ارشيف من : 2005-2008
السيد فضل الله في خطبة الجمعة: نريد لبنان بلداً يشعر أبناؤه بجدية السعي لحل مشكلاته

ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، في حضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور غفير من المؤمنين. ومما جاء في الخطبة السياسية "في الموقع السياسي الأميركي الذي يجتذب أكثر من موقع دولي ـ وخصوصاً الاتحاد الأوروبي ـ أكثر من عنوان، أولها الفوضى البناءة التي تملأ المنطقة، ولا سيما العالم الإسلامي، بالاهتزاز والإرباك والتعقيدات، بإثارة المنازعات والخلافات الحادة على الصعيد المذهبي والطائفي التي قد تتحول الى حالات عنف دام، وحرب إرهابية يستحل فيها المواطنون دماء بعضهم البعض، من خلال إثارة الفتنة التي يشجعها الاحتلال الأميركي والمخابرات الأميركية والإسرائيلية".
"والعنوان الثاني هو التدخل في الواقع السياسي ليكون على صورة المصالح الاستراتيجية لأميركا، وهذا ما نلاحظه في طريقة تحرك السفير الأميركي في بغداد والتدخل في تشكيل الحكومة من خلال رفض الرئيس السابق وإثارة المشاكل حوله في داخل القوائم العراقية المختلفة، بلحاظ بعض السلبيات التي لم يكن له أي دخل فيها بل كانت بفعل الأسلوب الأميركي في الإدارة العامة على المستوى الأمني والاقتصادي، وهكذا رأينا كيف تنطلق الزيارات المتتابعة لوزيري الخارجية والحرب الأميركيين للاشراف على الحكومة العراقية الجديدة، لتكون على صورة السياسة الأميركية ومصالحها". والعنوان الثالث هو التأييد الأميركي المطلق للحكومة الصهيونية في كل مشاريعها في الاستيطان والجدار العنصري، وتحديد الحدود، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، والاستمرار في المجازر اليومية والاعتقالات العشوائية والحصار الخانق وتجويع الشعب الفلسطيني، والضغط على الدول العربية للسير مع هذه السياسات في تعاملها مع الحكومة الفلسطينية من أجل إسقاطها لحساب المشروع الإسرائيلي، بحيث يلهث بعض هؤلاء الحكام وراء المسؤولين الصهاينة، ويرفضون اللقاء بالمسؤولين الفلسطينيين تحت مبررات لا يحترمها أي عقل يحترم نفسه.. ومن المؤسف أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة قد سقطا تحت تأثير الضغط الأمريكي". "ونحن في هذا الجو، نريد للفلسطينيين أن يرحموا قضيتهم ومعاناة شعبهم، فيكفوا عن السجالات وعن كل أجواء الفوضى أو الإثارة الداخلية للأوضاع، بما يحفظ قضيتهم ويؤكد على وحدتهم في مواجهة المحتل". "والعنوان الرابع هو القاعدة القانونية الحقوقية التي ينتهجها الرئيس الأميركي وإدارته والتي تقول بأن المتهم مدان حتى تثبت براءته، وهذا ما نلاحظه في العقوبات التي تصدرها ضد بعض الأشخاص الذين تعتبر أن لهم علاقة في بعض الأحداث في المنطقة، والتي تتصل بالملف النووي الإيراني السلمي الذي تحرك أميركا الحرب على إيران باتهامها, مجرد اتهام بالسعي لصنع السلاح النووي ـ وهو ما تنكره الحكومة الإيرانية ـ بحيث تثير في وجهها أكثر من مشكلة في المجتمع الدولي لإخضاعها لمصالحها، ولإرغامها على تقديم التنازلات من حريتها وعزتها وكرامة شعبها". اضاف: "وفي هذا الإطار، فإن الإدارة الأميركية توزع الاتهامات بالإرهاب في أكثر من موقع عربي وإسلامي، ضد الذين يدافعون عن الحرية والسيادة والاستقلال في بلادهم، ويتهمون الدول الداعمة لحركة الحرية بدعم الإرهاب، وهذا ما يوجهونه الى سوريا وإيران والمقاومة الإسلامية في لبنان والحكومة الفلسطينية وفصائل الانتفاضة، في الوقت الذي تقوم فيه هذه الإدارة بإرهاب الدولة مع حليفتها إسرائيل ضد العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول