ارشيف من :آراء وتحليلات

مجرد كلمة: الاستقلال يوازي المساواة

مجرد كلمة: الاستقلال يوازي المساواة
كتب أمير قانصوه
منذ أكثر من ستين عاماً ولبنان يحتفل بذكرى الاستقلال، احتفال ما كان يخلو للحظة من الغصة المترافقة مع أماني اللبنانيين بكل مشاربهم بأن يتم انجاز الاستقلال الحقيقي، ومعناه أن يحكم اللبنانيون دولتهم بأنفسهم، بعيداً عن كل التدخلات الخارجية، وأن تقوم المؤسسات بواجبها بعيداً عن سياسة التمييز الداخلي، لتغدو الدولة دولة المواطنين جميعاً بالتساوي في الحقوق والواجبات.
مبدأ المساواة كان يوازي لدى الكثير من اللبنانيين لا سيما في الأطراف المحرومة، معنى الاستقلال، فقيام الدولة واستتباب سلطتها هو الطريق والمدرسة والمستشفى وفرصة عمل ومنها في الجيش.
لكن ما كان يحصل أن الاستقلال بالمعنى الذي يطلبونه ما كان يحضر الى هذه المناطق الا كعيد سنوي، ترفع خلاله الاعلام الرسمية وينشد التلامذة في باحات مدارسهم النشيد الوطني، ليعودوا في الأيام التي تلي هذا "العيد" كلّ الى مصيبته، فمن موت المريض على الطريق المحفرة قبل أن يصل الى المستشفى التي تبعد عشرات الكيلومترات عن قريته، أو سعي أحد المواطنين عند المسؤول السياسي أو النائب الفلاني للتوسط لابنه ليقبل موظفاً في السلك الرسمي أو حتى عسكرياً في الجيش.. الى غيرها وغيرها من وسائل القهر التي كانت تلاحق المواطنين بوجعها وهم يعيشون في كنف دولة تحتفل كل عام باستقلالها.
كل ذلك كان يحدث في كل المناطق بدون استثناء، في حين أن كثيرين ممن يتساوون معهم في المواطنية والانتماء الى هذا البلد كانت الدولة عندهم مجرد فكرة استثمارية، من الوكالات الحصرية والاحتكارات الى المشاريع الكبرى والتعهدات والأملاك العامة، ومنها البحرية، وأهم من كل ذلك احتكار السلطة وتوزيعها قطعاً بين العائلات النافذة، وأصحاب الحظوة والأزلام. حتى اذا ما نزلت الويلات بهذا الوطن كان هؤلاء يفرون من البلد تاركين النار تحرقه على من فيه.. وعندما انحسرت الحرب عاد هؤلاء ليحصدوا من نعم السلم ما يزيد ثرواتهم ويعزز نفوذهم.. لا بل يعتبرون أنفسهم أكثر من دفع الأثمان لاستقلال البلد وتحصينه.
الاستقلال الحقيقي الذي يعني بنظر الكثير من اللبنانيين المساواة، هو لا يعني ابداً الطائفية السياسية وإرساء التوازن بين العائلات الروحية، بل يعني إلغاء طائفة اللصوص والفاسدين، وإلغاء الحرمان الذي ما زال الحاضر الأكبر في الكثير من المناطق، وإرساء فكرة "الوطن للجميع والجميع للوطن" بمعناها الذي كان أمل اللبنانيين منذ العام 1943 وحتى اليوم. 
الانتقاد/ العدد 1317 ـ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
2008-11-21