسيسه منذ نحو أسبوعين بموجب قانون لا يسمح لهيئة المحامين بالإشراف عليه، بل تعين الحكومة مديره وتشرف عليه وزارتا التعليم العالي والعدل وحقوق الإنسان.‏

وتعتبر الحكومة هذا المعهد مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية، بينما تعتقد هيئة المحامين أنه "تكريس لاستحواذ السلطة على القطاع وضرب لاستقلاليته".‏

ويأتي تهديد المحامين بالإضراب ليعيد إلى الأذهان سيناريو "إضراب الجوع" الذي كان قد أعلنه 8 قياديين ينتمون إلى أحزاب معارضة وجمعيات أهلية تونسية يوم 18-10-2005 في مكتب المحامي عياشي الهمامي بتونس؛ احتجاجًا على انسداد سبل الحوار مع النظام، ومطالبين بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وحرية التعبير والصحافة وعمل الأحزاب.ولقي ذلك الإضراب تضامنًا قويًّا من قوى سياسية تونسية في الداخل والخارج بمختلف توجهاتها الإسلامية والقومية والليبرالية واليسارية.‏

ويُعَدّ ملف الإصلاح أحد الملفات الساخنة على الصعيد التونسي، لاسيما وسط مطالبة العديد من الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي الحكومة التونسية بإجراء مزيد من الإصلاحات السياسية والتعهد باحترام حقوق الإنسان.‏

في غضون ذلك،ندد الحزب الديمقراطي التقدمي (وهو أحد أحزاب المعارضة القانونية لكنه مغضوب عليه من قبل السلطة)بشدة باعمال العنف التي استهدفت المحامين معبرا عن مساندته للاعتصام الذي دعت له الهيئة الوطنية للمحامين. وحمل الحزب السلطات المسؤولية الكاملة عن المضاعفات الخطيرة لسياسة الانغلاق التي تتوخاها تجاه المحامين والحقوقيين والمدرسين والقضاة والصحفيين وسائر قوى المجتمع المدني. ودعا إلى فتح حوار وطني حول مشاغل المجتمع مع هيئاته الممثلة بدلا عن مواجهتهم بالمنع والقمع وانتهاك الحقوق. كما دعا الاحزاب الديمقراطية والجمعيات المستقلة وكافة الهيئات الممثلة للمجتمع المدني إلى التشاور وتكتيل الجهود في وجه الانغلاق السياسي ودفاعا عن مصالح المجتمع.‏

وقد خفض عدد من الزعماء الأوروبيين مستوى تمثيلهم في القمة المعلوماتية نوفمبر الماضي احتجاجًا على ما وصفوه بتدهور أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في تونس، وعدم الإفراج عن مئات من السجناء السياسيين.‏

وتعتبر تونس، حسب تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2006 (صدر يوم 23 أيار/مايو) من بين الدول التي لها سجل غير مشرف في مجال حقوق الإنسان. إذ أشارت المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا لها إلى أن "مئات من السجناء السياسيين، وبعضهم من سجناء الرأي، يرزحون في السجون، وما برح كثير منهم محتجزين منذ ما يزيد على 10 سنوات". كما أفاد التقرير أن "أشخاصا بالإمكان حبسهم، ومضايقتهم لمجرد تعبيرهم بطريقة مسالمة عن آرائهم".‏

وفي اللقاء الذي تم في العاصمة الفدرالية برن يوم الثلاثاء 23 أيار/مايو 2006، والذي استدعت فيه رئيسة الدائرة السياسية الثانية بوزارة الخارجية السويسرية المكلفة بمنطقة إفريقيا والشرق الأوسط السفيرة ليفيا لوي، القائم بالأعمال التونسي، عبرت المسؤولة السويسرية عن الأسف لتوقيف وطرد المواطن السويسري إيف شتاينر من قبل السلطات التونسية مساء الأحد 22 أيار/مايو الجاري. واعتبرت المسؤولة بوزارة الخارجية السويسرية أن رد فعل السلطات التونسية "كان مبالغا فيه".‏

وكانت وزارة الخارجية السويسرية قد أصدرت رد فعل قبل يوم من ذلك، داعية القائم بالأعمال التونسي لتقديم تعليلات لهذا الحادث، إلا أنها لم ترغب في تقديم المزيد من التفاصيل حول المسار الذي سيسلكه تطور هذه القضية.وكان المواطن السويسري، وعضو الهيئة التنفيذية للفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية إيف شتاينر قد توجه في عطلة نهاية الأسبوع الماضي الى تونس لحضور الاجتماع السنوي للفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية، ومع أنه دخل بشكل عادي إلى البلاد إلا أنه تعرض للتوقيف والتعنيف قبل طرده يوم الأحد من التراب التونسي.‏

الانتقاد.نت ـ 26/5/2006‏

2006-10-28