ارشيف من :آراء وتحليلات
تحريك التسوية عنوان المرحلة المقبلة والفشل هذه المرة سيكون مختلفاً

كتب مصطفى الحاج علي
هل بدأت ترتسم في الأفق ملامح مرحلة سياسية جديدة، تمهد لوضعية سياسية جديدة بدورها في المنطقة، أم أن الأمور ستبقى تراوح في الإطار نفسه مع تسجيل تغييرات في شكل المقاربات ليس إلا؟
بكلام آخر، هل التغيير الذي يجري الحديث عنه بكثرة هذه الأيام استناداً إلى كونه الشعار المركزي للحملة الانتخابية التي أوصلت أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية، وبالاستناد إلى عمق التحولات التي يشهدها العالم على أكثر من صعيد، هل سيشمل المنطقة بنفس الدرجة، أم ستكون منطقتنا استثناءً؟
إذا كان من الصعب الآن تقديم إجابات حاسمة عن هذه الأسئلة، إلا أن هذا لا يمنع من تلمس محاولات إجابة أولية قابلة للأخذ والرد استناداً إلى ما ستحمله الأشهر المقبلة من متغيرات.
إن أبرز ملامح التغيير التي يمكن رصدها حتى الآن، وبالقياس إلى مرحلة بوش الرئاسية، يمكن إيجازها بالتالي:
أولاً: ثمة بواكير مؤشرات على مرحلة انتقالية من حقبة النيوليبرالية، أو ما يعرف بالليبرالية المتوحشة، إلى مرحلة لم تتضح معالمها بعد، كما لم يتضح مسارها الخاص، وهي مرحلة انتاج نوع من التوازن بين الدولة وتدخلها، وحرية أو فلتان السوق من عقاله.
ثانياً: الانتقال من مرحلة النظام الدولي الأحادي القطبية إلى مرحلة نظام دولي متعدد الأقطاب، أو بلا أقطاب فعلية، ما يعني الخروج من مرحلة تعميم الهيمنة على العالم بأسره، والعودة إلى مرحلة التعاون الدولي في حل النزاعات ومواجهة المشاكل.
ثالثاً: تراجع نزعة الحروب واللجوء إلى القوة الصرفة لفرض الهيمنة ومعالجة المشاكل، والتصدي للتحديات.
رابعاً: اعتماد ما يعرف بالديبلوماسية الناعمة في مقاربة المشاكل والتحديات.
فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، ما يسجل حتى الآن هو التالي:
أولاً: وضع القضية العراقية بما هي قضية احتلال على مسار جديد، ووضعية جديدة، تستند إلى إقرار ما يعرف بالاتفاق الأمني لجلاء قوات الاحتلال عن العراق.
ثانياً: التركيز على المقاربات الديبلوماسية في حل الملف النووي الإيراني، وما يعرف بمشكلة تنامي النفوذ الايراني في المنطقة.
ثالثاً: تنشيط عملية التسوية في المنطقة ببعديها الأساسيين: الفلسطيني ـ الاسرائيلي، والسوري الإسرائيلي، وصولاً إلى اللبناني ـ الإسرائيلي.
رابعاً: تركيز العمل على ملف الإرهاب في المنطقة، وخصوصاً في أفغانستان.
هذه الخطوط العامة، يفترض أن تتحرك في بيئة استراتيجية معالمها الرئيسية التالية:
أولاً: نجاح محور دول المقاومة والممانعة في الصمود والمواجهة، والخروج منتصراً من الحروب التي خاضها مع التحالف الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة، ولو من خلال منعه من تحقيق كامل أهدافه، أو بعض أهدافه المركزية، ثم نجاح هذا المحور في حجز حضور وتأثير مهم له في الرأي العام العربي والإسلامي عموماً.
ثانياً: صمود الأنظمة والقوى المتحالفة مع المشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة، وإن بتراجع، وبإصابات لها تداعياتها الاستراتيجية على بنى هذه الأنظمة وقواعدها.