المستضعفة التي تعاني من الفقر والحرمان". وتابع: "إن أمريكا وحلفاءها قد أعلنوا الحرب بأكثر من خطة ضد العالم الإسلامي الذي يهتز الآن سياسيا واقتصاديا وأمنيا بفعل هذه السياسة الاستكبارية، لأن هناك عقدة ضد الإسلام الذي يريد الحرية للإنسان كله والعزة للمسلمين كلهم، حتى أنهم قاموا بتوظيف بعض المسؤولين من عملائهم للسيطرة على الواقع الإسلامي كله، الأمر الذي يفرض على العالم الإسلامي ـ ومعه العالم العربي ـ أن يخرج من هذا الطوق الأميركي، ولا سيما في العراق الذي لا يزال ينزف في المجازر الإرهابية اليومية من قبل التكفيريين من جهة، وقوات الاحتلال المساندة للارهاب في المواقع الخفية المغلقة بفعل مخابراته المتحالفة مع الموساد من جهة أخرى". وأمل من الشعب العراقي "أن يكون واعيا للخطط الأميركية، ليوحِّد كل أطيافه ومواقعه، وليعمل على تأسيس حكومة وحدة وطنية بعيدا عن تدخلات الموفدين الأميركيين والسفارة الأميركية في بغداد، لأننا لا نريد لهم أن ينتقلوا من حكم الطاغية الوحشي الى حكم الطاغية الأميركي، وقد جاء في الحديث: "إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين". ودعا المسلمين الى صحوة إسلامية تحريرية ثقافية سياسية تنفتح على الوحدة الإسلامية المتحركة في خط العقلانية والموضوعية والوعي والحوار فيما يختلف فيه المسلمون، والاحترام لدماء بعضهم البعض ولأموال بعضهم البعض، وأن لا يسمحوا للمخابرات الدولية والإقليمية بإثارة الفتنة المذهبية مما قد تستغل فيه بعض الحالات السلبية المعقدة هنا وهناك. وقال:"أما لبنان، فإننا نريد له أن لا يسقط تحت تأثير الخداع الأميركي في اهتمامه بسيادته واستقلاله من أجل السيطرة عليه بوسائله الخادعة التي تعرفها المنطقة في وعود الاستكبار، كما كان يحدث في القرن الماضي، لأننا نلاحظ من خلال أسلوب السياسة الأميركية أنها لا تعمل لإنقاذ الاقتصاد اللبناني أو إيجاد قاعدة جيدة للعلاقات اللبنانية ـ السورية، بل تزيدها تعقيدا لأنها تريد للبنان أن يبقى ورقة ضغط ضد سوريا في مواقفها في قضايا فلسطين والعراق وإيران، للضغط عليها لتقديم التنازلات من قاعدة الممانعة ضد الصهيونية والاحتلال". اضاف:"ومن جانب آخر، فإ
ننا ندعو اللبنانيين أن يدرسوا التجارب الماضية، ولا سيما في عدوان عناقيد الغضب وما رافقه من مجازر في قانا وغيرها، بالإضافة الى مجزرة صبرا وشاتيلا، ليعرفوا أن إسرائيل العدوانية تمثل خطرا على لبنان والمنطقة، وليكون لديهم وعي المحافظة على القوة في سلاح المقاومة التي هي الجهة التي تملك مواجهة هذا العدوان كما واجهته في الماضي وطردته من البلد، من دون أن يحصل على أي شرط من الشروط التي كان يتطلع لفرضها على لبنان". "وإننا في أجواء عيد العمال، نريد للحكومة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه العمال في جميع قطاعات العمل، ليكونوا على رأس أولوياتها واهتماماتها، وإلا فما معنى استمراريتها إذا أخفقت في هذه المسؤولية وغيرها، كما ندعو الحكومة الى تحمّل مسؤولياتها فيما هي الخطة الإصلاحية التي ينبغي أن تنطلق بشكل مدروس، وإدارة القضايا المتصلة بالاقتصاد والخدمات الحياتية، ومعالجة الفساد، وحل مشكلة المديونية، ومحاسبة الذين أثروا من خلال التعدي على مال الدولة، لأننا نريد لبنان بلدا يشعر أبناؤه بجدية السعي لحل مشكلاته وتعزيز مواقعه، والانفتاح على المواطنة بدلا من الطائفية، وعلى الحرية بدلا من العبودية، ليستطيع هذا البلد ـ بإنسانه ـ أن يأخذ دوره في تقوية مواطنيه، وفي إغناء المنطقة بالحكمة والمعرفة والإيمان.