ثالثاً: نجاح الإدارة الأميركية الحالية في إيجاد تحالف موضوعي بين الكيان الإسرائيلي، والأنظمة الموالية لواشنطن، ونقل حالة العداء باتجاه إيران، ومن منطلق لتصوير الصراع ولتحديد الأخطار، بوصفها أخطاراً متأتية من الشيعة في مقابل السنة، ومن الفرس في مقابل العرب.
رابعاً: إيجاد حالة قناعة فعلية لدى حلفاء واشنطن بضرورة التخلص من عبء القضية الفلسطينية لمصلحة التفرغ للخطر الإيراني تارة، والشيعي تارة أخرى.
في هذا الإطار، يبدو التحول الأميركي والأوروبي نحو تركيز العمل على خط التسوية له ما يبرره موضوعياً، واستراتيجياً، وذلك لما يلي:
أولاً: نضج الظروف العربية العامة بالمعنى الذي أشرنا اليه، أي جهوزية الكثير من الأنظمة العربية للتسوية كيفما كان، وللتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، (نموذج مؤتمر ثقافة السلام وحوار الأديان الذي جرى مؤخراً).
ثانياً: إن النجاح في إنجاز التسوية هو حجر الزاوية في كل الاستراتيجية السابقة، إذ بدون ذلك، تنهار كل الإنجازات السابقة، ولمصلحة المحور المقابل، أي محور المقاومة.
ثالثاً: إن اطلاق التسوية، والنجاح في إنجاز ما يمكن إنجازه، من شأنه أن يترك تداعيات كبيرة على صورة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، لمصلحة محور التسوية، ولمصلحة المشروع الأميركي ـ الصهيوني فيها، ولمصلحة محاصرة وإضعاف محور المقاومة والممانعة فيها، ومن ثم التركيز على عناوين أخرى دولية وإقليمية لا سيما بالنسبة إلى واشنطن، ثم، أن التسوية تبدو هي الحل اليوم للكثير من المعضلات الاستراتيجية حتى بالنسبة للكيان الإسرائيلي، لا سيما في ما يتعلق بمآزقه الخاصة بمواجهاته مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
لذا، يبدو أن التركيز في المرحلة المقبلة على حركة التسوية كمدخل ضروري لإعادة ترتيب الوضعية الاستراتيجية في المنطقة، سيكون له الهم الأول أميركياً وأوروبياً، إلا أن ذلك دونه محطات انتظار ليست قليلة:
الأولى: الانتخابات الإسرائيلية وما ستسفر عنه من تحول في المشهد السياسي الداخلي لمصلحة اليمين المتطرف، الأمر الذي قد يفتح المزيد من العقبات أمام أي تسوية.
الثانية: الوضع الفلسطيني الحالي وتمزقه بين السلطة وحماس، وبالتالي، استحالة تصور الوصول إلى تسوية مع وضع مفارقٍ من هذا النوع، إلا إذا افترضنا السعي الحثيث للتخلص من الوضع الحالي لمصلحة السلطة الفلسطينية، الأمر الذي سيفرض تصورات لمواجهات جديدة بين المقاومة والكيان الإسرائيلي، والمزيد من الضغوط والحصار في المرحلة المقبلة.
الثالثة: مدى الاستعداد الإسرائيلي والدولي لدفع كلفة التسوية مع سوريا.
في هذا الأفق العام، يمكن فهم نظرة فريق 14 آذار للانتخابات النيابية، ويمكن قراءة تصريحات جنبلاط الأخيرة في واشنطن، فكلاهما يخشى من جهة من أن يتم دفع لبنان مجدداً كفاتورة في عملية التسوية، ومن جهة أخرى، فكلاهما يرى في الفوز بالانتخابات النيابية ما من شأنه أن يحمي لبنان من هكذا ثمن، وأن يضع لبنان مجدداً في سياق المشهد التسووي العام.
كل ما تقدم، يبقى محددات عامة ونظرية، ولا يعني بالضرورة أنها تملك امكانيات النجاح، بل قياساً على التجارب السابقة، وعلى قوة حركات المقاومة، يمكن الاستنتاج باكراً، أن مصير التسوية الجديدة سيكون كسالفاتها، إلا أن الأهم هذه المرة، أن الفشل سيكون مختلفاً، لأنه سيكون الفشل الأخير، لمصلحة خط المقاومة.
الانتقاد/ العدد 1317 ـ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
هل بدأت ترتسم في الأفق ملامح مرحلة سياسية جديدة، تمهد لوضعية سياسية جديدة بدورها في المنطقة، أم أن الأمور ستبقى تراوح في الإطار نفسه مع تسجيل تغييرات في شكل المقاربات ليس إلا؟
بكلام آخر، هل التغيير الذي يجري الحديث عنه بكثرة هذه الأيام استناداً إلى كونه الشعار المركزي للحملة الانتخابية التي أوصلت أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية، وبالاستناد إلى عمق التحولات التي يشهدها العالم على أكثر من صعيد، هل سيشمل المنطقة بنفس الدرجة، أم ستكون منطقتنا استثناءً؟
إذا كان من الصعب الآن تقديم إجابات حاسمة عن هذه الأسئلة، إلا أن هذا لا يمنع من تلمس محاولات إجابة أولية قابلة للأخذ والرد استناداً إلى ما ستحمله الأشهر المقبلة من متغيرات.
إن أبرز ملامح التغيير التي يمكن رصدها حتى الآن، وبالقياس إلى مرحلة بوش الرئاسية، يمكن إيجازها بالتالي:
أولاً: ثمة بواكير مؤشرات على مرحلة انتقالية من حقبة النيوليبرالية، أو ما يعرف بالليبرالية المتوحشة، إلى مرحلة لم تتضح معالمها بعد، كما لم يتضح مسارها الخاص، وهي مرحلة انتاج نوع من التوازن بين الدولة وتدخلها، وحرية أو فلتان السوق من عقاله.
ثانياً: الانتقال من مرحلة النظام الدولي الأحادي القطبية إلى مرحلة نظام دولي متعدد الأقطاب، أو بلا أقطاب فعلية، ما يعني الخروج من مرحلة تعميم الهيمنة على العالم بأسره، والعودة إلى مرحلة التعاون الدولي في حل النزاعات ومواجهة المشاكل.
ثالثاً: تراجع نزعة الحروب واللجوء إلى القوة الصرفة لفرض الهيمنة ومعالجة المشاكل، والتصدي للتحديات.
رابعاً: اعتماد ما يعرف بالديبلوماسية الناعمة في مقاربة المشاكل والتحديات.
فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، ما يسجل حتى الآن هو التالي:
أولاً: وضع القضية العراقية بما هي قضية احتلال على مسار جديد، ووضعية جديدة، تستند إلى إقرار ما يعرف بالاتفاق الأمني لجلاء قوات الاحتلال عن العراق.
ثانياً: التركيز على المقاربات الديبلوماسية في حل الملف النووي الإيراني، وما يعرف بمشكلة تنامي النفوذ الايراني في المنطقة.
ثالثاً: تنشيط عملية التسوية في المنطقة ببعديها الأساسيين: الفلسطيني ـ الاسرائيلي، والسوري الإسرائيلي، وصولاً إلى اللبناني ـ الإسرائيلي.
رابعاً: تركيز العمل على ملف الإرهاب في المنطقة، وخصوصاً في أفغانستان.
هذه الخطوط العامة، يفترض أن تتحرك في بيئة استراتيجية معالمها الرئيسية التالية:
أولاً: نجاح محور دول المقاومة والممانعة في الصمود والمواجهة، والخروج منتصراً من الحروب التي خاضها مع التحالف الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة، ولو من خلال منعه من تحقيق كامل أهدافه، أو بعض أهدافه المركزية، ثم نجاح هذا المحور في حجز حضور وتأثير مهم له في الرأي العام العربي والإسلامي عموماً.
ثانياً: صمود الأنظمة والقوى المتحالفة مع المشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة، وإن بتراجع، وبإصابات لها تداعياتها الاستراتيجية على بنى هذه الأنظمة وقواعدها.
ثالثاً: نجاح الإدارة الأميركية الحالية في إيجاد تحالف موضوعي بين الكيان الإسرائيلي، والأنظمة الموالية لواشنطن، ونقل حالة العداء باتجاه إيران، ومن منطلق لتصوير الصراع ولتحديد الأخطار، بوصفها أخطاراً متأتية من الشيعة في مقابل السنة، ومن الفرس في مقابل العرب.
رابعاً: إيجاد حالة قناعة فعلية لدى حلفاء واشنطن بضرورة التخلص من عبء القضية الفلسطينية لمصلحة التفرغ للخطر الإيراني تارة، والشيعي تارة أخرى.
في هذا الإطار، يبدو التحول الأميركي والأوروبي نحو تركيز العمل على خط التسوية له ما يبرره موضوعياً، واستراتيجياً، وذلك لما يلي:
أولاً: نضج الظروف العربية العامة بالمعنى الذي أشرنا اليه، أي جهوزية الكثير من الأنظمة العربية للتسوية كيفما كان، وللتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، (نموذج مؤتمر ثقافة السلام وحوار الأديان الذي جرى مؤخراً).
ثانياً: إن النجاح في إنجاز التسوية هو حجر الزاوية في كل الاستراتيجية السابقة، إذ بدون ذلك، تنهار كل الإنجازات السابقة، ولمصلحة المحور المقابل، أي محور المقاومة.
ثالثاً: إن اطلاق التسوية، والنجاح في إنجاز ما يمكن إنجازه، من شأنه أن يترك تداعيات كبيرة على صورة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، لمصلحة محور التسوية، ولمصلحة المشروع الأميركي ـ الصهيوني فيها، ولمصلحة محاصرة وإضعاف محور المقاومة والممانعة فيها، ومن ثم التركيز على عناوين أخرى دولية وإقليمية لا سيما بالنسبة إلى واشنطن، ثم، أن التسوية تبدو هي الحل اليوم للكثير من المعضلات الاستراتيجية حتى بالنسبة للكيان الإسرائيلي، لا سيما في ما يتعلق بمآزقه الخاصة بمواجهاته مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
لذا، يبدو أن التركيز في المرحلة المقبلة على حركة التسوية كمدخل ضروري لإعادة ترتيب الوضعية الاستراتيجية في المنطقة، سيكون له الهم الأول أميركياً وأوروبياً، إلا أن ذلك دونه محطات انتظار ليست قليلة:
الأولى: الانتخابات الإسرائيلية وما ستسفر عنه من تحول في المشهد السياسي الداخلي لمصلحة اليمين المتطرف، الأمر الذي قد يفتح المزيد من العقبات أمام أي تسوية.
الثانية: الوضع الفلسطيني الحالي وتمزقه بين السلطة وحماس، وبالتالي، استحالة تصور الوصول إلى تسوية مع وضع مفارقٍ من هذا النوع، إلا إذا افترضنا السعي الحثيث للتخلص من الوضع الحالي لمصلحة السلطة الفلسطينية، الأمر الذي سيفرض تصورات لمواجهات جديدة بين المقاومة والكيان الإسرائيلي، والمزيد من الضغوط والحصار في المرحلة المقبلة.
الثالثة: مدى الاستعداد الإسرائيلي والدولي لدفع كلفة التسوية مع سوريا.
في هذا الأفق العام، يمكن فهم نظرة فريق 14 آذار للانتخابات النيابية، ويمكن قراءة تصريحات جنبلاط الأخيرة في واشنطن، فكلاهما يخشى من جهة من أن يتم دفع لبنان مجدداً كفاتورة في عملية التسوية، ومن جهة أخرى، فكلاهما يرى في الفوز بالانتخابات النيابية ما من شأنه أن يحمي لبنان من هكذا ثمن، وأن يضع لبنان مجدداً في سياق المشهد التسووي العام.
كل ما تقدم، يبقى محددات عامة ونظرية، ولا يعني بالضرورة أنها تملك امكانيات النجاح، بل قياساً على التجارب السابقة، وعلى قوة حركات المقاومة، يمكن الاستنتاج باكراً، أن مصير التسوية الجديدة سيكون كسالفاتها، إلا أن الأهم هذه المرة، أن الفشل سيكون مختلفاً، لأنه سيكون الفشل الأخير، لمصلحة خط المقاومة.
الانتقاد/ العدد 1317 ـ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008